لم تستطع شمس أواخر أيار مايو ان توقظ أهالي المنية ? الضنية باكراً أمس، كما لم ينعكس ارتفاع حرارة الطقس حماسة في التوجه إلى أقلام الاقتراع مبكراً، مقارنة بحماستهم الكبيرة التي كانت لافتة في الانتخابات النيابية صيف العام الفائت."أصبح لدينا اقتناع متجذر بأن الأمور ستبقى هي هي، أياً كانت الجهة الفائزة، سواء كانت سياسية أم عائلية، في ظل الإمكانات المادية المتواضعة التي ترصد للبلديات، ووسط غياب أي برامج إنمائية واضحة ومنطقية للمرشحين، ما يجعل التصويت لمصلحة عمرو لا يختلف عن التصويت لمنفاسه زيد"، بحسب تعبير أحمد جمال 49 سنة من بلدة بخعون الضناوية، والذي آثر البقاء أمام شاشة التلفزيون أمس، على ممارسة حقه الانتخابي قائلاً:"فالج لا تعالج". لكن حال أحمد لم تنسحب على عموم أهالي الضنية الذين توجهوا، ولو بفتور واضح، إلى مراكز الاقتراع أمس لانتخاب 393 عضواً بلدياً في 33 بلدية، إضافة إلى 92 مختاراً. وبدت درجات الفتور أو الحماسة متفاوتة بين بلدة وأخرى، وفقاً لحجم الاصطفافات السياسية أو الصراعات العائلية في كل بلدة أو قرية. عندما قرع جرس الكنيسة في بلدة كفرحبو إيذاناً بقداس الأحد كانت أقلام الاقتراع في البلدة المختلطة شبه مقفرة. ولم تشهد الشوارع حركة انتخابية إلا ظهراً. فيما كان المشهد مختلفاً في بلدة حقل العزيمة ذات الغالبية المسيحية، والتي خاضت أول تجربة انتخابية لها تحت مظلة حزب سياسي، إذ تشكل"القوات اللبنانية"بيضة القبان فيها، لا سيما عقب افتتاح أول مكتب ل"القوات"في الضنية. فكان اللون الأبيض الذي يميز راية"القوات" طاغياً في الشارع الرئيس للقرية. واختلط في بخعون الصراع العائلي مع السياسي. ولعبت الحسابات العائلية في شكلها الضيق أو الواسع دوراً في حضّ أبناء البلدة على الاقتراع، من دون ان تغيب السياسة عن تحديد خيارات الناخبين، خصوصاً ان بخعون هي مسقط رأس النائب قاسم عبدالعزيز الذي تزداد شعبيته يوماً بعد يوم، كما تعد معقل النائب السابق جهاد الصمد الذي يحاول جاهداً تفعيل حضوره السياسي بعدما خسر مقعده النيابي في الدورتين الأخيرتين 2005 و2009. وفي عاصون، بدت الصورة أكثر تعقيداً، بسبب التنوع الطائفي وتعدد الولاءات الطائفية والحزبية، إذ تتوزع موازين القوى بنسب متفاوتة، بين:"تيار المستقبل"، والرئيس عمر كرامي، وتيار"المردة"، و"التيار الوطني الحر"و"القوات اللبنانية". وفي بلدة سير، عاصمة قضاء الضنية و"عرين"النائب أحمد فتفت، فشهدت صراعاً بين لائحتين متنافستين: الأولى يدعمها فتفت، والثانية يدعمها خصومه التقليديون مثل محمد آغا الفاضل المقرب من الرئيس نجيب ميقاتي وعبدالناصر رعد الحزب القومي ومن يؤيدهم من العائلات. وبدا فتفت"مرتاحاً"للانتخابات في بلدته، لاعتقاده بعدم قدرة هؤلاء على إحداث أي تغيير في المعادلة التي أرساها في الانتخابات البلدية عام 2004. في المقابل، كانت حرارة الانتخابات في بلدة بقرصونا مرتفعة، بفعل تراكم الخلافات العائلية المتجذرة بين العائلات الثلاث الكبرى فيها، وهي: بكور وشوك وشندب، والذي يصل أحياناً إلى حدّ التناحر، ما انعكس تزاحماً في أقلام الاقتراع بعدما فشلت محاولات رأب الصدع العائلي. وفي بلدة بقاعصفرين التي تربط أبناءها علاقة تاريخية مع الرئيس عمر كرامي، ثمة حضور متنامٍ للرئيس ميقاتي وتيار"المستقبل". فيما خاضت بلدتا عيمار وكرم المهر ذاتا الغالبية المسيحية، معركة بلدية حقيقية، بعدما بلغ الانقسام ذروته في الانتخابات النيابية الأخيرة 2009 بين أبناء البلدتين المنقسمين سياسياً بين فريقي 14 و8 آذار. وترجم هذا الانقسام كثافة ملحوظة في الاقتراع بغية"إثبات"الأحجام السياسية في الصناديق التي غصت بالمقترعين، مقارنة بالانتخابات البلدية والاختيارية قبل ست سنوات. وفيما لم تخرج المعارك في بلدات مراح السراج، عزقي، إيزال، كفرشلان، حرف السياد، القطين وعين التينة، عن إطار الصراعات العائلية، في غياب الاصطفافات السياسية في هذه القرى الصغيرة، شهدت بلدة السفيرة المجاورة للغيوم إقبالاً كثيفاً على الاقتراع، يغذيه تنافس سياسي حاد بين عائلات هروموش وحسون وضاهر ولاغا واليخني.