تتطلع نادين رزق 19 سنة بكثير من الأمل الى المستقبل. تقول والفرح يسكن وجهها الطفولي انها ستغيّر نظرة اللبنانيين الى مهنة"الشيف". قبل أيام حازت نادين مع زميلتها في الجامعة ناتالي ضومط 22 سنة الميدالية الذهبية في مسابقة Live Junior Chef Competition خلال معرض"أوريكا"للمأكولات الذي أقيم على مدى أربعة أيام في العاصمة بيروت، وشاركت فيه شركات ومطاعم وأصحاب الاختصاص من العديد من دول العالم. وفي السنة الماضية حازت نادين الميدالية الفضية في مسابقة Sandwich Competition . محطتان نوعيتان في حياة الفتاة الجامعية دفعتاها الى اتخاذ قرار حاسم في حياتها. فنادين التي اختارت التخصّص في إدارة الفنادق، على أمل التفرغ لاحقاً إما للعمل في هذا المجال أو التسويق أو الالتحاق بقسم المبيعات، اختارت ما رقصت له حواسها الخمس..."عالم الطبخ". المرة الأولى التي دخلت فيها الى مطبخ أحد المطاعم الإيطالية في وسط بيروت، من ضمن برنامج التدريب الجامعي، كانت كافية لأخذ القرار بتحويل كل طاقتها الإبداعية نحو اختراعات جديدة في عالم التذوّق. والاختبار المهني الأول الناجح من خلال"معرض أوريكا"شكّل حافزاً لها للانطلاق نحو مجالات أوسع. تتحدث الفتاة هنا عن مشاريع مستقبلية لن تقف"العقدة اللبنانية"في النظرة الى"الطبّاخ"حائلاً دون تنفيذها. لا أحد في عائلة نادين ينتمي الى"نادي عشّاق الطبخ"باستثناء والدتها المعروفة بإتقانها كل المأكولات الشرقية. لكن أحلام نادين وخريطة مشاريعها تتخطى كل ما هو تقليدي... والعالمية هدفها الأهم. توضح:"أدرك حجم الصعوبات التي قد تعترض"الشيف"في لبنان، لكن سوق العمل واسع وكل المتخرّجين يجدون عادة مكاناً لهم بسبب"تفريخ"المطاعم والفنادق في العديد من المناطق اللبنانية، لكن المشكلة هي في نظرة اللبنانيين الى هذه المهنة. وهنا تكمن المفارقات، فاللبنانيون يزايدون على بعضهم بعضًا بتناول ألذ المأكولات في المطاعم وفي دفع الفواتير"الدسمة"، وفي الوقت عينه ينظرون الى مهنة"الشيف"نظرة دونية، وكأنها مهنة أقل مستوى من غيرها". وسلفاً، تدرك نادين أن التعاطي مع المرأة"الشيف"سيكون أكثر صعوبة، كون هذا المجال يحتكره الرجال في شكل كبير. وعلى طريقتها تذكّر نادين من يعنيه الأمر"ان"الشيف"أهم من المطعم نفسه، فما نفع المطعم إذا كان ديكوره بمئات الآف الدولارات والخدمة فيه أكثر من مميزة... لكن طعامه سيء ويفتقد الى الذوق والنوعية؟". أمام لجنة حكم مؤلفة من اختصاصيين من دول أجنبية ومن لبنان، حضّرت نادين وزميلتها ناتالي على مدة ساعتين وجبة كاملة مؤلفة من مقبلات وسلطة وطبق رئيس من المطبخ الإيطالي لكن بإضافات خاصة من المشاركتين. ومن بين 36 مشاركاً في المنافسة تم اختيار الفتاتين الجامعيتين لتنالا الجائزة الذهبية. مع العلم أنه قبل شهر من المسابقة وزّع على المشاركين كتيب حول القواعد التي ترعى هذه المسابقات لناحية نوعية الأصناف المستخدمة في تحضير الأطباق، وضرورة عدم الإكثار من النكهات الشرقية، والالتزام بمعايير معينة من المقادير والمطيّبات... كي لا يستفيد أحد المشاركين من فرصة استخدام أصناف غالية الثمن تؤثر على نكهة الأطباق، وتعطيه نقاطاً متقدمة على الآخرين. وخلال عملية تحضير الأطباق وجّه أعضاء لجنة الحكم للمشاركين، الذين فرضت شروط المسابقة بأن يكونوا تحت عمر الخامسة والعشرين، مجموعة من الأسئلة تتعلق بطريقة التحضير وأسباب استخدام بعض الأصناف دون غيرها... لفحص قدرة التركيز لديهم. وإضافة الى الجائزة الذهبية عن التذوق، والعمل ضمن فريق والابتكار وحسن التنظيم، نالت نادين وناتالي جائزة النظافة، وقد أثارتا إعجاب لجنة الحكم لناحية القدرة على العمل الثنائي المنظّم وإيصال طبق شهي مبتكر الى طاولة لجنة الحكم خلال ساعتين من الوقت. تتحدث نادين بشغف عن رغبتها"في المشاركة في المسابقات العالمية، وإثبات قدرة الطبّاخين على تشكيل حلقة نافذة من أصحاب الاختصاص توازي بالأهمية الأطباء والمهندسين ومديري الشركات... هؤلاء جميعهم، لا تكتمل دورة حياتهم الطبيعية من دون طبق شهي ينسيهم ضغوطهم اليومية"تقول الشابة المفعمة بالحيوية. والمشروع الأحب الى قلب نادين هو فتح مطعم صغير في وسط بيروت يقدّم الأصناف الأوروبية، خصوصاً الإيطالية منها، والابتعاد في هذا المجال عن الأطباق التقليدية لمصلحة الترويج لأصناف عصرية ستكون جديدة على الذائقة اللبنانية. وتقول نادين في هذا السياق:"أنا مثل الكثيرين من الشباب اللبناني أرفض أن أحمل شهادتي لأعمل في الخارج وأدير مطعماً أوظف فيه عمالاً أجانب أو حتى لبنانيين. التحدي الكبير بالنسبة الي هو أن أثبّت أسس مشروعي في بلدي، واستقطب يداً عاملة لبنانية... لا أرى نفسي إلا في بيئتي ومحيطي، أما الخارج فسيكون فقط لأصقل مهاراتي وأراكم خبرات تساعدني في تغيير النظرة الى هذه المهنة الراقية". نشر في العدد: 17202 ت.م: 10-05-2010 ص: 27 ط: الرياض