قررت الحكومة السويسرية أخيراً وضع استراتيجية جديدة للتعامل مع الضغوط المتواصلة عليها من الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة في شأن احتضانها ثروات غير خالصة الضرائب في دولها الأصلية. ووفق قرار الحكومة السويسرية الصادر في 24 شباط فبراير الماضي، لن يكون من السهل استقبال ودائع أجنبية في مصارف سويسرا من دون الإعلان عن موقفها الضريبي. وتريد سويسرا من خلال تلك القرارات الإفلات من الانتقادات الموجهة إليها، على أنها ملاذ آمن للمتهربين من الضرائب أو أنها لا تطبق معايير منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية المعتمدة في مجال مكافحة التهرب الضريبي، لا سيما في عدم التمييز بين التهرب الضريبي والتحايل الضريبي، حيث تعتبر الأولى بموجب القانون السويسري مخالفة إدارية، بينما تخضع الثانية لقوانين العقوبات. ولا ترى السلطات السويسرية في هذا القرار استسلاماً كاملاً للضغوط الأوروبية، فهي أكدت أن التعاون المرتقب مع الدول المتضررة لا يعني الموافقة على تبادل معلومات في شكل تلقائي معها حول ودائع رعاياها في المصارف السويسرية، بل هي مجرد"علامات حسن النوايا"لفتح باب المفاوضات الثنائية بين سويسرا وتلك الدول، يدخل فيها تعديل اتفاقات منع الازدواج الضريبي بما يحفظ مصالح الطرفين. وتستفيد سويسرا في سياسة الاتفاقات الثنائية من عدم اتفاق دول الاتحاد الأوروبي في ما بينها على سياسة موحدة في مواجهة التهرب الضريبي، ما اعترف به صراحة وزير المال السويسري هانز رودلف ميرتس في مؤتمر صحافي في 25 شباط فبراير، وبالتالي فهي لا تفتح الباب لاختراق سرية الحسابات المصرفية، فالتفاوض مع كل دولة على حدة يسمح لسويسرا بتقليص حجم التنازلات إلى الحد الأدنى والحصول في المقابل على امتيازات من كل دولة على انفراد، وهي خطوة برعت سويسرا فيها سواء على الصعيد السياسي أو الاقتصادي. ولا تقف المشكلة عند هذا الحد، فواضح أن خبراء مكافحة جرائم غسيل الأموال في منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية يرغبون في ملاحقة الملاذات الضريبية الآمنة إلى نهايتها، ويسعون الآن إلى وضع مجرد التورط في حسابات التهرب الضريبي إحدى جرائم غسل المال، ما يصنف مئات شركات الائتمان الخاصة والخدمات المالية ومستشاري المصارف في حلقة الاتهام إذا تورط أحد عملائها في مخالفة ضريبية. ويعني هذا التوجه، أن الاتفاقات الثنائية التي تسعى سويسرا لتوقيعها مع الدول المتضررة من التهرب الضريبي قد تصبح غير ذات جدوى في مثل تلك الحالات، وأن ظهور أمارات التلاعب في ثروات أحد أصحاب الودائع من الأجانب في المصارف السويسرية كفيل بإثارة الزوابع مجدداً حول سويسرا. وقد يبدو الحل الأمثل للخروج من تلك الدائرة المعقدة، عدم القبول بالودائع الأجنبية في مصارف سويسرا، إلا إذا كانت مشفوعة بما يفيد موقفها الضريبي الكامل في دول المصدر، ما يدفع إلى الخوف على سرية الحسابات المصرفية السويسرية، التي تتنازل يوماً بعد يوم عن أركانها الأساسية، ربما في طريقها إلى أن تصبح من التاريخ في صفحات سياسة سويسرا المالية. نشر في العدد: 17135 ت.م: 2010-03-04 ص: 19 ط: الرياض