لن أذهب بعيداً لأبحث عن نموذج لشاب يوصف بال"الرجل الخارق"، فلا يتطلب مني الأمر إلا خطوة صغيرة الى الغرفة المجاورة حيث يمضي أخي أوقاته ويقوم بمعظم نشاطاته. أحمد المتعلق بصديقه الجديد. يضعه في حضنه ليدرس ويعمل، يمده إلى جانبه في السرير للعب مباريات، يغمره ليوصل مشاعره الى حبيبته... إنه كيانه الثاني، جسده الآخر، كومبيوتره المحمول. هكذا يقضي أحمد أوقاته. وهذا مجرد مثال واحد من داخل منزلي، لكن عندما تذهب الى ردهات الجامعات والمقاهي وأماكن تجمع الشباب ستجد مئات النسخ من أحمد، فقد أصبح معظم الشباب ملتصقين بأجهزة الكومبيوتر المحمول، وأصبحت نشاطاتهم اليومية التكنولوجية - الإنسانية شكلاً من أشكال اتحاد الانسان مع الآلة الذكية وهو الذي عرّفته كاثرين هايلز بأنه الفكرة الرئيسية لل"Posthuman"او"الرجل الخارق". تدق الساعة الخامسة صباحاً، فيستيقظ أحمد. يفتح الكومبيوتر يضغط على زر التشغيل، يذهب ليغسل وجهه، ويعود الى غرفته. إنه الآن"متصل"، فجهازه دخل الشبكة العنكبوتية... وبدأ يومه. جسده البيولوجي وكيانه الالكتروني متصلان. يبدأ أحمد دراسته، يدخل الى نظام الجامعة على الانترنت، ويستخرج واجباته المنزلية لينجزها، إنه الكومبيوتر الذي يحلّ مكان الكتاب والدفتر. يتحدث الى صديقه، يناقشان الدروس والواجبات، في جوّ لا يخلو من النميمة والسخرية عبر إرسال بعض الرموز الانفعالية التي قد تحمل ضمناً معنى معاكساً بقصد السخرية. وأحمد ليس مجرد طالب عادي. فهو يعمل أيضاً عبر الكثير من الاتصالات مع عدد من البلدان التي زارها افتراضياً. وبقي على اتصال مع أشخاص فيها عبر البريد الالكتروني وال"أم أس أن"، ويقوم معهم بأعمال تجارية من استيراد لبعض المنتجات وتسويقها وبيعها بلمسة صغيرة على لوحة المفاتيح. في هذا الوقت تدخل حبيبته الى غرفة الدردشة."صباح الخير حبيبي."ك"رمز القبلة. يكاد احمد يشعر بها. فالرموز الانفعالية والوجوه الضاحكة أو العابسة تحلّ بديلاً لمشاعرهما. فهذه الرموز التي تشكل لغة تستخدم في بنيتها حروفاً وأشكالاً تؤلف طائفة واسعة من المعاني والتعبيرات. كلّ تعبير له رمز، يفهمها مستخدمو الكومبيوتر، أما إذا لم تكن للشخص دراية بالكومبيوتر فلن يعرف معانيها."الرموز الانفعالية قد تبدو سخيفة إذا كنت لا تستخدمها... وكي تدرك معناها عليك، عقلياً على الأقل، أن تقلب رأسك"، كما قال مارك بالن . يدير أحمد وخطيبته الكاميرا المثبتة أعلى الشاشة. الآن وقد التقيا"افتراضياً"، يمكنهما أن يشاهدا ويستمعا الى بعضهما بعضاً. لكن هل هذا اللقاء كاف ليتبادلا المشاعر؟ هل هذه الرموز كافية لتوصل إحساسهما؟ هل يمكن أن يستبدلا ذلك اللقاء الافتراضي بالواقعي؟ هل رمز"ك"يمنحهما حرارة القبلة ودفء العناق؟ ... حان وقت أن يحزم أحمد أغراضه ويغلق جهازه ليحضر صفوفه في الجامعة."وداعاً الآن، يجب أن أذهب"وقبل ان ينتظر جواباً، يغلق نافذته ويرحل متجاوزاً كل حدود اللياقة. بعد الانتهاء من صفوفه يعود الى المنزل، ودورة حياته تتكرر يوماً تلو الآخر، يواصل حياته"متصلاً". إنها حال معظم الشباب الذين أصبحوا كرجال خارقين يعيشون تجارب افتراضية، تتأرجح بين الحياة التكنولوجية والبشرية. بيروت - سارة حموي مصممة غرافيكس *"أول مرة"مساحة يفردها ملحق شباب للطلاب والراغبين في الكتابة والنشر من غير المحترفين. هذه زاوية تستقبل المساهمات من صور ومقالات لا تتعدى 600 كلمة وتعنى بالشؤون الشبابية والاكاديمية مع تعريف صغير للكاتب وبلد الإقامة على العنوان التالي: [email protected] نشر في العدد: 17153 ت.م: 2010-03-22 ص: 26 ط: الرياض