يتبادل العاملون في الحقل الإعلامي المصري، خصوصاً التلفزيون، النكات حول ما ضرب الإعلام المصري من"تسونامي"تنظيم ومراقبة مشوب بغلق وإنذارات مع إقصاء عن الشاشات وأعمدة الرأي في الصحف قبل انطلاق ماراثون انتخابات البرلمان المصري. تلك السلسلة من التحرش غير المعلن بين الحكومة وأصوات المعارضة الإعلامية كان التلفزيون قاسمها المشترك والأكبر في مجتمع لا يلقي بالاً للقراءة إلا في ما ندر، في حين يظل التلفزيون مصدر معلوماته الأول خصوصاً بعد فورة برامج الحوار التي احتلت غالبية القنوات المصرية الأرضية والفضائية والتي ناقشت ملفات لم يعتد المشاهد المصري على متابعتها إلا عبر وسائل الإعلام الأجنبية مثل"بي بي سي"و"س ان ان". البداية كانت مع غياب عمرو أديب وبرنامجه"القاهرة اليوم"من الشاشة ثم إقالة إبراهيم عيسى من رئاسة تحرير جريدة"الدستور"ثم الإغلاق القسري ل 12 فضائية تبث من القمر الاصطناعي المصري"نايل سات"، كان بينها بعض القنوات الدينية الإسلامية مع تشديد الرقابة على الرسائل القصيرة... وأخيراً وربما ليس آخراً تقدم الحزب الوطني الحاكم بشكوى ل"لجنة رصد وتصحيح التغطية الإعلامية والإعلانية لانتخابات مجلس الشعب 2010"حول حلقة برنامج"العاشرة مساء"الذي تقدمه الإعلامية منى الشاذلي على"دريم"، بعدما استضاف البرنامج اثنين من الصحافيين للتعليق على أسلوب الحزب في اختيار مرشحيه. اعترض الحزب على الحلقة كون ما ناقشته شأناً داخلياً لا ينبغي تناوله في ظل غياب أي ممثل عن الحزب في الحلقة والرد على معارضيه. من هنا، اتى اتصال رئيس اللجنة الدكتور فاروق أبو زيد بالقناة واتفقا على أن تكفل القناة حق الرد للحزب، إلا أن قناة"دريم"أعلنت فى البرنامج نفسه، وبعد أن أعادت إذاعة بعض الفقرات التي أثارت شكوى الحزب، أن الأمر لا يستدعي كفالة حق الرد له. وقال المدير العام للبرامج في قنوات"دريم"الفضائية محمد خضر:"لا يوجد أي تجاوز من الأساس والبرنامج لم يخطئ فى حق الحزب الوطني، كل ما في الأمر أن حلقة"العاشرة مساء" كان محورها الأساسي هو تحليل ترشيح الحزب الوطني لأكثر من مرشح على قائمته في الدوائر المفتوحة، وكان الهدف من الحلقة الوقوف على تأثير هذا الأمر على سير العملية الانتخابية". وأشار خضر إلى أن البرنامج"لم يكن مع الحزب الوطني أو ضده"، والحلقة كانت"تحليلية وليست تحقيقاً تلفزيونياً لتستضيف ممثلاً عن الحزب". وانتهت اللجنة إلى تحويل المخالفة إلى المنطقة الحرة الإعلامية لاتخاذ ما تراه مناسباً في شأن إصرار قناة"دريم"على المخالفة، ومنع الحزب الوطني من ممارسة حقه المشروع في الرد. وطاول اللجنة بعض الاتهامات بمحاباة الحزب الوطني الحاكم على اعتبار أنَّها تضمُّ في عضويتها عدداً كبيراً من أعضائه أو مسؤولين سابقين فيه، وهو ما فنده أبو زيد، مؤكداً أن"اللجنة تمارس عملها باستقلالية كاملة ولا تفرق بين حزب وآخر، ولم تخالف ما هو منصوص عليه في الدستور والقانون في ما يتعلق بتحقيق مبدأ تكافؤ الفرص في الدعاية الانتخابية". وبذلك، تكون"دريم"قد اضحت ضيفاً عزيزاً على اللجنة بعد أقل من شهر من إحالتها عليها بسبب إحدى حلقات برنامج"الكورة مع دريم"الذي يقدمه الناقد الرياضي مصطفى عبده، لما احتوته من تجاوزات لفظية تتنافى مع الذوق العام. قبل فترة، تمنى مالك قنوات"دريم" الفضائية رجل الأعمال المصري أحمد بهجت في أحد البرامج التلفزيونية إغلاق"دريم"لأنها"وجّعت دماغه"كون رد الفعل تجاه بعض المواضيع التي تناولتها برامج القناة أو الأخطاء التي وقع بعضهم فيها أقوى بكثير من الفعل نفسه، لدرجة تؤثر أحيانا سلباً على استثماراته الأخرى. ولكن يحاول بهجت بعقلية رجال الأعمال إيجاد حلول بديلة عندما تتأزم الأمور مستخدماً أحياناً مبدأ العصا والجزرة وأحياناً أخرى يرتدي قبعة المؤيد للسلطة وسياستها التي تحافظ على أمن مصر واستقرارها إلا أن ذلك لا يمنع أن تنتقد قنواته تجاوزات الحكومة والفساد الإداري ببعض الوزارات، فهو بذلك في خندق المعارضة الناعمة والموالاة غير المعصوبة العينين. ففي لقائه منذ أشهر قليلة مع الإعلامي معتز الدمرداش ببرنامج"90 دقيقة"على قناة"المحور"، أكد بهجت أنه ضد استضافة الإخوان المسلمين ببرنامج"العاشرة مساءً"، وقال:" أنا مش معارض، أنا ابن هذا النظام ومستفيد منه، وحققت جزءاً كبيراً من نجاحاتي في ظله، ولا يمكن أن أكون ضده، ومبارك هو من أتاح للإعلام هذه الحرية غير المسبوقة". واعترض أحمد بهجت على تصدر شعار الإخوان لشاشته، وقال:"كان يجب محاسبة الإخوان عليها إعلانياً". ووجه كلمات حادة إلى هؤلاء الذين وصفهم بالباحثين عن الشهرة والجماهيرية على حساب أشياء أخرى، مشيراً بذلك إلى"العاشرة مساء"ومقدمته منى الشاذلي. إذاً، تواجه الآن الشاذلي تهمة"عدم مراعاة المعايير المهنية"التي أصبحت لقمة تلوكها الأفواه بعد أن استهلكت تهمة"الإساءة إلى سمعة مصر"التي كانت تتعقب من يفكر خارج صندوق السائد من أسس الإعلامي الحكومي. إلا أن تاريخ الشاذلي الإعلامي يعكس تمتعها بهامش كبير من الموضوعية عند طرح الملفات الشائكة المتعددة الأطراف. لكنّ ذلك لا يبعد عنها أسهم النقد اللاذعة من فترة إلى أخرى. ترى هل ستلقى الشاذلي قريباً مصير زميلها عمرو الأديب... سؤال إجابته لدى المنطقة الحرة الإعلامية؟