يقولون في مصر إن"لا أحد ينام من دون عشاء"، لكن ألوف المصريين باتوا يشكون في هذه الأيام من أنهم يبيتون ليلتهم حتى من دون وجبة غداء. وقد باتت هذه الحال الآخذة في التوغّل جراء تدهور الأوضاع المعيشية للمواطنين، مصدر ضغط على صنّاع السياسة في مصر خشية أن تؤدي إلى انفجار في المجتمع. ويعرف كبار قادة الحزب الوطني الحاكم أن المصاعب المعيشية التي تواجهها الغالبية العظمى من المصريين باتت ركيزة أساسية لتوجيه سهام النقد إلى سياسات الحزب وحكومته باعتبار أنها"لا تعكس مصالح الشعب"، بحسب ما يقول معارضون. ووسط دعوات إلى الحكومة للتدخل بهدف كبح جماح ارتفاع أسعار الخضار والفواكه في الأسواق، تشير أوساط حكومية إلى أن تحرير السوق يجعل من الصعب على الأجهزة الحكومية أن تتدخل في تحديد الأسعار في بلد يعتمد إلى حد كبير على السلع المستوردة. يقول عبود الإمام وهو يجلس في مقهى شعبي في القاهرة - ليس مقهى بالمعنى الصحيح بقدر من هو مجرّد كوخ صغير لا تتعدى مساحته ثلاثة أمتار مربعة - وأمامه كوب شاي وإبريق دورق مياه مثلّجة:"أسعى إلى نسيان هموم المعيشة وغلاء الأسعار ... لقد بتنا في هذه الأيام نخشى يوماً ينام أبناؤنا فيه من دون عشاء نظراً إلى الارتفاعات الجنونية في الأسعار". وأظهر تقرير رسمي صدر أخيراً انخفاضاً شديداً في إنتاجية محاصيل الخضروات والفاكهة وصل إلى أكثر من 70 في المئة مقارنة بإنتاجية العام الماضي من هذه المحاصيل، وهو الأمر الذي أدى إلى ارتفاع أسعار هذه المحاصيل بنسبة بلغت أكثر من 300 في المئة مقارنة بأسعار العام الماضي. ومنذ بداية تموز يوليو شهدت الأسواق في مصر ارتفاعاً جنونياً في أسعار الكثير من المواد الغذائية، الأمر الذي انعكس على تجّار المواد الغذائية الذين سجّلوا تراجعاً شديداً في حجم وكميات البيع. كما لوحظ نقص في المواد التموينية الحكومية التي تمنح بناء على بطاقات خاصة لمحدودي الدخل والفقراء. وعاشت البلاد خلال السنوات الثلاث الأخيرة موجات متصاعدة من الغضب المجتمعي تجلى في تصاعد الاعتصامات والإضرابات العمالية خصوصاً خلال العام الجاري. ويقول عبود الإمام وهو موظف في أرشيف إحدى المصالح الحكومية ل"الحياة":"على الحكومة أن تلجم هذا السباق بين التجّار في رفع أسعار السلع والمنتجات التي لا يمكن أن يستغني عنها اي منزل". ويوضح:"استغنينا خلال السنوات الثلاث الأخيرة عن سلع وخدمات باتت بالنسبة إلينا رفاهية، كما أننا خفضنا من شراء منتجات اللحوم والألبان نتيجة لزيادة أسعارها". ويتساءل:"لكن ماذا نفعل في الارتفاعات الكبيرة التي تحدث لسلع مثل الطماطم والخضروات والأرز والسكر والفول وكل أنواع الفواكهة؟ ... ماذا تبقّى لنا لنأكله في حال استغنينا عن هذه السلع؟". وعزا تقرير صادر عن مركز البحوث الزراعية ارتفاع أسعار الخضار والفاكهة إلى انخفاض إنتاجية المحاصيل بفعل الارتفاع الشديد لدرجات الحرارة والتغيرات المناخية، بدرجة تفوق ما تتحمله المحاصيل، ما أدى إلى انخفاض حاد فى الإنتاجية وقلة المعروض في الأسواق. ووسط مستقبل ضبابي وسخونة في المشهد السياسي من المنتظر أن تبلغ ذروتها مع اقتراب الانتخابات البرلمانية، بات الارتفاع الجنوني في أسعار المواد الغذائية مصدر قلق للحزب الوطني الذي يسعى إلى تأمين غالبية مريحة في الانتخابات الاشتراعية المقرر إجراؤها في نهاية تشرين الثاني نوفمبر المقبل. واستدعى ارتفاع الأسعار تدخلاً من مجلس الشورى الغرفة الثانية في البرلمان، إذ انتقد رئيسه صفوت الشريف الارتفاع الجنوني في أسعار السلع مطالباً الحكومة بالتدخل للجم الأسعار. وقالت مصادر في الحزب الوطني إن الحزب سيناقش خلال الأيام القليلة المقبلة قضية ارتفاع الأسعار مع الحكومة، مشددة على ضرورة أن يجد المسؤولون حلولاً سريعة لهذه القضية. وقال مصدر ل"الحياة"إن عدداً من مرشحي وقيادات الوطني عبّروا عن قلقهم من تدهور شعبية الحزب في دوائرهم بفعل ارتفاع الأسعار وتدني مستوى الخدمات. وأقر المصدر بأن مرشحي الوطني سيواجهون مصاعب كبيرة في جذب المؤيدين خصوصاً مع استغلال مرشحي المعارضة المشاكل التي تمر بها مصر في محاولة للتأثير على المواطنيين وتأليبهم على الحكومة والحزب الحاكم. وفي ظل هذا الارتفاع الحاد للأسعار في السوق، خرجت حملات شعبية لمقاطعة الخضار والفواكه لمدة محددة بهدف إجبار التجار على تخفيض أسعارها، وبيعها بسعر شفاف يعكس قيمتها الحقيقة في السوق.