تطالعنا على شاشات الفضائيات برامج كثيرة لم يكن لنا عهد بها من قبل... فما يسمى اليوم بتلفزيون الواقع الذي تعمد اليه بعض الفضائيات لجذب المشاهد لا نرى فيه إلا محاكاة سطحية للغرب يضرب القائمون عليها بعاداتنا وموروثاتنا وقيمنا عرض الحائط وكأن الهزيمة باتت تلاحقنا حتى في عاداتنا وتقاليدنا فأصبح علينا ان نقلد الغرب حتى في اسلوب الحياة. وأعجب أيضاً من الواقع المرير الذي نحاول نسيانه أو تناسيه، فعندما تعرض علينا صور ضحايا الحروب خلال العدوان الاسرائيلي المتكرر على الضفة الغربيه وقطاع غزة، وخلال الغزو الأميركي للعراق، نجد بينهم من فقد بصره ومن يعاني من الشلل الرباعي الذي افقده القدرة على الحراك ولا يزال حتى بعد انتهاء الحرب. لماذا لا تحاول الفضائيات نقل هذا الواقع المأسوي لشبابنا ولفت انظارهم الى أن هناك فئة من الشباب في مكان ما من مجتمعنا عانت من الحروب وكانت معاناتها اكبر حتى بعد انقضائها، وأن انتهاء اطلاق النار لا يعني أبداً انتهاء الحرب ولا ينهي ويلاتها. ان هذه الممارسات التي تحاكي الغرب وتعرض على شاشاتنا العربيه والتي نلمس تأثيرها في جيل اليوم من خلال التفكير السطحي واللامبالاة، ما هي إلا نواة لجيلين ينتمي أحدهما الى الانجذاب نحو التعامل بجدية مع آلام هذه الأمة ومعاناتها وربما يقاسي هو أيضاً من آثار الفقر وضنك العيش التي تخلفها الحروب الهمجية التي قاستها وستقاسيها أمتنا العربيه والاسلاميه، وجيل آخر على النقيض تماماً يعيش رغداً وسعة عيش لا يفكر أبعد من أنفه، ولا يهمه إن كان هناك شبان لا تزال شظايا القنابل العنقودية ترسو في أجسامهم لا تبارحها أو تطايرت أجزاء من أجسادهم بلا عودة فأصبحوا غير قادرين حتى على إعالة أنفسهم. ما أكثرها تلك الحالات الانسانية المريرة التي تدمي القلب وتدمع العين والتي يغص بها مجتمعنا، وأظنها بل وأجزم انها اكثر بكثير من كل مظاهر الترف والانحلال التي تصور على أنها الواقع وما هي إلا فكرة في خيال مبتكرها وإن وجدت لها صدى لدى بعض متابعيها، ولكن من المؤسف ان تكون هناك في واقعنا حالات مؤلمة كضحايا الحروب الابرياء ثم نسمي الانحلال والفساد والانفلات الخلقي واقعاً أيضاً لا بل اعتقد انه"وحل الواقع". لانا السفاريني - بريد إلكتروني