لا غرابة في حدة الردود على اعلان كولومبيا عزمها على السماح للولايات المتحدة باستعمال قواعدها العسكرية الوطنية. فمثل هذه المبادرات تثير على الدوام، في أميركا الجنوبية ذات التاريخ المليء بأعمال التدخل والعدوان الأميركية طوال القرن العشرين، المخاوف والخشية. ولم تقتصر هذه على فينزويلا، بل شملت البرازيل والأرجنتين وتشيلي كذلك. وأجمعت هذه البلدان على ابداء قلقها من استعمال الولاياتالمتحدة القواعد الكولومبية. ولكن، على جاري عادته، انفرد الرئيس تشافيز بتسييس المسألة، فأمر بتجميد علاقات فينزويلا بجارتها، وتترتب على الإجراء نتائج سيئة على جانبي الحدود. فعلاقات فينزويلا الاقتصادية بكولومبيا قوية. وقد يؤدي انقطاع السلع والمنتجات الكولومبية عن السوق الفينزويلية الى افتقادها من غير بديل عنها. والأرجح ألا يؤدي الخلاف الى مواجهة عسكرية. فقيادة الرئيس تشافيز تتغذى من التحدي. وليس بوش هو الرئيس. ومن حسن حظ تشافيز ان أوريبي هو من يتحداه، ويقوم مقام بوش. ولا ريب في أن السيادة الوطنية مسألة تقرب من القداسة في نظر تشافيز. وهي موضوع يخاطب انفعال قاعدته الانتخابية، من وجه آخر. وانخراط تشافيز اليوم، في مسألة كولومبيا، بعد انخراطه في مسألة هوندوراس، ليس قرينة على التزامه شؤون السياسة الخارجية وتقديمها على الشؤون الداخلية. فمنذ انتصاره في الاستفتاء على التعديل الدستوري في 15 شباط/ فبراير، رجحت كفة المقترعين على جواز رفع القيود عن عدد الولايات الرئاسية، وهو ينتهج سياستين، داخلية وخارجية، وراديكاليتين ومتطرفتين. وهو يسعى في كسب الوقت وفرض نموذج اشتراكي. ولكن فينزويلا تشكو معضلات اقتصادية جدية. ف 94 في المئة من الصادرات العام الفائت متفرعة عن القطاع النفطي. وفي الأثناء، تردى سعر برميل النفط. وجهاز الانتاج لا يعمل. والشركات الصغيرة تعاني المصاعب. والزراعة، ويفترض أنها محورية في النموذج الاشتراكي، تتقهقر، وتخلف انتاج فينزويلا من الذرة، في 2008، عنه في 2007. لكن المسألة الاجتماعية التي طالما لوح بها تشافيز، وأرسى عليها شعبيته، تتخلف الى المرتبة الثانية. وعلى رغم هذا، لا يقلص تشافيز نفقات الدولة، ويفرط في زيادتها، ويتعاظم الفساد في ركابها. وتزداد سمات الاقتصاد الاشتراكي غموضاً بينما تزداد سمات التسلط السياسي وضوحاً ونتوءاً، ويضعف فصل السلطات، وتتهاوى هيئات ديموقراطية المشاركة. وأحسب أن الرئيس تشافيز فقد القدرة على التماس الجهات وتعرفها. ومصدر قوته الأول هو ضعف المعارضة الفينزويلية، ثم الضمانات التي توزعها دولة تعتاش من الريع على الفقراء والمعوزين. * مؤرخة فينزويلية، عن"ليبراسيون"الفرنسية، 28 /8/ 2009، إعداد وضاح شرارة نشر في العدد: 16959 ت.م: 09-09-2009 ص: 25 ط: الرياض