مدد سفر الرئيس المكلف تأليف الحكومة اللبنانية سعد الحريري عملية التشكيل أياماً إضافية ريثما تنجلي الصورة الحقيقية الناجمة عن الشرخ الكبير الذي أحدثه انسحاب رئيس الحزب التقدمي الاشتراكي وليد جنبلاط من تحالف"قوى 14 آذار"، إن في صفوف هذه القوى أو في علاقته مع الحريري و"تيار المستقبل"والتي دخلت في أزمة ثقة عميقة، تقر الأوساط الحيادية والوسيطة بينهما بأنه يصعب ترميمها بالكامل حتى لو نجحت في معالجة التأزم الراهن، نظراً إلى عمق الجرح الذي أحدثه الموقف الجنبلاطي. راجع ص 5 و6 وفيما كان بعض الأوساط المواكبة لاتصالات تأليف الحكومة يأمل بأن يشهد اليوم في 5 آب أغسطس ولادة الحكومة العتيدة، فإن صدمة موقف جنبلاط هذا، ورد تيار"المستقبل"عليه، ثم سفر الحريري في إجازة عائلية إلى جنوبفرنسا لأيام، جعلت موضوع توضيح الموقع النهائي لجنبلاط في المعادلة السياسية يتقدم على البت بالتركيبة الحكومية. وفي وقت رأى فريق جنبلاط ان ما أعلنه من مواقف لا يغيّر في طبيعة تشكيل الحكومة، فإن فريقه الحزبي سعى خلال اليومين الماضيين الى تقديم تفسيرات بأن جنبلاط غادر قوى 14 آذار لكنه ما زال ضمن الأكثرية، الأمر الذي بدا متناقضاً لدى بعض أوساط الحريري. وذكرت مصادر ان الحريري رفض اقتراحات طرحها فريق جنبلاط، بأن يصوت نواب"اللقاء الديموقراطي"الذي يتزعمه جنبلاط غير الحزبيين 5 نواب مع الأكثرية وكذلك الفريق الوزاري غير الحزبي في الحكومة. وفيما وصل الى بيروت عصر أمس وزير الثقافة والإعلام السعودي الدكتور عبدالعزيز خوجة آتياً من المغرب، علم ان سفر الحريري في الإجازة العائلية يهدف الى"التفكير والتخطيط لما سيقوم به بعد بضعة أيام، حين يعود من جنوبفرنسا". وفي المقابل يترقب فريق جنبلاط ان تستمر الوساطات والتحركات لرأب الصدع بينه وبين الحريري لعلها تنجح في ترتيب لقاء بينهما لتوضيح الأمور، خصوصاً ان في هذا الفريق من يعتقد انه اذا كان هدف جنبلاط من الانعطافات التي يقوم بها الانفتاح على فرقاء آخرين وتعزيز المصالحات، فإنه يجب ألا يخسر علاقته مع الحريري، الذي يشعر بمرارة كبيرة من موقف جنبلاط المفاجئ. واجتمع خوجه فور وصوله الى بيروت مع جنبلاط، في حضور وزير الأشغال غازي العريضي الذي انتقل الى القصر الجمهوري للقاء رئيس الجمهورية ميشال سليمان. وبدا ان خوجة يلعب دوراً بفضل علاقته مع الفرقاء في تقريب وجهات النظر لا سيما بين جنبلاط والحريري. اذ أجرى اتصالات عدة كان ابرزها مع رئيس حكومة تصريف الأعمال فؤاد السنيورة، ومع رئيس المجلس النيابي نبيه بري. وتوالت ردود الفعل على موقف جنبلاط امس فرد"تكتل لبنان أولاً"الذي يتزعمه الحريري بعد اجتماع عُقد في غيابه، وفي حضور السنيورة، على انتقاد جنبلاط شعار"لبنان أولاً"من دون ان يسميه، فأعلن تمسك التكتل بالشعار"الذي لا يتناقض مع الانتماء العربي للبنان والذي يقدم نموذجاً حضارياً للعروبة الى جميع اشقائه العرب". كما رد السنيورة رد بطريقة غير مباشرة على جنبلاط، من دون ان يسميه، اذ قال في كلمة ألقاها مساء في احتفال وضع الحجر الأساس لشارع فؤاد بطرس في بيروت، أن"انتفاضة الأرز لحظة لخصت كل تاريخنا الذي نعتز ونفتخر به في وطن أردناه ونريده كما اراده فؤاد بطرس، وطناً فريداً حراً عربياً متألقاً منارة للشرق والغرب". وأضاف السنيورة:"لن نتخلى أو نساوم على استقلالنا وحريتنا وسيادتنا ونظامنا الديموقراطي والتزامنا العربي الثابت لبناء علاقات سوية وسليمة قائمة على التعاون والتضامن مع أشقائنا العرب الأقربين والأبعدين". وشدد على"اننا نسعى من اجل ترسيخ العيش المشترك مما يعني عدم العودة الى لغة الماضي والتأكيد على التآلف ولغة الحوار والتفاهم". وأكد السنيورة ان الشعب اللبناني"يتمسك بالمبادئ التي ترتكز على الحرية والسيادة والاستقلال والديموقراطية والنظام المدني ومبدأ تداول السلطة، ولهذه الأسباب كان الشهداء وكانت انتفاضة اللبنانيين في تلك اللحظة التي مثلت مرحلة تألق وتراكم وبلورت وعيهم وتمسكهم بما يريدون". وقال ان"الاندفاع ينبغي ألا يخف والاتجاه ينبغي ألا يتغيّر مهما كانت المصاعب والتحديات من اجل استكمال تطبيق اتفاق الطائف". كما رد رئيس"حزب الكتائب"أمين الجميل على كلام جنبلاط من دون ان يسميه فقال:"لبنان اليوم، يقف عند مفترق طريق خطر، يؤكد على بقاء اركان ثورة الأرز، قلباً واحداً، حول ثوابت وطنية راسخة، وهي: توحيد الشعب اللبناني، حول شعار السيادة والاستقلال الذي رسخته دماء شهدائنا الأبطال. والتأكيد، ان لبنان جزء لا يتجزأ من محيطه العربي، نظراً لما قدمه وطننا، في سبيل القضية الفلسطينية واعتبارها قضية حق". وبقي الرئيس بري على تفاؤله في شأن تشكيل الحكومة، وبحسب معلومات نقلت عن عين التينة فإن الإجازة"لن تغيب عنها الاتصالات والمشاورات وإن كانت بوتيرة أخف". وقال مقربون من بري:"تشكيل الحكومة سيتم وإن كانت المدة التي تفصلنا عن مرسوم التأليف باتت أبعد مما كان متوقعاً". وأكد نائب الأمين العام ل"حزب الله"الشيخ نعيم قاسم"ان الصورة العامة لحكومة الوحدة الوطنية اصبحت واضحة بتشكيلتها وتبقى الحقائب والأسماء". ورأى ان"الحكومة المقبلة لن تكون حكومة أكثرية وأقلية"، مقللاً من تأثير التطورات على تشكيل الحكومة. نشر في العدد: 16924 ت.م: 05-08-2009 ص: الاولى ط: الرياض