قرأت من أخبار اسرائيل في الأيام الأخيرة ما يكفي للإصابة بمرض القلب، ولكن قبل أن أصاب بجلطة راجعت الموقف العربي ووجدته متماسكاً بما يكفي لعدم الاستسلام لليأس. غير أن تماسك أي موقف عربي هو الشذوذ على القاعدة لذلك خشيت أن يكون هناك ما لا أعرف واتصلت بالأخ عمرو موسى، الأمين العام لجامعة الدول العربية، وهو أكد لي أن التماسك موجود وحقيقي وأن وقف الاستيطان يجب أن يسبق أي خطوة عربية مقابلة لا أن يتبعها. اسرائيلياً، البناء في المستوطنات مستمر، وقد هددت ادارة أوباما بوقف بعض المساعدات ثم تراجعت، وزار اسرائيل كبار المسؤولين الأميركيين وعاد كل منهم خالي الوفاض لأننا لم نسمع عن أي نجاح، ولو حصل القليل منه لكانت الأخبار عن"اختراق غير مسبوق"تملأ الميديا وتلفّ العالم. وزير الدفاع روبرت غيتس قابل رئيس الوزراء بنيامين نتانياهو ورئيس الأركان غابي اشكنازي، ومستشار الأمن القومي جيمس جونز اجتمع مع الموساد في وسط اسرائيل، وعاد المبعوث الأميركي الى الشرق الأوسط جورج ميتشل، للمرة الثالثة أو الرابعة في شهرين، وقابل وزير الدفاع ايهود باراك. وانضم مستشار الرئيس دنيس روس الى قافلة الزوار. وردَّت الحكومة الفاشستية الإسرائيلية على كل هذا بنقل الاستيطان من الضفة الغربية حيث يُجرى بناء 700 وحدة سكنية جديدة الى قلب القدس العربية، وتحديداً حي الشيخ جراح، حيث الفلسطيني يُهدم بيته ويُمنع من مجرد دخول مدينته، ويستولي اليهود على بيوت قرب المسجد الأقصى وكنيسة القيامة، بل إن اليمين الإسرائيلي الديني، أو النازي الجديد، يتظاهر ضد الفلسطينيين من بلدة في الجليل الى قرية في النقب مدفوعاً بخرافات دينية. لاحظت على خلفية كل ما سبق غياب وزير الخارجية افيغدور ليبرمان، وبعض السبب أن الأميركيين لا يرغبون في التعامل معه خصوصاً أن الموضوع الفوري هو المستوطنات، وأن هذا المتطرف الذي كان عمله حراسة مواخير مولدافا يقيم في مستوطنة، أما السبب الأهم فهو أن الوزير يواجه تحقيقاً قضائياً آخر تفاصيله ان الشرطة أوصت الادَّعاء العام أن يصدر قراراً يتهم ليبرمان بالرشوة وغسل الأموال وعرقلة العدالة وتهديد الشهود. وإذا صدر قرار اتهام فسيضطر الى ترك الوزارة، وقد قرأت في الصحف الإسرائيلية ترشيحات لخلافته. إذا كان لي أن أترجم كل ما سبق الى كلام يفهمه القارئ العربي فهو استحالة السلام مع الحكومة الحالية في اسرائيل. كان هذا موقف الأمير سعود الفيصل في مؤتمر صحافي مشهود مع وزيرة الخارجية هيلاري كلينتون فهو رفض بحضورها تقديم أية تنازلات، وقال إن الأسلوب التدريجي لن يؤدي الى حل فالمطلوب مفاوضات على الوضع النهائي. وفي دمشق، قال الرئيس بشار الأسد لجورج ميتشل ما نعرف جميعاً من أن سورية لن تقبل شيئاً أقل من عودة اسرائيل الى حدود الرابع من حزيران يونيو 1967. ولم يصدر أي موقف مختلف من أي دولة عربية من المغرب، وحتى الخليج، وكانت هناك تصريحات مهادنة إلا أنها لم تقدم شيئاً، فالكل ملتزم الموقف الذي اتخذه وزراء الخارجية في الجامعة العربية، أي مبادرة السلام العربية، فالتطبيع يتبع الحل ولا يسبقه، وأول خطوة هي وقف الاستيطان كما قال لي الأخ عمرو موسى. حكومة نتانياهو لا تريد السلام، وتعمل لتقويضه، وهي لا تزال تحاول الإيقاع بين فتح وحماس بتوزيع معلومات عن مساعدتها فتح بتسهيل عقد مؤتمرها في بيت لحم وتدريب أجهزة الأمن بإشراف جنرال أميركي، ثم تعتب ان ترفض فتح الاعتراف بإسرائيل دولة يهودية، وببقاء بند عن حق الكفاح المسلح في برنامج مؤتمر فتح، وعن نشاط حكومة أبو مازن لتحويل قادة الهجوم الإسرائيلي الهمجي على قطاع غزة الى محكمة جرائم الحرب الدولية في لاهاي. ثم هناك الغضب الشخصي على الرئيس محمود عباس لأنه يرفض التفاوض قبل وقف الاستيطان. اسرائيل قررت أن فتح اهون الشرين، وهي تريد أن يقتتل الفصيلان ليقوما بالمهمة نيابة عنها، والحكومة الفاشستية برئاسة نتانياهو تتحدث عن حلول اقتصادية فيما هي تضيّق الخناق على الفلسطينيين ليهاجروا. أما الحديث عن سلام معها فخرافة. نشر في العدد: 16929 ت.م: 10-08-2009 ص: الأخيرة ط: الرياض