لا سبب منطقياً يوحي بأن المئة يوم الثانية لبنيامين نتانياهو على رأس الحكومة الإسرائيلية ستكون أفضل من المئة يوم الأولى له على رأس عصابة الفاشست المعروفة، فهو من دون خطة سياسية ويعاني من اضطراب وهوس (بارانويا)، ومهزوز وفاشل، ويخضع للضغط والابتزاز، وقد جمع حوله فريقاً غير منظم وغير محترف صدم أعضاء كباراً في الحكومة. الصفات السابقة ليست من عندي، وإنما قرأتها في الصحف الإسرائيلية، ما يعني أنه أسوأ كثيراً منها، فهو قبل أي شيء آخر عدو السلام ودجال محترف، سيحاول القضاء على الفلسطينيين، لا مجرد حلم الدولة المستقلة، بتشريدهم حيث هم في المخيمات الآن، أو حول العالم، لتبقى فلسطين دولة يهودية. زلة لسان منه في اجتماع مع وزير خارجية ألمانيا فرانك والتر شتاينماير تكشف النتن في قلبه كما في اسمه، فهو رفض وقف الاستيطان أو إخلاء المستوطنات، وقال للوزير إن اليهودية والسامرة، أي الضفة الغربية، لن تصبحا Judenrein، أي خلواً من اليهود، فاستعمل كلمة أو شعاراً نازياً قديماً معروفاً ليطبقه على أراضي الفلسطينيين، فهو نازي جديد، أو صهيونازي. ربما ضمّ نتانياهو أفيغدور ليبرمان الى الائتلاف الحكومي ليضمن أن فيه من هو أسفل منه، فوزير الخارجية حارس مواخير سابق من مولدافا، ولا أحد يحترمه أو يريد التعامل معه، حتى إن الرئيس نيكولا ساركوزي طلب من نتانياهو استبدال تسيبي ليفني به، ما أغضب ليبرمان، وما اضطر نتانياهو الى الاعتذار له واسترضائه، فهو كان كتم عن وزير خارجيته موقف ساركوزي، إلا أن الصحافة كشفته. وفي حين تعرض الرئيس الفرنسي لنقد كثير من الإسرائيليين بتهمة التدخل في شؤونهم الداخلية، فإنني أرى أن ساركوزي تكلم لأنه يعتبر نفسه «من أهل البيت» الإسرائيلي، كوزير خارجيته، ويريد لنتانياهو أن ينجح. الأميركيون يتعاملون مع وزير الدفاع إيهود باراك وكأنه وزير الخارجية، وهو أجرى مفاوضات معهم عن المستوطنات وغيرها وحمل اليهم تعهدات شخصية. وأجد باراك «ظاهرة» ضمن الوزارة، فهو في استطلاع سابق للرأي العام الإسرائيلي فاز بلقب «أكثر شخصية مكروهة في اسرائيل»، إلا أنه في آخر استطلاع عن أداء حكومة نتانياهو جاء أولاً، وقال 61 في المئة من الإسرائيليين إنهم يثقون به أكثر من غيره. أقرأ الاستطلاع كحكم على الحكومة، فإذا كان أسوأ وزير مع إيهود أولمرت الذي يواجه المحاكمة بتهمة الفساد وغسل الأموال، الآن أصبح أفضل وزير مع نتانياهو، فإن القارئ يستطيع تكوين فكرة موضوعية عن نوع الوزراء الحاليين، على أساس موقف الإسرائيليين أنفسهم، لا أنا أو أي معلق عربي يمثل الفريق الآخر. في ذكرى مرور مئة يوم على نتانياهو في رئاسة الوزارة، وزع حزب كديما المعارض منشورات عنه جاء فيها «بيبي لا يزال بيبي. مئة يوم، صفر انجازات». فكان أن فقد نتانياهو أعصابه وعقد مؤتمراً صحافياً مع مساعديه من دون تحضير، زاد مشاكله، وانتهى هو وقد سمع يقول إن رام ايمانويل، كبير موظفي البيت الأبيض، وديفيد اكسلرود، مستشار أوباما، «يهوديان يكرهان نفسيهما»، مع أن الأول ترك أميركا يوماً ليخدم في الجيش الإسرائيلي والثاني مع اسرائيل قلباً وقالباً. في هذا الوضع الداخلي المضطرب، حتى الجيش الإسرائيلي تأثر، مع أنه يعامل في اسرائيل كشيء مقدّس، وجاء تعيين نائب لرئيس الأركان مثلاً على الاضطراب والتجاذب السائدين، فوزير الدفاع ايهود باراك رشح جنرالاً للمنصب، ورشح رئيس الأركان جنرالاً آخر. ومع أن الترشيحين كانا من نوع التسوية، فقد رفض باراك مرشح اشكنازي، كما رفض هذا مرشح باراك، وانتهى الأمر بالاتفاق على بيني غانز نائباً لرئيس الأركان ما اعتبرته الصحف الإسرائيلية «أمّ التنازلات» أو التسويات. لا سبب لأن يسرّ القارئ العربي بمعلوماتي عن اسرائيل من الصحف الإسرائيلية فضعف نتانياهو داخلي فقط، وهو كالحيوان الجريح، أكثر خطراً في التعامل معنا، وهناك قوى تؤيده. فعندما اجتمع الرئيس أوباما مع زعماء المنظمات اليهودية في واشنطن طالبوه بزيارة اسرائيل، أسوة بزيارته القاهرة ومخاطبته المسلمين منها، أي إنهم يساوون بين بلد من خمسة ملايين لص سرقوا أراضي الفلسطينيين وقتلوهم وشردوا البقية وبين 1.2 بليون مسلم حول العالم، وأكمل غداً.