على رغم فوز تيار اليمين الاسرائيلي بالأغلبية في الانتخابات الاخيرة، لم يحن أوان اعلان سقوط عملية السلام في الشرق الاوسط، ونهاية حل الدولتين. ويسوغ هذا الرأي 3 أسباب هي بروز شعبية تسيبي ليفني، على رأس حزب"كاديما"الوسطي"وتجربة ولاية بنيامين نتانياهو المريرة في الحكم يوم كان على رأس حكومة ليكودية يمينية"وتقويم مواقف أفيغدور ليبرمان من المساومة على الارض تقويماً دقيقاً. فليفني ونتانياهو وليبرمان حازوا حصة الاسد في الانتخابات. وعلى رغم تقدم حزب"كاديما"على بقية الاحزاب، ليس في متناول ليفني تشكيل حكومة وسطية - يسارية في الكنيست، بينما حل حزب"العمل"اليساري في المرتبة الرابعة في سلم الكتل الانتخابية. وإذا استُبعد"كاديما"من الحكومة، نشأ تحالف يميني في الحكومة يملك غالبية بسيطة. وفي وسع الاحزاب الثلاثة الاصغر اسقاط حكومة من هذا الضرب. وهذا الاحتمال يحقق حلم نتانياهو بالعودة الى رئاسة الحكومة ولكن على شكل كابوس. وليس نتانياهو بغافل عن هذا الواقع. فهو أعلمني، أخيراً، أنه نادم على تفويت فرصة التحالف في 1996، مع شيمون بيريز، رئيس حزب"العمل"السابق، وترك تأليف حكومة وطنية مع هذا الحزب. وأغلب الظن أن تقيّد الاحزاب اليمينية الصغيرة هامش عمل نتانياهو، وأن تحمله على النزول على مطالبها. فيضطر، تالياً، الى دعم بناء المستوطنات وعرقلة عملية السلام. وهذه تلزمه الانسحاب من الضفة الغربية. وفي تجربته السابقة في رئاسة الوزراء الاسرائيلية، انتهى الامر بنتانياهو الى توتير علاقته بالرئيس بيل كلينتون. وحين حاول العودة عن سياسة دعم الاستيطان والتودد الى كلينتون، وطلب حظوته، انهارت حكومته وسقط تحالفها. ويدرك، اليوم، نتانياهو أن أولوية الرئيس الاميركي، باراك أوباما، هي حل الصراع الاسرائيلي ? الفلسطيني. فهو عيّن جورج ميتشل مبعوثه الى الشرق الأوسط. وفي 2001، خلص ميتشل الى وجوب وقف بناء المستوطنات ولجم توسعها، ولو كان مسوغ التوسع تلبية"الولادات الطبيعية". فنتانياهو تذرع، يومها، بالنمو الديموغرافي"الطبيعي"لتوسيع رقعة المستوطنات. وأغلب الظن أن يقع نتانياهو، في حال شكل حكومة يمينية، بين سندان مطالب الادارة الاميركية وقف الاستيطان والانسحاب من معظم اراضي الضفة الغربية والتزام حل الدولتين، ومطرقة حلفائه وشركائه في الحكومة. وهؤلاء يرفضون المساومة على الارض، والانسحاب منها. ولن تدوم ولاية نتانياهو في رئاسة الوزراء طويلاً ما لم يتحالف مع حزب"كاديما". ومن شأن مثل هذا التحالف لجم مطالب الاحزاب اليمينية. وشأن نتانياهو، يحتاج ليبرمان، وهو مهاجر روسي ومدير مكتب رئاسة حكومة نتانياهو سابقاً، الى حزب"كاديما". وليس يسيراً على"اسرائيل بيتنا"مهادنة احزاب دينية في الحكومة. ويميل أنصار ليبرمان الى العلمانية والمبادئ الزمنية، ولا ينظرون بعين الرضى الى الاحزاب الدينية والعرب، على حد سواء. ويطالب المهاجرون الروس بإقرار الزواج المدني، وحرية الاعتناق الديني، والاصلاحات العلمانية. ويوقن ليبرمان أن شرط نزوله على مطالب قاعدته الشعبية هو مشاركة"اسرائيل بيتنا"في حكومة تحالف مع أحزاب علمانية، على غرار"ليكود"و"كاديما". ويحتاج ليبرمان الى"كاديما"لترويج وجهة نظره الى حل النزاع مع الفلسطينيين. وعلى خلاف حزب"الليكود"وغيره من الاحزاب اليمينية، يتناول ليبرمان عملية السلام تناولاً ديموغرافياً وغير جغرافي. فهو يسعى الى قيام دولة يهودية"قح"أو خالصة اليهودية. ولذا، لن يتردد في الانسحاب من الضفة الغربية وضواحي شرق القدس العربية، وتسليمها الى دولة فلسطينية تضم تجمعات عربية داخل إسرائيل لقاء ضم المستوطنات الاسرائيلية بالضفة الغربية الى اسرائيل. وحل ليبرمان هذا عويص، فهو يفترض حرمان أهالي التجمعات العربية حق الاقتراع. وهذا ما لا تؤيده ليفني. ولكن هذا الخلاف لا يحول دون تحالف"اسرائيل بيتنا"مع"كاديما". ولا شك في أن مفاوضات تشكيل الحكومة الاسرائيلية لن تنتهي قبل أسابيع. ويحقق التحالف مع ليفني مصلحة كل من نتانياهو وليبرمان. ويميل مثل هذا التحالف الى الاستقرار. وقد لا يكون هذا التحالف أفضل شريك للرئيس أوباما. ولكن في وسع هذا التحالف الحكومي تجميد الاستيطان، والانسحاب من اراضي الضفة الغربية، في حال برز شريك فلسطيني مسؤول من رحم الازمة الفلسطينية السياسية الراهنة. وفي وسع حكومة يمينية، على رأسها نتانياهو، ارساء السلام مع السوريين، عوض الفلسطينيين. وهذا ما سبق أن سعى اليه نتانياهو يوم حاول كلينتون حمله على ابرام اتفاق سلام مع الفلسطينيين. فهو باشر مفاوضات سلام سرية مع السوريين، وتعهد بالانسحاب من هضبة الجولان. والحق أن حمل أوباما على الانحراف عن مسار السلام مع الفلسطينيين الى مسار السلام مع السوريين ومنح فلسطينيي الضفة الغربية"سلاماً اقتصادياً"، على ما يقول نتانياهو، يصب في مصلحة الاسرائيليين والاميركيين. فهذا الحل يقطع خطوط امداد"حزب الله"بالسلاح الايراني، ويزرع الشقاق بين ايران وسورية، ويحمل"حماس"على المهادنة، وتوفر غطاء لشبك علاقات بين الدول العربية واسرائيل. عن مارتن أنديك سفير الولاياتالمتحدة الى اسرائيل السابق،"انترناشنل هيرالد تريبيون"الدولية، 13 /2/2009 نشر في العدد: 16756 ت.م: 18-02-2009 ص: 24 ط: الرياض