انطلقت في ضاحية رادس جنوب العاصمة تونس فعاليات مهرجان الياسمين الذي يُقام كل صيف احتفاء بهذه الزهرة المُميزة. وينطلق مئات من الشباب كل عصر من رادس إلى الأحياء الراقية والمقاهي المنتشرة على الساحل المتوسطي لبيع باقات الفل والياسمين بأسعار تراوح بين ربع دولار ونصف دولار، بحسب الأحجام. وفي سهرات الصيف لا تفارق باقات الياسمين الصغيرة التونسيين رجالاً ونساء، فهي توضع في الجيب أو تُمسك في اليد لتفوح رائحتها الشذية وتُعطر المكان. ويجمع حرفيون حاذقون زهرات الياسمين والفل في باقات يُطلق عليها اسم"مشموم"، من الشم. وإذا كان لدى المصريين عيد مخصّص لشمّ النسيم، فلدى التوانسة فصل بكامله لشم الياسمين والفل اللذين يسحران زوار البلد. وفي حفلات الزفاف تُهدى للعريسين باقتا ياسمين أو فل كبيرتان يمسكانها حتى نهاية السهرة. ونظراً إلى شدّة الطلب صيفاً، أصبح إنتاج الياسمين صناعة مزدهرة ذات حلقات متكاملة، مركزها الرئيس بساتين ضاحية رادس. وتبدأ الحلقة الأولى من حصاد الزهرات قبل تفتحها ثم تعكف سيدات على تصفيفها على أعواد ناعمة من الحلفاء نبتة محلية وتُزنرنها بخيط أبيض لتغدو جاهزة للبيع. في هذه المرحلة ينطلق الباعة نحو المنتجعات والفنادق والمقاهي والشوارع حاملين الأطباق الخفيفة على الأكف منادين"فل وياسمين ... فل وياسمين". لقد أصبحت الباقة الدائرية أو"مشموم"الياسمين، رمزاً للصيف ما جعل مكاتب سفريات سياحية تقتبس أسماءها منها. واشتهرت في الخارج بعدما تعرف إليها السياح منذ انطلاق"صناعة السياحة"في ستينات القرن الماضي، فصاروا يطلبونها، وباشرت"الخطوط التونسية"منذ سنوات نقل باقات الياسمين الصغيرة يومياً إلى باريس حيث تباع في نقاط معروفة. وعلى رغم أن الباقة لا تعيش أكثر من 24 ساعة، فإن ذلك كاف لجمع زهرات الفل والياسمين من بساتين ضاحية رادس، بعد الظهر وتوضيبها في باقات صغيرة وإرسالها سريعاً إلى المطار القريب حيث تنقل في الرحلات العادية إلى باريس تستغرق الرحلة 130 دقيقة فتكون متوافرة في المساء في جادة الشانزيليزيه. وتباع الباقة الواحدة بنحو ثلاثة دولارات أي عشرة أضعاف سعرها في تونس. وبعد هذا العزّ للياسمين التونسي، صار لهذه الزهرة مهرجانها الخاص منذ 15 سنة، وتستضيفه مدينة رادس. وفي عام 2007 أعد صانع الباقات فرجاني العقربي، باقة عملاقة وسجلّ اسمه في موسوعة غينيس للأرقام القياسية. واستغرق إعداد الباقة يوماً كاملاً، وقدرت كلفة إنتاجها بحوالى 200 دينار 150 دولاراً. وتألفت من 500"مشموم"صغير وُضبت. وتطلب إنتاج الباقة العملاقة ستة كلغ من الياسمين ما يعادل 23040 زهرة.