القمة العربية رفض التهجير والتزام بالإعمار    الهلال يتعثر أمام باختاكور في ثمن نهائي نخبة آسيا    الموافقة على تنظيم الهيئة السعودية لتسويق الاستثمار    الفلسفة في ظل التحولات قصة إعمار وإلهام وطنية    الغول والكحول يؤكدان أن الفصحى لا تتطور    سفرة رمضانية في مناوبة ليلية    أوروبا في مواجهة التحدي الأمني.. هل آن أوان الفطام عن واشنطن؟    الكهولة وزمن النادبات    أيها الشباب: هرولوا نحو هاوي    أمير منطقة الرياض يقلّد مساعد مدير مرور المنطقة رتبته الجديدة    1000 متطوع في مبادرة «أبشر بالخير» بالحدود الشمالية    العنزي مشرفاً على الاقتصاد الكلي في وزارة المالية    التسامح.. سمة سعودية !    سفارة المملكة في السويد تقيم حفل إفطار رمضاني    الحقيقة !    اتصالات أمريكية أوكرانية لتوقيع اتفاق المعادن    «الشؤون الإسلامية» تقيم مأدبة إفطار للصائمين بالجبل الأسود    غرامة 1,4 مليون ريال لمصنع مستحضرات صيدلانية وإحالته للنيابة    أول لقاء بين السيسي وأحمد الشرع    المملكة ترفُض المَساس بوحدة السودان    البشوت النسائية تدخل عالم الموضة وتنافس الرجالية    سماء العُلا يعود في أبريل    فعاليات ثقافية في جدة التاريخية    خيسوس حزين لخسارة لاعبين بسبب الإصابة أكثر من الهزيمة أمام باختاكور    القبض على إثيوبي في جازان لترويجه مواد مخدرة    أحياء المدينة تستعيد تقاليدها الرمضانية    4 ملايين فحص لنقل الدم بالمناطق    فيصل بن مشعل: مشروع نقل المياه (الجبيل - بريدة) يجسد حرص القيادة    تأكيد سعودي - لبناني على تعزيز العمل العربي وتنسيق المواقف تجاه القضايا المهمة    أمير الرياض: جائزة الملك سلمان لحفظ القرآن عظيمة في مضمونها ومنهجها وفي عملها    مشروع الأمير محمد بن سلمان لتطوير المساجد التاريخية يعيد الأصالة العمرانية لمسجد الرويبة    عقدة غياب الدون تطارد العالمي    سعود بن نايف يستقبل المهنئين في رمضان.. ويطلع على أعمال "الذوق العام"    سعود بن نهار يشارك قادة ومنسوبي القطاعات الأمنية في الطائف الإفطار الرمضاني    أمير المدينة المنورة: منظومة متكاملة لخدمة المصلين والزوار    «وول ستريت».. السوق متوتر ومستويات القلق للمستمثرين مرتفعة    تجمع الرياض يطلق حملة "صم بصحة"    وزير الدفاع يبحث مع نظيره السلوفاكي المستجدات    نيفيز ينقذ جيسوس من ورطة الظهير    وزيرة الخزانة البريطانية: سنتأثر بالرسوم الجمركية الأمريكية    أفضلية طفيفة لباختاكور في أوزبكستان بعد أداء باهت من الهلال    سيميوني وأنشيلوتي.. مواجهة كسر عظم    192 نقطة انخفاض للأسهم.. التداولات عند 6.4 مليار ريال    من الرياض.. جوزيف عون يعلن التزامه باتفاق الطائف وسيادة الدولة    الإيمان الرحماني مقابل الفقهي    أبٌ يتنازل عن قاتل ابنه بعد دفنه    قدموا للسلام على سموه وتهنئته بحلول شهر رمضان.. ولي العهد يستقبل المفتي والأمراء والعلماء والوزراء والمواطنين    ترامب يبحث ملف المساعدات.. وروسيا تشدد مواقفها.. مساع أوكرانية – أوروبية لإصلاح العلاقات مع أمريكا    عقوبات ضد الشاحنات الأجنبية المستخدمة في نقل البضائع داخلياً    الأمير سعود بن نهار يستقبل المهنئين بشهر رمضان    قطاع ومستشفى تنومة يُنظّم فعالية "اليوم العالمي للزواج الصحي"    جمعية «أدبي الطائف» تعقد أول اجتماع لمجلسها الجديد    والدة الزميل محمد مانع في ذمة الله    أمير القصيم يرفع الشكر للقيادة على إعتماد تنفيذ مشروع خط أنابيب نقل المياه المستقل (الجبيل – بريدة)    تعليق الدراسة الحضورية بتعليم مكة والجموم والكامل وبحرة    المشي في رمضان حرق للدهون وتصدٍ لأمراض القلب    تأثيرات إيجابية للصيام على الصحة النفسية    قال «معارض سعودي» قال !    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



ألف وجه لألف عام - "رقصة السرجنت ماسغريف" لآردن : ضد الحرب ولكن باكراً
نشر في الحياة يوم 21 - 06 - 2009

قبل سنوات قليلة، حين اختارت الأكاديمية السويدية الكاتب المسرحي البريطاني جون آردن، لتمنحه جائزة نوبل للآداب عن مجمل أعماله، عادت الى الأذهان تلك المجموعة من كتاب المسرح البريطانيين الذين ظهروا، بخاصة، خلال النصف الثاني من خمسينات القرن العشرين ونسبوا الى ما سمي في ذلك الحين"مسرح الغضب"أو مسرح الشبيبة الغاضبة، والذين سرعان ما ربط تيارهم، من ناحية، بتيار السينما الحرة البريطانية، ومن ناحية ثانية بصعود غناء فريق"البيتلز"وبالتالي بثورة الشبيبة. وكان من بين الأسماء التي تم تداولها للمناسبة، الى جانب اسم"مؤسس"التيار جون اوزبورن، اسم الكاتب جون آردن. ولفت الأنظار يومها أن كثراً تحدثوا عن آردن بوصفه الأكثر جذرية، من الناحية السياسية، بين أفراد المجموعة. كما لفت الأنظار ما أكده كثر من النقاد والباحثين من أن آردن يبدو أقرب الى برتولد بريخت، والمسرح الملحمي، منه الى جون أوزبورن، تماماً كما لفتت الأنظار من ناحية أخرى تأكيدات أن هارولد بنتر نفسه، يبدو أقرب الى مسرح صامويل بيكيت مسرح اللامعقول منه الى مسرح أوزبورن. والحقيقة أن هذه الفروقات ليس عليها أن تثير قلق أحد من أنصار"مسرح الغضب"، لأن هذا التيار الأخير إنما اتسم بهذه الصفة وبهذا الاسم، ليس انطلاقاً من برنامج محدد، أو مشروع مستقبلي، بل انطلاقاً مما يرفضه ومن شعاره الرئيس الذي حمله عنوان مسرحية أوزبورن التي افتتحت التيار كله"النظر الى الوراء بغضب". كان عماد التيار، إذاً، رفض الماضي، أكثر مما هو بناء المستقبل. كان المطلوب، في شكل ما، الوصول الى ما سيسميه أدونيس"الخراب الجميل"، أي الخراب الذي يؤسس مستقبلاً بين انطلاق من تطور حياة تنبني بدورها على نقض كل ما أساء الإنسان به الى نفسه على مدى الأزمان الماضية. وفي يقيننا أن على هذا النحو فقط، يمكن - ويتوجب - فهم تيار الغضب. ثم في شكل أكثر تحديداً، مسرح جون آردن.
قلنا أعلاه أن آردن اعتبر الأكثر راديكالية بين أبناء ذلك الجيل وتياره. والحال أن حسبنا أن نشاهد - أو نقرأ - مسرحيته الأشهر"رقصة السرجنت ماسغريف"، حتى نتيقن من هذا.. بحيث أن هذه المسرحية وصلت في مجال رفضها للحروب والنزعات العسكرية الى مستوى لن يصل اليه كتّاب المسرح الآخرون - ثم أهل السينما من بعدهم - إلا لاحقاً، ومع حرب فييتنام. ونعرف أن العام 1959، الذي ظهرت فيه مسرحية آردن الرئيسة هذه، لم يكن عام حروب... وبالكاد كان يمكن فيه لأصحاب التفكير السلمي أن يجدوا ماء يصبونه في طاحونهم، اللهم إلا إذا أخذنا في اعتبارنا تلك الحرب الخاسرة التي خاضها الانكليز مع الفرنسيين والإسرائيليين ضد مصر، في خريف عام 1956، وانتهت بموقف أميركي صارخ ضد ذلك التدخل في مصر، وبموقف سوفياتي حاسم، بمعنى أن"خسائر"الحرب من الناحية الإنكليزية لم تكن لتبرر موقفاً جذرياً مسرحياً ضد الحروب. ومن هنا اعتبر موقف آردن موقفاً إنسانياً شاملاًً يضيء مسبقاً على ما سيحدث خلال الزمن المقبل، حتى وإن كان هدفه الأساس نسف فكرة الحرب انطلاقاً من شر الحروب كلها. وفي هذا المعنى يمكن القول طبعاً إن جون آردن إنما حاول في تلك المسرحية - ثم في مسرحيات له جذرية هي الأخرى، ظهرت خلال حقبة لاحقة، ومنها"آخر تحية مساء لآرمسترونغ"، التي قدمت أول ما قدمت على خشبة"ناشنال ثياتر"ومن بطولة آلبرت فيني -، حاول أن يسيّس مسرحاً كان بدأ يتجه جذرياً في دروب احتجاج عامة، تفتقر الى بنية سياسية معينة، ما يعني أن ما حاوله آردن إنما كان الجمع بين بريخت - الراحل حديثاً في ذلك الحين - وأوزبورن الذي كان ثور المسرح إنما من دون أن يعرف ما الذي يجدر به فعله بهذه الثورة.
في معرض حديثه عن"رقصة السرجنت ماسغريف"، يقول آردن، إذ سئل عما إذا كان يعتبر مسرحيته هذه مسرحية تدعو الى النزعة السلمية:"إن النزعة السلمية بالمعنى الكامل للكلمة، نظرية شديدة الصعوبة، ليس من الممكن تطبيقها كلياً. فإذا كانت مسرحيتي هذه تبدو وكأنها تدافع عنها، بشيء من الخجل ربما، فمن المرجح أن هذا يعود الى انني أنا في طبعي رجل خجول. ثم لأنني أعرف جيداً أنني إذا حدث لي أن ضربت، فإنني لن أتردد عن رد الضربة بضربة مقابلة... ثم انطلاقاً من هنا لا أجدني مبالياً بأن أعظ بثقة تامة، في شأن أمر لست واثقاً إنني قادر على ممارسته...". بهذه العبارات حدد آردن إذاً، حدود نزعة مسرحيته السلمية. بل انه في الوقت نفسه أزال التباساً أساسياً، كان قد نتج عن تفسيرات عدة سادت في شأن المسرحية منذ عرضت، هي التي أتت مملوءة بشتى أنواع الشخصيات والأفكار، حتى وإن كانت قد تمحورت من حول شخصية أساسية هي شخصية السرجنت ماسغريف، الذي يطالعنا منذ بداية المسرحية وقد وصل مع ثلاثة من جنوده، وكلهم هاربون من الخدمة العسكرية في حرب غير محددة، إنما نعرف أنها تدور في مكان بعيد أيام العصر الكولونيالي، وتحديداً عام 1879. والأربعة يحطون رحالهم في هربهم من الحرب في بلدة في الشمال الإنكليزي يعيش أهلها من استخراج الفحم الحجري. وهناك على خلفية إضراب عام، يجد الأربعة أن البلدة تعاني شظف عيش يصل الى حد المجاعة. وإذ يأمل السكان في أن يكون مجيء الجنود - وهم غير عارفين بأنهم هاربون من الحرب - إيذاناً بتجنيد شبان البلدة ما يوفر لهم بعض النقود والقوت، تدور بقية الأحداث الخاصة والعامة، على إيقاع سوء التفاهم الذي يدور من حول هذا كله... وهي أحداث سرعان ما نكتشف، نحن المتفرجين، أنها أكثر تشابكاً مما كنا اعتقدنا في البداية... ذلك أن الجنود الفارين لم يأتوا الى المكان صدفة، بل بحثاً عن رفيق لهم يدعى بيكي هيكس، الذي ثمة اعتقاد بأنه قتل خلال المعركة ولكن خارج القتال نفسه. لقد قتله طرف ما... والجنود إنما هم هنا لمعرفة ما الذي حدث. وهذا الأمر يزداد تشابكاً وتعقيداً، حين يتبين أن هيكس هو ابن المدينة، بل إنه والد الطفل غير الشرعي الذي أنجبته العاملة في حانة البلدة آني... ثم مات فجن جنون هذه الأخيرة إذ فقدت الابن وأباه...
عند هذا المستوى من الكشف يكون محور المسرحية قد نحا في اتجاه آني نفسها ومأساتها الخاصة، ولكن من دون أن تقل أهمية سوء التفاهم الحادث من حول ماسغريف واعتقاد البلدة أنه إنما هنا ليجند أبناءها باسم السلطات، السلطات نفسها التي يتمرد ماسغريف وجنوده عليها، في الوقت نفسه الذي لا يتوقفون = عن فضح الفظائع التي ترتكبها هذه السلطات في المستعمرات التي تدور فيها وفي سبيلها رحى الحرب التي هرب الجنود منها... في نهاية الأمر سينفضح كل شيء، وستختتم المسرحية على مشهد داخل زنزانة سجن وضع فيه الجنود... والحوار يدور بين ماسغريف وواحد من جنوده وهو آشر كليف، حيث من خلال الفوارق في الرؤى والأفكار بين الاثنين، تتكشف أمامنا مساحة كبيرة من الصراع الفكري الذي كان محتدماً في ذلك الحين.
حين عرضت هذه المسرحية للمرة الأولى، عام كتابتها 1959، لم تثر اهتماماً كبيراً لدى الجمهور الإنكليزي، ذلك أن النزعة المعادية للحرب، لم تكن ملحّة في ذلك الحين، ثم ان المسرحية بدت من التشابك في الشخصيات والأحداث بحيث فضل كثر عليها أعمالاً أكثر بساطة في أسلوبها، وأكثر وضوحاً في مرامي شخصياتها، مثل مسرحيات أوزبورن وغيره. ولكن لاحقاً، على ضوء حرب فييتنام وانبثاق النزعة السلمية انطلاقاً منها ومن رفضها، عادت"رقصة السرجنت ماسغريف"لتتخذ أهميتها، ما أعاد جون آردن مواليد عام 1930 الى الواجهة من جديد، وحفزه على مواصلة طريقه في الكتابة المسرحية ثم الروائية أيضاً. ولكن كذلك في الانخراط في العمل السياسي المباشر، وصولاً ذات حقبة الى انضمامه الى ثوار"شين فين"الإيرلنديين، ناسياً ما كان دعا إليه في مسرحه نزعة سلمية.
[email protected]
نشر في العدد: 16879 ت.م: 21-06-2009 ص: 14 ط: الرياض


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.