يمكن أن نوجز الخطوط الرئيسة لقوانين الانتخاب التي عرفها لبنان... فقانون الانتخاب لعامي 1943 و 1950 اعتمد المحافظة الدائرة الانتخابية والانتخاب الأغلبي على دورتين، ويعتبر فائزاً بحسب هذا النظام المرشح الذي نال في الدورة الأولى الأغلبية المطلقة من الأصوات المقترعة والحاصل أيضاً على أكبر عدد من الأصوات في الدورة الثانية، أي كما في النظام الأغلبي البسيط، على أن يمنع عن الترشح للدورة الثانية من لم يحصل على 12.5 في المئة من مجموع الناخبين. في الدورة الأولى تظهر موازين القوة السياسية الصحيحة ما يدفع في الدورة الثانية لتقديم التحالفات والتنازلات المتبادلة. وهذا النظام يرمي الى وجود التعددية الحزبية ويشجع الأحزاب الصغيرة على المشاركة بالحكم ويعطيها دوراً في العملية الانتخابية، أما النظام الانتخابي المطبق في العامين 1952 و 1957 فهو النظام الأغلبي البسيط، والدائرة الانتخابية المعتمدة هي الدائرة الفردية المصغرة ومع تقسيم لبنان الى 26 دائرة. اعتماد الدائرة الانتخابية الصغرى أو الفردية يحمل في طياته حسنات هي اقامة علاقات مباشرة مع النواب والحد من نفوذ الجماعات الضاغطة غير أنه يؤدي الى تغليب المصالح والاعتبارات الشخصية والفئوية على المصالح العامة فيحصر اهتمام المرشحين في المسائل ذات الطابع المحلي ويضعف دور الأحزاب السياسية والتحالفات الحزبية، أما قانون الانتخاب المطبق عام 2000، فاختلف مع الأنظمة السابقة بأنه اعتمد دوائر انتخابية لا ترتكز الى معيار موضوعي راوحت بين محافظتين كما الجنوب والبقاع وبين قضاءين بشري وعكار، المنية وبين قضاء واحد الشوف والمتن وتقسيم العاصمة ثلاث دوائر انتخابية. ما يعيب هذا القانون الانتخابي أنه يشوه التمثيل الشعبي فغير ممكن تقسيم دوائر بشكل متساو: تفترض وجود دائرتين، ولكل دائرة مقعد. عدد الناخبين في الأولى مئة ألف وعدد الناخبين في الثانية خمسمئة ألف، فيكون للناخب في الدائرة الأولى خمسة أصوات والناخب في الدائرة الثانية صوت واحد، ولو كان الانتخاب على صعيد المحافظة كدائرة انتخابية لسمح بصراع أكبر على الأفكار والمشاريع والأحزاب، ولغلبت المصلحة العامة والمشاريع الوطنية على حساب مصالح العصبيات الفئوية. إلا أنه لا يمكننا القول إن هذا النظام كان ليكون خالياً من المساوئ فهو يزيد من تمثيل الأكثرية ويضعف من تمثيل الأقلية، فمثلاً لنفرض أن لائحة حصلت على 53 في المئة من الأصوات ولائحة أخرى حصلت على 47 في المئة، فيحصل الحزب الأول على 80 في المئة من المقاعد والحزب الثاني على 20 في المئة من المقاعد، مما يجعل الأحزاب الصغيرة تنسحب من المشاركة بالانتخاب، ويؤدي الى تقاعس الناخب عن المشاركة بحقه بالاقتراع، كونه يعلم أن صوته لن يؤثر في نجاح المرشح سلباً أو ايجاباً، وأنه اذا أثّر لن يجعل المرشح يفوز ما لم يكن محسوباً على الأكثرية أي من يملك 51 في المئة من الأصوات، لذلك نجد أن الدول الأوروبية هجرت النظام الأكثري الى النظام النسبي، كونه يهدف الى العدالة في التمثيل: فلنفرض أن دائرة ممثلة بخمسة مقاعد تتنافس فيها ثلاث لوائح، حصلت اللائحة الأولى على 49 في المئة من الأصوات والثانية 30 في المئة والثالثة 21 في المئة، فتنال اللائحة الأولى ثلاثة مقاعد والثانية مقعداً واحداً والثالث مقعداً واحداً مما يسمح بتمثيل جميع القوى السياسية داخل البرلمان ويشجع التعددية الحزبية. إلا أن مساوئ هذا النظام أنه يخلق برلماناً لا يشكل أغلبية ثابتة مما يؤدي الى عدم استقرار حكومي، وهذا ما جعل بعض الدول تلجأ الى الانظمة الانتخابية التي تجمع بين الانتخاب النسبي والأكثري معاً، فينتخب ربع البرلمان على أساس النظام الأكثري في دائرة صغرى، والمقاعد الباقية توزع على اللوائح على أساس النظام النسبي في الدائرة الكبرى، اي أن الناخب يصوت لعدد من المرشحين في الدائرة الصغرى يفوز منهم من ينال أكثرية الأصوات، كما يصوّت أيضاً للائحة من اللوائح في الدائرة الكبرى في الوقت نفسه. هذا النظام الثنائي يهدف الى تدعيم الأحزاب الوطنية وإنشاء برامج ومشاريع انتخابية حقيقية يتم التنافس على تحقيق بنودها جدياً، كذلك يمكن اعتماد النظام الثنائي بطريقة مختلفة هدفها الزيادة في تمثيل الأحزاب الوسط على حساب الأحزاب المتطرفة، فيتم تنظيم الانتخابات على أسس التحالف بين اللوائح والقوائم، فإذا حصلت احدى اللوائح على غالبية الثلثين تفوز بكل المقاعد كما لو أن الانتخابات أجريت وفقاً للنظام الأكثري والمرشحون فيها هم أعضاء هذه اللائحة فقط، وإذا لم تحصل احدى اللوائح على غالبية الثلثين يتم توزيع المقاعد على كل اللوائح وفقاً للنظام النسبي كما لو ان الانتخابات على اللوائح أجريت وفقاً لقانون النظام النسبي فقط. باعتقادي أن مصلحة لبنان تقتضي الخروج من الثنائية الحزبية التي يعاني منها لبنان، أي مقولة الأكثرية والأقلية، والعمل على ايجاد أحزاب وسط صاحبة برامج انتخابية مختلفة. وأهداف مختلفة ومصالح مختلفة، وذلك إما عبر الأنظمة الانتخابية المختلطة وإما عبر النظام النسبي، وحتى عبر النظام الأغلبي على دورتين. * محام لبناني