الكلام على الانتخابات النيابية، يعني حصراً النظام الديموقراطي الذي يقوم على مبدأ سيادة الأمة وعلى اختيار الشعب حكامه بنفسه. وإذا كان لكل مجتمع طبيعة وصِفات وخصائص، فمن المحتَّم أن يكون نظامه العام متآلفاً معها، وإلا فقد يصبح مجتمعاً معرّضاً للهزات والانتفاضات، أو راضخاً تحت هيمنة الحاكم الجائر. ولبنان الذي يتميز بصيغة فريدة تقوم على التوازن والتنوع الحضاري، فإن النظام الديموقراطي المنزّه عن الشوائب والتشويه، هو الذي يحقق فيه العدالة والمساواة بين سائر الفئات، ويشكل صمام أمان للعيش المشترك، ويحصّن الاستقرار الأمني والمناخ السياسي. والقول بالنظام الديموقراطي، يستوجب تبيان أهم أركان هذا النظام وهي: - سيادة الشعب. - العدل والمساواة. - الحرية الفردية والكرامة الإنسانية. وهي أركان لا تتأمّن إلا بالانتخابات الحرة، أي بالتعبير التجسيدي الصادق لإرادة الشعب على أنها مصدر السلطة الحاكمة، وقد نصّت الدساتير التي اعتمدت الأنظمة الديموقراطية، على"أن السلطة لا تكون شرعية إلا إذا كانت وليدة الإرادة العامة..."، مثلما لحظت مقدمة الدستور اللبناني في الفقرة د."أن الشعب مصدر السلطات وصاحب السيادة يمارسها عبر المؤسسات الدستورية...". أي قانون إذاً، هو الذي يجسّد النظام الديموقراطي في لبنان، ويحقق غاية الوطن في خصائصه المميزة وواقعه الفريد...؟ لقد أدى اختلال القوانين الانتخابية التي وضعت لدورات ما بعد الطائف الى إطاحة القواعد الانتخابية وأهدافها، من سيادة الشعب، الى التنوع، والتوازن، والعدالة، والمساواة، وسدّد الى العيش المشترك وهو غير معافى، إصابات أمعنَت في إنهاكه، وأبرز ما نتج من ذلك: 1 - هبوط السلطة الاشتراعية على سلطة الشعب بإرادة فوقية ضاغطة، وبما هو أشبه بالتعيين الانتخابي. 2 - تعطيل اللعبة الديموقراطية في المراقبة والمحاسبة، وخرق معنى النظرية النيابية التي تفرض قيام النائب بإعمال المنيب، وإحلال إرادة النواب محل إرادة الشعب. 3 - استخفاف النواب بمصالح الناخبين وحاجات المناطق التي يمثلونها، على اعتبار أن فوزهم في الانتخابات رهنٌ بتركيب اللوائح لا بأصوات الاقتراع. 4 - انبثاق الحكومات بالمشيئة نفسها التي كوّنت المجلس النيابي، فانتفت بذلك حرارة الحركة الديموقراطية في المعارضة والموالاة، وأصبح المجلس والحكومة خاضعين لسلطة واحدة. 5 - قيام ما يعرف بترويكا السلطة التي احتكرت قرارات المجلس النيابي والحكومة، وتقاسمت في ما بينها ناتج الخير العام، وسائر المنافع والمغانم. 6 - السيطرة على القوانين ذات البُعد الميثاقي، وذات الصلة بعلائق لبنان الخارجية وعقد الاتفاقات. في الدائرة الانتخابية الوسطى والكبرى إذا كانت الدائرة الكبرى أو الوسطى، المتلائمة ديموغرافياً أو المتفاوتة، أدت وتؤدي في لبنان الى نقيض ما تتوخاه الديموقراطية من الانتخابات وهو حكم جمهور الشعب من دون تمييز، بل بدت وتبدو كأن قسماً من الشعب يحكم قسماً آخر، أو كأنها تنقاد الى قانون قهري، تخضع الحرية فيه الى تحكم الضرورة، فقد نتج منها كذلك: 1 - حصر نتائج الانتخابات بالمرشحين الذين يختارهم رئيس اللائحة أو زعيم الدائرة في معزل عن إرادة الشعب، فيحل محل"الانتخاب الإرادي"، ما يعرف ب?"الانتخاب الطبيعي"الذي يحافظ على بقاء سيطرة النفوذ وسطوَة الهيمنة. 2 - جعل المجلس النيابي حكراً على ثلاثة أو أربعة من رؤساء الكتل، فإذا اختلف هؤلاء انقسم المجلس على نفسه وانقسم معه الشعب فتقع البلاد في دوّامة اللغط الدستوري والأزمات الوطنية المفتوحة. 3 - استبعاد قيام جيل سياسي من المستقلين وأصحاب الأهلية والاستحقاق الذين يرتبطون بمصالح الشعب وإرادته، لا بإرادة الزعيم ومصالحه، وإقصاء طبقة سياسية متجددة تؤمِّن تداول السلطة الذي هو أساس الممارسة الديموقراطية، وتعطّل توارث الفساد السياسي والإداري عبر استمرار أقطاب الطبقة السياسية نفسها..."وإنّ أثقل مصائب الناس أن يُقصى فضلاؤهم عن الأحكام"، كما يقول أفلاطون في كتاب جمهوريته. 4 ? إخفاق الدائرة الوسطى والكبرى في ترسيخ الوحدة الوطنية بقدر ما عززت الخطاب الطائفي والزعامة الطائفية وأفرزت الدوائر الانتخابية مناطق نفوذ مذهبي على اسم بعض رؤساء اللوائح طبيعة ونتائج انتخابات: 1992 - 1996 - 2005. 5 - خلق الحواجز والمعوقات أمام إطلاق الأحزاب الوطنية والتجمعات السياسية تحت مظلة المؤثرات الطائفية والعائلية. 6 - تسهيل التدخل الخارجي في الانتخابات النيابية عبر رئيس اللائحة ما يتعذر تأثيره المباشر عبر إرادة الشعب. الدائرة القضاء إذا كان اعتماد القضاء كدائرة انتخابية يحقق فرصاً افضل من حيث صحة التمثيل، إلا أنه يباعد بين فرص المساواة المدنية في ما بين المرشحين والمقترعين بسبب التباين الفادح أحياناً بين قضاء وقضاء آخر لجهة عدد الناخبين وعدد المرشحين على السواء. والمساواة المدنية التي تستند الى القانون الطبيعي والى العقد الاجتماعي هي التي تساوي بين جميع الأفراد في تمتعهم بالحقوق والتزامهم بالواجبات. ومقدمة الدستور اللبناني الفقرة ج تشدد على"العدالة الاجتماعية والمساواة. في الحقوق والواجبات بين جميع المواطنين دونما تمايز أو تفضيل...". فالقضاء كدائرة انتخابية لا يحقق الشروط الكاملة للمساواة في الدوائر، كما في الحقوق والواجبات لا بين المرشحين ولا بين الناخبين. فإذا أخذنا كعيّنة على سبيل المثال قضاءَي: جبيل والمتن الشمالي، أو جبيل والشوف في جبل لبنان لاتضح الفارق في عدد المقاعد: - جبيل: ثلاثة مقاعد. - المتن الشمالي أو الشوف: ثمانية مقاعد. * كما في عدد الناخبين: - جبيل: سبعون ألف ناخب. - المتن الشمالي مئة وواحد وستون ألفاً، أو الشوف: مئة وسبعون ألفاً. هذا يعني: أن الناخب في قضاء جبيل ينتخب ثلاثة نواب، فيما الناخب في قضاء المتن أو الشوف ينتخب ثمانية نواب، والمرشح في جبيل يحتاج الى أقل من عشرة آلاف صوت للفوز، فيما المرشح في المتن أو الشوف يحتاج الى نحو ستين ألف صوت، والمعادلة تصبح أكثر بروزاً على صعيد دائرتي... بعلبك ? الهرمل والبترون. أما في الدائرة القضاءين قانون 1960 فيبرز الفارق شاسعاً: - بعلبك ? الهرمل: عشرة مقاعد. - البترون: مقعدان. * كما في عدد الناخبين: - البترون: خمسة وخمسون ألف ناخب. - بعلبك ? الهرمل: مئتان وإثنان وثلاثون ألف ناخب. وذلك بحسب إحصاء انتخابات 2005. ونتيجة لهذا النوع من الخلل تقدم عدد من النواب بمراجعة لدى المجلس الدستوري لإبطال قانون الانتخابات المنشور في الجريدة الرسمية بتاريخ 13/1/2000 لأنه يخالف الدستور وينطوي على تقسيمات انتخابية لا تراعي المبادئ الأساسية لمساواة المواطنين أمام القانون من خلال المساواة في التمثيل والتصويت وتقسيم الدوائر الانتخابية جريدة"النهار": 18 كانون الثاني/ يناير 2000. كما أن المجلس الدستوري اللبناني كان قرر"أن قانون الانتخاب يجب أن يكون واحداً لجميع المواطنين انطلاقاً من مبدأ إعطاء كل صوت القيمة الاقتراعية عينها في مختلف الدوائر الانتخابية ومن خلال المساواة في تقسيم هذه الدوائر"قرار المجلس الدستوري بالإجماع الرقم 4/69 تاريخ 7/8/1996. الدائرة الفردية يستخلص مما تقدم أن الدائرة الانتخابية الفضلى التي تراعي خصائص لبنان وتحقق الغاية الانتخابية الأصدق في الحرية والعدالة والمساواة هي الدائرة الفردية، فإذا كانت هذه الدائرة معتمدة في أرقى الدول ديموقراطية ومنها إنكلترا والولايات المتحدة وكندا وغيرها، فإنها بالنسبة الى واقع لبنان وحاله تعني التزام الحاضر لبناء المستقبل. وعلى رغم أن الدائرة الفردية تتميز بأنها: 1 - تؤمن تمثيلاً نيابياً صحيحاً، وتُتيح التفاعل الديموقراطي عبر مواجهة مباشرة بين الناخب والنائب، في معزل عن الضغوط والمؤثرات. 2 - تحقق المساواة في الحقوق والواجبات وتراعي موجبات الدستور في إعطاء كل صوت القيمة الاقتراعية عينها في الدوائر الانتخابية المتساوية. 3 - تفسح المجال واسعاً أمام تمثيل سائر التيارات والتوجهات السياسية وتخلق تنوعاً نيابياً تنبثق منه ائتلافات وتكتلات برلمانية متحررة ومتحركة تطلق عجلة المجلس النيابي عند الانكماش التشريعي أو الالتباس الدستوري. 4 - تجعل المجلس النيابي أكثر انسجاماً مع التطلعات الشعبية والتوجهات الوطنية من خلال تنوع الأكثرية والأقلية، وتحقق المراقبة والمحاسبة في أعلى قدر من الإنتاجية. 5 - تحرر المجلس النيابي من الهيمنة الخارجية وتعدد الولاءات، ومن تسديد التزامات الداخل في الداخل، والخارج في الداخل. ولكن الحلول الفضلى لا يمكن تحقيقها في ظل جوٍّ وطني متشنج وانقسام سياسي هائج، وإن أي طرح في هذه الحال يتناول تعديلات جذرية حيال قانون الانتخابات، لا بد من أن يصطدم بحاجز قاطع من الرفض. دائرة القضاء والقضاءين أو قانون 1960 لأن ثمة إجماعاً أو شبه إجماع على ما سُمّي قانون القضاء مع ما رافقه من إشكالية والتباس حول ما هو قضاء إداري، وما هو دائرة انتخابية تضم قضائين على غرار بعلبك ? الهرمل: البقاع الغربي ? راشيا: مرجعيون ? حاصبيا. وبما أن الاتفاق على مشروع قانون للانتخابات النيابية اصبح عقدة محورية في الانشقاق السياسي القائم، وبات يشكل أزمة متقدمة على ما هو أكثر إلحاحاً كانتخاب رئيس للجمهورية وسائر بنود الاختلاف. ومن أجل المساهمة في تبديد الإشكال وتسهيل المرور الى حلّ، إذا كان الحل مرتبطاً في الشأن الداخلي. ولأن ما يصعب تحقيقه بالتوزيع الجغرافي يمكن استدراكه بالنسبية... ولأن النسبية على مستوى المحافظة وما هو أوسع من قضاء، عملية معقدة ليس من السهل على الشعب استيعابها أو احتسابها على المدى المتبقي المنظور للاستحقاق الانتخابي. ومراعاة للعدالة والمساواة في الحقوق والواجبات بين المرشح والناخب، وتحقيق القدر الممكن من إعطاء كل صوت القيمة الاقتراعية نفسها. لذلك أرى: أن يتم الاتفاق على قانون 1960 بأقضيته ودوائره، على أن يُعتمد النظام الأكثري في الدوائر التي تتمثل بأربعة مقاعد وما دون، وتعتمد النسبية في الدوائر التي تتمثل بأربعة مقاعد وما فوق. وتنطبق هذه القاعدة على الدوائر الانتخابية الثلاث التي تتألف منها مدينة بيروت. خلاصة الانتخابات النيابية في لبنان اليوم تختلف عما كانت عليه في أي يوم مضى، وهناك أمثلة كثيرة وعِبَر، نستحضرها من الماضي، وتَشْخص أمامنا في الحاضر. إنها انتخابات بطلت المفاضلة فيها أن تكون تنافساً ما بين القوى والتيارات والأشخاص، بقدر ما هي بين وطن غارق في المعاناة، غامض المصير، ووطن معافى ينطلق في منفسح المستقبل. إنها الانتخابات التي ينبثق منها مجلس نيابي يشترع القوانين وينتخب الرؤساء، ويشكل الحكومات، ويحدد القضايا الوطنية ويدرأ عن لبنان دوامة الأزمات والأخطار، صوناً لاستقراره الأمني والسياسي. والانتخابات المشوّهة، والمثقلة بالعيوب، هي التي تنتج سلطة اشتراعية مشوهة ومشبوهة وتجعل مبدأ الشرعية في المطلق موضع تجاذب ونزاع بين مفهومين للشرعية، ما يؤدي الى أزمة حكم خطيرة، والى تحول الصراع من صراع في النظام الى صراع على النظام، وخير ما يقتضيه الواجب اليوم هو إنقاذ لبنان النظام بواسطة الشرعية ووقاية لبنان الوطن من استفحال الصراعات. بيروت في 10/3/2008 * وزير لبناني سابق قانون 1960 : الدوائر الانتخابية والعدد التقريبي المتوقع لناخبي عام 2009 بيروت: - الدائرة الأولى: الأشرفية - الرميل - المدور - الصيفي - المرفأ - ميناء الحصن. عدد المقاعد: 10. طوائف: أرثوذكس1 أرمن أرثوذكس 3 أرمن كاثوليك 1 إنجيليون 1 كاثوليك 1 موارنة 1 أقليات1. عدد الناخبين: 165 ألفاً. - الدائرة الثانية: الباشورة - زقاق البلاط - دار المريسة. عدد المقاعد: 3. طوائف: سنة 1 شيعة 2. عدد الناخبين: 107 آلاف. - الدائرة الثالثة: رأس بيروت - المزرعة - المصيطبة. عدد المقاعد: 6. طوائف: أرثوذكس 1 دروز 1 سنة 4. عدد الناخبين: 192 ألفاً. * ملاحظة: يبرز في الدائرة الأولى ارتفاع عدد المقاعد قياساً على عدد الناخبين بسبب وجود ناخبين لطوائف: لها ثقل مميز كالأرمن الأرثوذكس 3 مقاعد، أو غير ممثلة بدوائر أخرى كالإنجيليين والأقليات، مع وجود مقعد سني بسبب ارتفاع عدد النواب من 99 نائباً 1960 الى 128 نائباً. محافظة جبل لبنان بعبدا: المقاعد 6. الطوائف: موارنة 3 دروز 1 شيعة 2. عدد الناخبين: 160 ألف ناخب. عاليه: المقاعد 5. الطوائف: موارنة 2 أرثوذكس 1 دروز 2. الناخبين: 125 ألف. الشوف: المقاعد 8. الطوائف: موارنة 3 دروز 2 سنة 2 كاثوليك 1. الناخبين: 189 ألفاً. جبيل: المقاعد 3. الطوائف: موارنة 2 شيعة 1. الناخبين 80 ألفاً. كسروان: المقاعد 5. الطوائف: موارنة 5. الناخبين: 96 ألفاً. المتن الشمالي: المقاعد 8. الطوائف: أرثوذكس 2 أرمن أرثوذكس 1 كاثوليك 1 موارنة 4. الناخبين 180 ألفاً. محافظة الجنوب صيدا: المقاعد 2، الطوائف: سنة 2. الناخبين 55 ألفاً. الزهراني: المقاعد 3، الطوائف: كاثوليك 1 شيعة 2. الناخبين 98 ألفاً. جزين: المقاعد 3. الطوائف: كاثوليك 1 موارنة 2. الناخبين 59 ألفاً. صور: المقاعد 4. الطوائف: شيعة 4. الناخبين: 170 ألفاً. النبطية: المقاعد 3. الطوائف: شيعة 3. الناخبين: 130 ألفاً. بنت جبيل: المقاعد 3. الطوائف: شيعة 3. الناخبين 129 ألفاً. مرجعيون - حاصبيا: المقاعد 5، الطوائف: أرثوذكس 1 دروز 1 سنة 1 شيعة 2. الناخبين 145 ألفاً. محافظة الشمال زغرتا: 3. موارنة 3. 75 ألفاً. بشري: 2. موارنة 2. 48 ألفاً. الكورة: 3. أرثوذكس 3. 62 ألفاً. البترون: 2. موارنة 2. 62 ألفاً. عكار: 7. ارثوذكس 2 موارنة 1 سنة 3 علويون 1. 250 ألفاً. المنية - الضنية: 3. سنة 3. 110 آلاف. طرابلس: 8 . أرثوذكس 1 موارنة 1 سنة 5 علويون1. 205 آلاف. محافظة البقاع زحلة: 7. أرثوذكس 1 ارمن ارثوذكس 1 كاثوليك 2 موارنة 1 سنة 1 شيعة 1. 162 ألفاً. البقاع الغربية - راشيا: 6. أرثوذكس 1 موارنة 1 دروز 1 سنة 2 شيعة 1. 130 ألفاً. بعلبك - الهرمل 10: كاثوليك 1 موارنة 1 سنة 2 شيعة 6. 283 ألفاً.