يُفترض بكل داع إلى نزع الطائفية عن النظام السياسي اللبناني، الشعور بالارتياح لإحالة مجلس الوزراء مشروع قانون الانتخابات النيابية المقبلة القائم على مبدأ النسبية، إلى الهيئة التشريعية للنقاش. لكن الافتراض يبقى افتراضاً في الحالة اللبنانية. فمشروع القانون الذي سيناقشه النواب، ملتبس إلى أقصى حد. وثمة اتفاق على أن النسبية كمبدأ انتخابي تقود إلى تعزيز الحياة الحزبية حيث يجري التنافس ضمن مشاريع ورؤى لمستقبل البلاد يشارك في بحثها نواب الأكثرية والأقلية الذين تحفظ النسبية لهم حقهم في التمثيل البرلماني وإيصال صوتهم إلى الجمهور، أفضل مما تفعل أنظمة الانتخابات الأكثرية أو المطلقة. ويتيح ذلك للناخبين تعديل الوجهة التي سيدلون بأصواتهم لها في الدورات المقبلة وفقاً لمصالحهم. ثلاث نقاط تثير تساؤلات كبيرة حول مشروع القانون: الأولى تتعلق بتقسيم الدوائر. ضم المناطق وفصلها يدعو إلى التأمل في معنى هذا «التطريز» للخريطة اللبنانية وخصوصاً في مناطق مختلطة طائفياً. فحتى الساعة لم تتضح أسباب «ضم وفرز» أقضية ومحافظات، ما يزيد من الريب والشكوك. الثانية: تدور حول معنى النسبية كما فهمه واضعو المشروع. يتعين التذكير هنا، أن دعاة النسبية في لبنان، غالباً ما ربطوا بينها وبين جعل الجمهورية دائرة انتخابية واحدة، ما يضمن تقدم الأحزاب المنتشرة على كامل جغرافيا لبنان، أي الأحزاب غير الطائفية والجهوية. ما جاء في المشروع هو النقيض التام للفكرة هذه. فتقسيم البلاد إلى 13 دائرة انتخابية وفي ظل انتخابات نسبية، يعني، خصوصاً، إطباق كل طائفة على مناطق هيمنتها. الثالثة: إن الاعتراضات على المشروع لم تأت من هاجس تطوير النسبية وإزالة الشوائب عنها من أجل ضمان تمثيل أفضل للبنانيين، بل من خلفية يتشارك أصحابها مع أصحاب القانون في الهم الإقصائي والاستئثاري، حتى برز الاعتقاد أن البديل عن المشروع السيء هذا قد يكون أسوأ منه، علماً أن تبني النسبية من ضمن القيد الطائفي، تُفقد الأولى حمولتها الديموقراطية لمصلحة أصحاب الخطاب الموتور. لكن، هناك حقيقة تسبق جميع التساؤلات بل تشكل الأرضية التي قد تصلح ليتأسس كل نقاش انتخابي عليها. وخلاصتها أن الدستور اللبناني المنبثق من وثيقة الوفاق الوطني («اتفاق الطائف»)، قسم المقاعد النيابية على المسيحيين والمسلمين مناصفة (المادتان 24 و95)، على أن يجري العمل لوضع قانون من خارج القيد الطائفي. ومعلوم أن الميزان الديموغرافي اللبناني يميل لمصلحة المسلمين ميلاً راجحاً. وصحيح أن المسلمين ارتضوا هذه الصيغة كضمان للوجود المسيحي ولحفظ حقوق المواطنين المسيحيين، لكن الصحيح أيضاً أن الصيغة كسرت مبدأ المساواة الدستوري الذي لا تقوم الدولة، بالمعنى الحديث، من دونه. ويجري منذ نهاية الحرب الأهلية الالتفاف على الخلل هذا بانتخاب المسلمين لعدد من نواب المسيحيين ما يثير احتجاجات محقة من جانب هؤلاء، في ظل قوانين تُنسب إلى ضباط المخابرات السورية أصحاب الصولات والجولات في الحياة السياسية اللبنانية، والذين سعوا إلى تهميش المسيحيين الذين كانت أكثريتهم تعارض الوجود والدور السوريين في لبنان. والمشروع المطروح اليوم، يبدو تلبية لوعود رئيس الجمهورية ووزير الداخلية باعتماد قانون يقوم على النسبية. لكن المشكلة التي يحتويها تبدو كجمع لسيئات النظام الأكثري الطائفي ورسم دوائر انتخابية تلائم طموحات الساعين إلى رئاسة الجمهورية بأي ثمن، ولو عبر التذاكي في اختراع قانون عجيب للانتخابات.