أحدث إقرار مجلس الوزراء اللبناني في جلسته أمس برئاسة رئيس الجمهورية ميشال سليمان مشروع قانون الانتخاب الجديد صدمة سلبية قوبلت بعدم ارتياح في الوسط السياسي على رغم أنه اعتمد للمرة الأولى النظام النسبي الذي لم يراع فيه، كما تقول مصادر في «جبهة النضال الوطني» وأخرى في قوى 14 آذار، ضرورة تأمين التمثيل الصحيح في البرلمان، بمقدار ما جاء على قياس قوى 8 آذار التي حرصت من خلال مداخلات معظم وزرائها على أن يأتي تقسيم الدوائر الانتخابية إلى 13 دائرة، إضافة إلى دائرة مستقلة للمغتربين، مناسباً لرغبتها في السيطرة على غالبية المقاعد النيابية في الانتخابات النيابية المقررة في الربيع المقبل. وعلمت «الحياة» من مصادر وزارية أن وزراء «جبهة النضال الوطني» بقيادة وليد جنبلاط خاضوا وحدهم معركة الاعتراض على مشروع القانون الذي لا يمت بصلة إلى الرغبة في تحقيق التمثيل الشعبي الصحيح، لا سيما أن معظم الوزراء في «8 آذار» انطلقوا في مناقشتهم لتقسيم الدوائر الانتخابية من حسابات ضيقة ولم يكن لديهم من هم سوى تكريس للتقسيم الذي يؤمن لهم الغلبة في الانتخابات النيابية المقبلة.وأكدت المصادر نفسها أن مشروع القانون، بكل بنوده، بعيد من تحقيق توازن في التمثيل النيابي يعكس الإرادة الشعبية الحقيقية. ليس لأنه يفتقد روحيته الإصلاحية فحسب، وإنما لإصرار وزراء الأكثرية في الحكومة على اتباع سياسة الضم والفرز للأقضية في تقسيم الدوائر، وخصوصاً في بيروت التي قسمت في مشروع القانون إلى دائرتين الأولى تضم الأشرفية، الرميل، المدور، الصيفي، الباشورة، المرفأ. والثانية تضم المزرعة، رأس بيروت، المصيطبة، ميناء الحصن، دار المريسة وزقاق البلاط. ولفتت المصادر إلى أن المشروع خصص 9 مقاعد للأولى في مقابل 10 مقاعد للثانية، ورأت في مثل هذا التقسيم محاولة مكشوفة لتوزيع الغنائم الانتخابية من خلال إصرار وزراء «8 آذار» على حشد الناخبين من الأرمن والمسيحيين والشيعة إضافة إلى تمثيل رمزي للسنة على خلفية أن تحالف القوى في الدائرة الثانية من شأنه أن يحاصر رئيس تيار «المستقبل» رئيس الحكومة السابق سعد الحريري ويمنعه من تسجيل أي مفاجأة انتخابية فيها باعتبار أن تعداد الأصوات يضمن الفوز لقوى 8 آذار من دون أي منافسة تذكر. ورأت أن جزءاً أساسياً من الثقل الشيعي في بيروت ألحق بدائرة الأشرفية، إضافة إلى الثقل الأرمني الذي لن يكون له من وجود فاعل في الدائرة الثانية فيما لاحظت أن الجزء الآخر من الشيعة ألحق بدائرة رأس بيروت، المزرعة، وبالتالي فإن 8 آذار تعتبر أن لا جدوى من خوض المعركة ضد الحريري في هذه الدائرة وأن الوجود الشيعي فيها لن يكون سوى محاولة لإضفاء نوع من «الماكياج» الانتخابي عليها للإيحاء بعدم وجود تقسيم طائفي لها. وعن تقسيم جبل لبنان إلى 3 دوائر انتخابية، الأولى تضم الشوف وعاليه، والثانية المتن الشمالي وبعبدا والثالثة تجمع كسروان وجبيل في دائرة واحدة، قالت المصادر إن الهدف من جمع الشوف وعاليه (13 نائباً) تقديم إغراء لجنبلاط ليعيد النظر في معارضة المشروع بذريعة أن قوته مضمونة في هذين القضاءين وأن لا مجال لمنافسته، فيما يعطي جمع بعبدا والمتن الشمالي دوراً للصوت الشيعي. وأكدت أن معظم قوى 8 آذار لا ترغب في الدخول في منافسة مع جنبلاط، وهي ارتأت أن تقدم له «رشوة» انتخابية لعله يبدل موقفه لضمان تمرير المشروع في البرلمان لكنها ستكتشف لاحقاً أن لعبتها المكشوفة سترتد عليها لأن رهانها ليس في محله. أما في خصوص تقسيم الشمال إلى 3 دوائر انتخابية: الأولى تجمع عكار، المنية - الضنية في دائرة واحدة والثانية تبقي على طرابلس دائرة انتخابية مستقلة فيما تضم الثالثة أقضية زغرتا، بشري، الكورة، البترون التي هي مسيحية بامتياز، فلاحظت المصادر الوزارية أن الرئيس ميقاتي طرح الشمال دائرة انتخابية واحدة لكن قوى 8 آذار اعترضت على طرحه، وأصرت على جمع زغرتا وبشري والكورة والبترون في دائرة واحدة انطلاقاً من أنها قادرة على تحقيق تقدم انتخابي في هذه الدائرة من شأنه أن يقترب من إسقاط مرشحي 14 آذار فيها. خلفية ابقاء طرابلس دائرة مستقلة وسألت المصادر عن خلفية الإبقاء على طرابلس دائرة انتخابية مستقلة وعن النية في جمع عكار، المنية، الضنية ذات الغالبية الساحقة من السنّة في دائرة واحدة، وقالت إن هناك من يخطط منذ الآن لأن تكون المعركتان في هاتين الدائرتين سنيتين بامتياز لعل خصوم الحريري يتمكنون من تسجيل خرق يشكل مفاجأة له. كما سألت عن أسباب إضعاف العامل السني في انتخابات بيروت والشمال وحصره في دوائر ذات الغالبية السنية من دون أن يتمدد إلى الدوائر الأخرى مع أن مجلس الوزراء أبقى على التوزيع الطائفي للمقاعد النيابية في بيروت مفتوحاً من دون أن يحسمه. وبالنسبة إلى تقسيم الدوائر الانتخابية في البقاع، فقد أبقى القانون على التقسيم نفسه الذي اعتمد في الانتخابات الأخيرة أي جمع بعلبك - الهرمل في دائرة واحدة في مقابل دائرتين في كل من زحلة (البقاع الأوسط) والبقاع الغربي. وتردد أن هناك من حاول أثناء النقاش التقدم باقتراح يقضي بتقليص النفوذ السني في البقاع الأوسط من خلال سلخ بعض البلدات منه وإلحاقها بالبقاع الغربي لكن الاقتراح قوبل بالرفض باعتباره يشكل لعبة مكشوفة لضرب نفوذ «المستقبل» في زحلة. وفي خصوص التقسيم الانتخابي في الجنوب، فقد انتهى النقاش إلى تقسيمه إلى دائرتين انتخابيتين: الأولى تضم صيدا، صور، جزين والزهراني والثانية تضم بنت جبيل، مرجعيون - حاصبيا، النبطية. وواضح أن هذا التقسيم يراد منه شل قدرة «المستقبل» على التأثير في صيدا بإلحاقها بأقضية مختلطة شكلاً، لكنها في غالبيتها شيعية. الغنائم الانتخابية واعتبر غازي العريضي أن من وقف إلى جانب المشروع رأى فيه تقسيماً للغنائم الانتخابية، وهو خالٍ من أي إصلاح، وأن من أيده لم يؤيده عن قناعة وإنما لحسابات تقوم على أنه يضمن لقوى 8 آذار الإمساك بالبرلمان المقبل. وأكد الوزير وائل أبو فاعور في معرض اعتراضه على المشروع أن النقاش الذي ساد الجلسة كان طائفياً ولا ينم عن رغبة في تحقيق الحد الأدنى من الإصلاح للمجيء ببرلمان جديد يؤمن التمثيل الشعبي الصحيح. ولفت أبو فاعور إلى أن لا علاقة للمشروع بالإصلاح «مع قناعتنا الكاملة بالنيات الإصلاحية لرئيس الجمهورية والنقاش الذي دار في الجلسة طائفي انطلق من حرص البعض على تقسيم الدوائر من منطلق طائفي ظناً منه بأنه يؤمن له نفوذه الانتخابي». وقال أبو فاعور إن مياهاً كثيرة ستجرى قبل أن يقر هذا القانون ولا نعرف ما إذا كان سيرى النور وتبقى الكلمة الفصل للبرلمان، (في إشارة إلى صعوبة تمريره في ظل ميزان القوى النيابي الحالي الذي يسمح بإسقاطه وعدم تمريره). وأكد ترو موقف «جبهة النضال» والحزب التقدمي الاشتراكي في معارضة مشروع القانون الذي «لا يمكن أن يحقق العدالة في صحة التمثيل ويراد منه تكريس النفوذ وتعميق الشرخ بين اللبنانيين». وقال: «نؤيد منه حق المرأة بترشيح مرشح واحد وبحد أدنى على كل لائحة انتخابية». ناهيك بأن استحداث دائرة انتخابية مستقلة للمغتربين لانتخاب 6 نواب يمثلونهم في البرلمان الجديد بما يؤدي إلى زيادة عدد النواب من 128 إلى 134 نائباً لن يحقق الغرض المنشود منه لأن إشراكهم في العلمية الانتخابية لن يكون له من تأثير على مجمل النتائج. وهذا يعني أن المشروع الذي أقر، كما قالت مصادر وزارية، ما هو إلا محاولة مكشوفة لإفراغه من الإصلاح. وبعد انتهاء الجلسة اعلن وزير الاعلام بالوكالة ابو فاعور انه أُعيد طرح موضوع «الكوتا النسائية» مجدداً بعد النقاش الذي حصل بالامس، وحصل نقاش مطول حول هذه القضية. وأقر بموجب هذا النقاش مبدأ الكوتا النسائية، اي حفظ حق المراة في أن يكون هناك، وبحد ادنى، مرشحة واحدة على كل لائحة. وقال رداً على اسئلة الصحافيين: «كان موقفنا مبدئياً ونهائياً ضد مشروع القانون القائم على النسبية، وسجلنا في محضر الجلسة ان رأينا لم يتغير، وازددنا قناعة بأن النقاش الذي حصل في الجلسات وغير الجلسات، لم يكن نقاشاً اصلاحياً، بل كان في مكان آخر، لا أريد ان اقول طائفياً، ولكن كان نقاشَ مصالح ومواقع نفوذ».