الزائر لاندونيسيا، سواء في رحلة عمل أم استجمام وترفيه، سيجد نفسه أمام معلم سياحي اقتحمت شهرته، منذ الرابع من تشرين الثاني نوفمبر الماضي عواصم العالم ووسائل إعلامها ومكاتب السياحة فيها. والمعلم الجديد، ليس اكتشافاً أثرياً، تراكمت عليه الأيام والسنون، ليعاد اكتشافه من جديد، بل هو مدرسة ابتدائية مزروعة في أحد شوارع العاصمة الإندونيسية جاكرتا. والمدرسة هذه، هي"مدرسة أوباما"،التي أتاح لها القدر ان تستقبل على مقاعدها بين عامي 1969 و1971، الطفل أوباما، الذي ارتادها خلال إقامة والديه في هذا البلد البعيد عن مكان ولادته الفعلي. باراك أوباما رد الجميل للمدرسة التي احتضنته شهرة توازي التي نالها حين استقر في البيت الأبيض، بصفته الرئيس الرابع والأربعين للولايات المتحدة، وكرمته المدرسة بوضع لوحة نحاسية حُفرت عليها صورته، وكلمات تشير إلى سنوات دراسته ومركزه الحالي. الزيارة إلى المدرسة لم تكن مخططة بذاتها، بل جرى اقتناصها خلال ساعتي"راحة"في نهاية مؤتمر اقتصادي في العاصمة الإندونيسية مطلع الشهر الجاري. سألنا سائق التاكسي المتواجد في فندق كراون بلازا في جاكرتا، عما إذا كان بالإمكان زيارة المدرسة الساعتين المتاحتين أمامنا قبل حزم الحقائب والتوجه إلى المطار في طريق العودة إلى بيروت. وبتهذيب يمتاز به أهل البلاد قال ان الزيارة تستغرق عادة نحو 10 دقائق، الا أنها قد تطول إلى نحو نصف ساعة في أوقات الازدحام. وصلنا إلى مدرسة"كاربنتر ألتنغ ستيشنغ ناسو سكول"، ولتسهيل الأمر على أنفسنا اكتفينا بالقول أنها مدرسة أوباما. خامرنا شعور بالقلق من عدم السماح لنا بالزيارة لان الوقت وقت دراسة. سأل السائق إذا كان بالإمكان الدخول من الحارس، وبعد لحظات جاء الناظر ليستقبلنا ببشاشة، وأخذنا في جولة على بعض قاعات التدريس، وخصوصاً القاعة التي احتضنت الطالب أوباما، قبل ان تستقبلنا مديرة المدرسة السيدة هاسيما. ولقد فاجأتنا بالفعل الطريقة الرائعة للطلاب ومعظمهم بين السادسة والثانية عشرة من العمر، طريقة السلام باليد واحناء الرأس، ثم العودة إلى مقاعدهم وكأن شيئا لم يحصل. بعد ان عرفنا بأنفسنا وسبب الزيارة طرحنا عليها بضعة أسئلة، فقالت انها بدأت التدريس في المدرسة عام 1979، ثم تدرجت وصولاً إلى مركزها عام 2001، وأنها ستتقاعد بعد شهرين. وعن شعور الهيئة التعليمية والإدارة والطلاب بعدما جاءتهم الأنباء بوصول أحد طلابهم السابقين إلى سدة الرئاسة الأميركية، قالت السيدة هاسيما انهم شعروا جميعاً بالفخر والاعتزاز واحتفلوا بيوم الانتخاب في حضور موظفي السفارة الأميركية في جاكرتا. وفي 32 شباط فبراير الماضي زارت وزيرة الخارجية الأميركية هيلاري كلينتون خلال زيارتها لإندونيسيا، يرافقها أركان السفارة المدرسة، فاحتفل بها الطلاب وانشدوا أغنيات تتخللها رقصات وطنية، كما تشكلت لجنة من الطلاب والمدرسين أُطلق عليها اسم"لجنة أوباما". وعن الوضع في المدرسة بعد ظاهرة اوباما، قالت المديرة، ان الطلب على تسجيل الأولاد فيها ارتفع بأكثر من طاقتهم ، وانهم يفكرون بزيادة أعداد الطلاب من 460 إلى نحو 600 طالب. وتدخل الناظر موضحاً ان المدرسة بنيت عام 1934 خلال فترة الاستعمار الهولندي للبلاد، وفق الطراز الكولونيالي، وأعيد تطويرها مع الحفاظ على طرازها الأصلي، وهي تتألف من طابقين، ومجهزة بمراكز صحية لا تكتفي بتقديم الإسعافات الأولية للطلاب، بل هناك أطباء يساعدونهم على إتقان هذا العمل، إضافة إلى مراكز للمعلوماتية، والتلفزيون ومختبرات وحديقة حيوانات مصغرة. وفوق هذا كله، تلقت المدرسة طلبات من مدارس يابانية لتبادل الطلاب والمعلمين، وكذلك من استراليا، حيث باشر أحد الأساتذة الأستراليين عمله، وسيشارك أحد طلابها في مسابقة في الفيليبين وهي نوع من"أولمبياد"للرياضيات لطلاب الابتدائية في منطقة جنوب شرق آسيا. ومن يجد لديه متسعاً من الوقت للسياحة، فبامكانه زيارة النصب الوطني أو"موناس"وهو عبارة عن مسلة رخامية يبلغ ارتفاعها 137 متراً، وفي قمتها شعلة مغطاة ب 35 كيلوغراماً من الذهب، وفي قاعدتها يوجد متحف النضال القومي، الذي يمثل استقلال البلاد، وقد افتتح رسمياً عام 1945، في عهد الرئيس أحمد سوكارنو ، وتوجد غرب الميدان شوارع كبيرة تعج بالفنادق الكبيرة. القصر الرئاسي استانا ميرديكا او قصر الحرية، وكان مقر الحاكم الهولندي. المتحف القومي، أسسه الهولنديون ويعرف باسم"جيدونج جاجه"أو مبنى الفيل، نسبة إلى تمثال الفيل أمامه، وقد أهدى التمثال أحد ملوك تايلاند عام 1871. ويمكن للزائر إنهاء جولته بزيارة مسجد الاستقلال وهو مسجد ضخم ومهيب من اكبر مساجد جنوب شرق آسيا، ويقوم اغلب زوار إندونيسيا من المسلمين والأجانب بزيارته والتقاط الصور في ساحته الشهيرة. وختاماً لا بد من التذكير ان اسم جاكرتا من"جايا كارتا"وتعني المدينة المزدهرة التي لا تقهر. كما أنها حملت اسم"باتافيا"عاصمة جزر الهند الهولندية، وهو الاسم السابق لإندونيسيا أثناء الاحتلال الهولندي. نشر في العدد: 16775 ت.م: 09-03-2009 ص: 32 ط: الرياض