سعت الخرطوم أمس إلى احتواء تداعيات إصدار المحكمة الجنائية الدولية مذكرة توقيف بحق الرئيس السوداني عمر البشير، وتعهدت تسريع تسوية أزمة دارفور ومحاكمة المتهمين بارتكاب جرائم حرب في الإقليم، فيما توعد البشير برد"حاسم ومسؤول"على المذكرة، معلناً طرد مزيد من المنظمات الإغاثية، وهو القرار الذي دعته الأممالمتحدة وواشنطن إلى العدول عنه تفادياً لكارثة إنسانية. راجع ص 5 ودخلت الصين أمس على خط الأزمة مطالبة مجلس الأمن بإصدار قرار يعلق تنفيذ المذكرة لمدة عام، استجابة للمساعي العربية والأفريقية في هذا الإطار. لكن مصادر في نيويورك أكدت ل"الحياة"أن أروقة المجلس لم تشهد بعد تحركات لاستصدار القرار، مشيرة إلى أن"احتمالات إقناع المجلس بإرجاء تنفيذ المذكرة تطبيقاً للمادة ال16 من اتفاق تأسيس المحكمة تبدو بلا جدوى"، نظراً إلى الانقسام بين الدول الأعضاء وترجيح استخدام بريطانيا وفرنسا والولاياتالمتحدة حق النقض"الفيتو"لتعطيل مشروع قرار الإرجاء. ودعا البشير الذي انضم إلى عشرات آلاف المتظاهرين ضد قرار المحكمة في الخرطوم أمس، إلى تشكيل جبهة"لمقاومة الاستعمار الجديد"، وقال في أول رد على المذكرة إن"السودان ليس عضواً في المحكمة ليحاكموه... تركوا الجرائم الحقيقية والمجرمين الحقيقيين في أميركا وأوروبا". واعتبر أن"السودان يمثل الصوت العالي لرفض كل أنواع الهيمنة، لهذا جاء استهدافه لأننا رفضنا الركوع... هذه دعوة استعمارية جديدة، يريدون مالنا ونفطنا وسندافع عن حقوقنا". وأعلن أن حكومته طردت عشر وكالات إغاثة أجنبية، معظمها أميركية وبريطانية وفرنسية،"بعد رصد أنشطة تتناقض مع كل اللوائح والقوانين". وعقد البشير أمس اجتماعين، أحدهما مع نائبيه علي عثمان محمد طه ورئيس حكومة الجنوب سلفاكير ميارديت، وآخر مع الحكومة. وقال طه إن الاجتماع الرئاسي قرر"رفض قرار المحكمة الجنائية الدولية وعدم الاستجابة له ومناهضته". وشدد على"التزام الحكومة باتفاقات السلام، وتمسكها بحقها الدستوري في تطبيق القانون لضمان استقرار الأوضاع واستتباب الأمن". وانتقد طه في مؤتمر صحافي المحكمة، ورأى أن"المعركة المقبلة ستكون سياسية ساحتها مجلس الأمن، وسيكون الطريق طويلاً وشاقاً أمام المحكمة لانتزاع قرار من المجلس بفرض عقوبات على السودان".واعتبر أن"القرار بعث بإشارات خاطئة إلى حركات التمرد، وجعل قضيتها إطاحة الحكومة، مما يحول القضية إلى صراع سلطة ويعطل عملية السلام". وهاجم زعيم"حركة العدل والمساواة"خليل إبراهيم الذي عرض أمس أن تكون حركته"أداة للمجتمع الدولي والمحكمة الجنائية إذا طُلب منها توقيف البشير". وأكد حرص الحكومة على محاكمة المتهمين بارتكاب انتهاكات في دارفور، موضحاً أن"لجان التحقيق انتهت من بعض الملفات وستشكل محاكم قريباً، كما ستستمر التحقيقات في قضايا أخرى". ودعا الاتحاد الأفريقي والصين أمس إلى تعليق مذكرة التوقيف. وقال ناطق باسم الخارجية الصينية إن بلاده"تأمل في أن يطلب مجلس الأمن من المحكمة وقف الإجراءات في هذه القضية". وأعرب عن"قلق بكين وأسفها"حيال المذكرة، معتبراً أن"المهمة الرئيسة للأسرة الدولية هي الحفاظ على استقرار دارفور ومواصلة دفع العملية السياسية ونشر القوة المشتركة بين الأممالمتحدة والاتحاد الأفريقي". وأثار قرار الخرطوم طرد منظمات إنسانية انتقادات الأممالمتحدةوالولاياتالمتحدة والاتحاد الأوروبي. وقال الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون إن"قرار حكومة السودان طرد 13 منظمة غير حكومية مشاركة في عمليات المساعدة في دارفور سيسبب في حال تنفيذه ضرراً يتعذر إصلاحه للعمليات الانسانية هناك". وناشد الخرطوم"أن تعيد بصورة ملحة النظر في القرار". وقال الناطق باسم الخارجية الأميركية غوردن دوغيد إن"عدداً من الدول، بينها الولاياتالمتحدة، يحاول إقناع الحكومة السودانية بالعودة عن قرارها". وفي نيويورك، أكدت مصادر عربية وغربية أن"لا تحركات"في مجلس الأمن أمس لإرجاء المذكرة، وأن المجموعة العربية لم تتلق أي تعليمات بالتحرك من العواصم أو من الجامعة العربية، وانها ما زالت في انتظار وصول الوفدين العربي والأفريقي. وبحسب مصادر غربية، فإن الصين التي عبرت علناً عن"أسفها"لصدور المذكرة"تبدي ضبط النفس وتحض ليبيا على التروي"، علماً بأن ليبيا تترأس المجلس للشهر الجاري وتعارض قرار المحكمة. وقالت هذه المصادر إن أعضاء المجلس يريدون"خفض التوتر وتجنب مواجهة علنية قد تبعث بالرسالة الخطأ"إلى الخرطوم. وأشارت إلى أن اعتماد قرار الإرجاء بموجب المادة 16 يكاد يكون مستحيلاً،"حتى لو طُرح مشروع قرار كهذا، فلن يحدث ذلك إلا بعد فترة طويلة، وليس على الفور". نشر في العدد: 16772 ت.م: 06-03-2009 ص: الأولى ط: الرياض