انضم الرئيس السوداني عمر البشير الذي اصدرت المحكمة الجنائية الدولية الاربعاء مذكرة توقيف في حقه، الى تظاهرة مؤيدة له أمس في الخرطوم. وهتف البشير متوجها الى عشرات الاف المتظاهرين المتجمعين في ساحة الشهداء بوسط الخرطوم «الله اكبر، لا اله الا الله»، متهما القادة الاميركيين والاوروبيين بانهم «المجرمون» الحقيقيون. وندد المتظاهرون بالولاياتالمتحدة وبريطانيا و«اليهود» وبالمدعي العام في المحكمة الجنائية الدولية لويس مورينو-اوكامبو. واصدرت المحكمة الجنائية الدولية الاربعاء مذكرة توقيف دولية في حق عمر البشير بتهمة ارتكاب جرائم حرب وجرائم في حق الانسانية في منطقة دارفور غرب السودان التي تشهد نزاعا تسبب بمقتل 300 الف شخص بحسب الأممالمتحدة، فيما تؤكد الخرطوم ان عدد القتلى جراء المعارك لا يتعدى عشرة آلاف. وردد البشير مراراً في الاشهر الاخيرة ان المحكمة الجنائية الدولية هي نتيجة «مؤامرة صهيونية مئة بالمئة» تهدف الى زعزعة استقرار السودان. وتظاهر آلاف اشخاص أمس في وسط الخرطوم دعما للرئيس السوداني عمر البشير غداة اتخاذ المحكمة الجنائية الدولية قرارا باصدار مذكرة توقيف دولية في حقه. وبلغ عدد المتظاهرين خمسة الاف قرابة الساعة 11,00 (8,00 تغ) في ساحة الشهداء في وسط الخرطوم وكانوا يرددون شعارات مؤيدة للبشير لليوم الثاني على التوالي. وأعلن البشير أمس طرد عشر وكالات إغاثة أجنبية من البلاد في أول رد علني له منذ ان أصدرت المحكمة الجنائية الدولية أمر اعتقال بحقه عن تهم بارتكاب جرائم حرب. وأمر الاعتقال الذي صدر الاربعاء بشأن الأعمال التي ارتكبت في اقليم دارفور بغرب السودان هو الاول الذي تصدره المحكمة التي يقع مقرها في لاهاي بحق رئيس دولة اثناء توليه منصبه منذ انشائها في عام 2002 . واتسم رد البشير بالتحدي واتهم وكالات الاغاثة بخرق القانون وقال ان حكومته ستتعامل مع اي تحرك للاضرار باستقرار السودان. وقال البشير خلال جلسة حضرها كبار الساسة وأعضاء مجلس الوزراء ان حكومته «حكومة مسؤولة» وتعهد باتخاذ إجراء حاسم مع كل من يهدد استقرار بلاده. وقال البشير «طردنا عشر منظمات أجنبية بعد رصدنا نشاطات لها تتنافى مع كل اللوائح والقوانين والمواثيق». وفي وقت لاحق ألقى البشير خطابا أمام الوف من انصاره يحتجون على قرار المحكمة الجنائية الدولية. وحمل المحتجون لافتات تدين قرار المحكمة وقال البشير وهو يلوح بعصاه ان المحكمة أداة في ايدي مستعمرين يسعون وراء نفط السودان. وأضاف «احنا رفضنا الركوع للاستعمار علشان كده كان استهداف السودان لاننا لا نركع الا لله سبحانه وتعالى.» وأخذ المتظاهرون يرددون «جاهزين جاهزين لحماية الدين» و«لتسقط أمريكا». وتفاوتت ردود الفعل على قرار المحكمة. فقد رحبت الولاياتالمتحدة بالقرار لكن الصين حثت مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة أمس على الاستجابة لدعوات من دول عربية وافريقية لتعطيل اجراءات مقاضاة البشير. وقالت هيئة المحكمة المؤلفة من ثلاثة قضاة انها لم تجد أسانيد كافية لتضمين قرار الاتهام بحق الرئيس السوداني تهمة الابادة الجماعية لكنها وجهت الى البشير سبعة اتهامات بارتكاب جرائم حرب وجرائم بحق الانسانية تشمل القتل والاغتصاب والتعذيب. وشددت السفارات اجراءات الأمن من قبل صدور قرار المحكمة الجنائية الدولية خوفا من تعرضها لهجمات وان وعدت السلطات السودانية بحماية المقار الدبلوماسية. واتهم مسؤولون في الحكومة السودانية الولاياتالمتحدة وبريطانيا وفرنسا مرارا بتأييد المحكمة الجنائية. وطلبت السفارة الامريكية من مواطنيها «الاحتماء في مكان آمن» كما طلبت السفارة البريطانية من رعاياها التواري عن الانظار «وتخزين طعام ومياه بما يكفي بضعة ايام». وقال دبلوماسي غربي مع بدء تجمع المتظاهرين «السؤال الحقيقي هو الى اين ستتجه الحشود بعد ذلك». وقال مسؤول في الأممالمتحدة معلقا على قرار طرد وكالات الاغاثة «هذا خطير جدا. سيكون له تأثير شديد على العمل الانساني في دارفور». وصرح مطرف صديق وكيل وزارة الخارجية السودانية لرويترز بأن السودان تلقى الدعوة لحضور قمة عربية في قطر في وقت لاحق من هذا الشهر وقبلها. واضاف ان البشير سيحضر كل القمم العربية وكل القمم الافريقية على الرغم من قرار المحكمة. وتشير الصين والاتحاد الإفريقي وجامعة الدول العربية إلى أن توجيه الاتهام قد يزعزع استقرار المنطقة ويزيد تفاقم الصراع في دارفور ويهدد اتفاق السلام بين شمال السودان وجنوبه. وأعلن المسؤول عن شؤون الإغاثة في الخرطوم أمس ان الحكومة يمكن أن تطلب من عدد أكبر من المنظمات غير الحكومية مغادرة السودان، متهماً نحو عشر منظمات طلب منها الرحيل بالتعامل مع المحكمة الجنائية الدولية. وقال حسبو محمد عبدالرحمن مفوض العون الإنساني إن «العملية مستمرة وهناك منظمات تحت النظر وهناك تحقيق يجري حول عدد من المنظمات وإذا وجدنا أدلة ضدها سنطردها». وطلب السودان الأربعاء من عشر منظمات دولية تعمل في دارفور المغادرة وأغلق مكاتب منظمتين محليتين هما مركز الخرطوم لحقوق الإنسان، وجمعية أمل لحماية ضحايا التعذيب. وقالت منظمة أطباء بلا حدود، الفرع الفرنسي، انها تلقت أمراً بالمغادرة صباح أمس. وقال مصدر في الأممالمتحدة ان منظمتين أخريين تلقتا على ما يبدو إبلاغاً بالمغادرة. وقال المسؤول السوداني انه تم طرد المنظمات غير الحكومية لأنها كانت «تتعامل مع المحكمة الجنائية الدولية من خلال إرسال تقارير ملفقة حول الإبادة الجماعية وكانت لديهم اتفاقيات تعاون مع المحكمة، وسهلوا سفر بعض الشهود لخارج السودان». من جانبه، حث الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون الخرطوم الاربعاء على حماية المدنيين والعودة عن قرار طرد منظمات غير حكومية بعد اصدار المحكمة الجنائية الدولية مذكرة توقيف في حق الرئيس السوداني عمر البشير، على ما افادت الناطقة باسمه. ولكن بان لم يطلب علناً من البشير التعاون مع المحكمة الجنائية الدولية. وقالت الناطقة ميشال مونتاس في بيان ان بان يعترف بسلطة المحكمة الجنائية الدولية «كمؤسسة قضائية مستقلة». وبعد ان اكد البيان ان الأممالمتحدة تنوي مواصلة نشاطاتها خصوصا الانسانية في السودان، دعا الخرطوم الى مواصلة التعاون معها «مع الوفاء بالتزماتها تأمين حماية وامن السكان المدنيين وطواقم الأممالمتحدة». واضاف ان الأمين العام «يأمل من الحكومة السودانية ان تبحث مسألة السلام والعدالة بطريقة تتطابق مع قرار مجلس الأمن الدولي 1593». ولكن هذا القرار الصادر في 31 اذار/مارس 2005 وكلف بموجبه مجلس الأمن مدعي عام المحكمة الجنائية الدولية التصدي للوضع في دارفور، يتضمن فقرة غامضة يمكن ان تكون موضع تفسيرات مختلفة. وجاء فيه انه يتوجب على الحكومة السودانية ان «تتعاون كليا مع المحكمة (...) مع اعترافه بان اتفاقية روما لا تفرض اية واجبات على الدول التي لم تقرها». ولم يوقع السودان على اتفاقية روما التي انشئت بموجبها المحكمة الجنائية الدولية وبالتالي هو لا يعترف بالمحكمة. وردا على سؤال لتوضيح هذه الفقرة، رفضت مونتاس ان تقول بوضوح ما اذا كان بان يرغب بان تسلم الخرطوم الرئيس البشير الى المحكمة الجنائية الدولية. وردا على سؤال حول ما اذا كان بان سيواصل اجراء اتصالات شخصية او هاتفية مع البشير، اجابت مونتاس «لا يمكنني ان اعطي اي جواب في الوقت الراهن». وحث بان ايضا الحكومة السودانية على العودة عن قرار طرد المنظمات غير الحكومية. وقالت مونتاس ان الأمين العام «قلق من الاعلان عن سحب تراخيص ست الى عشر منظمات انسانية غير حكومية وضبط بعض تجهيزاتها». واضاف البيان ان الأمين العام للأمم المتحدة «يعتبر ان ذلك يمثل ضربة قوية لعمليات الاغاثة في دارفور ويحث حكومة السودان على التحرك بشكل عاجل لمنح هذه المنظمات غير الحكومية مجددا وضعا يسمح لها بالتحرك».