تحاول إسرائيل ترويض البابا بنديكتوس السادس عشر، وستوفر زيارته فلسطين إسرائيل في أيار مايو المقبل فرصة ذهبية لاستمالته بسياسة العصا والجزرة المعروفة، فالدّجال شمعون بيريز سيرافقه خلال الزيارة، وسيكذب عليه وينافق ما بقي الى جانبه، فيما جماعات يهودية أخرى من إسرائيل الى ألمانيا والولايات المتحدة تشن حملة على البابا والكنيسة الكاثوليكية لإرهاب الطائفة كلها. الحملة بدأت عندما رفع البابا الحرمان الكنسي عن المطران ريتشارد ويليامسون الذي ينكر حجم المحرقة، ويقول إن حوالى 300 ألف قضوا فيها، لا ستة ملايين. وجاء الرد من حول العالم، خصوصاً ألمانيا وإسرائيل، فالمستشارة أنجيلا ميركل هاجمت قرار البابا، ورئاسة حاخامات إسرائيل قررت مقاطعة الاجتماع السنوي بين الأديان في الفاتيكان احتجاجاً على قرار البابا، كما قرر المجلس اليهودي الألماني مقاطعة الاحتفال الرسمي باليوم العالمي للمحرقة في البرلمان الألماني احتجاجاً على عدم ذكر رئيس البرلمان وجود اليهود هناك، مع أنهم لم يُذكروا ولم يقاطعوا من قبل. واجتمع البابا مع وفد زائر من زعماء اليهود الأميركيين وانتقد إنكار المحرقة، وقال إن محاولة النازيين إبادة اليهود الأوروبيين كانت"جريمة ضد الله". ومع ذلك فالسكرتير العام للمجلس اليهودي الألماني ستيفان كريمر وجد ذلك غير كافٍ. طبعاً الحساسية بين الكنيسة الكاثوليكية واليهود قديمة، وقد اتُّهِم البابا بيوس الثاني عشر بأنه لم يقم بعمل كافٍ لإنقاذ اليهود عندما رأس الكنيسة بين 1939 و1958. إلا أن هذا الاتهام لا أساس له، فهناك معلومات موثقة عن محاولات له لمساعدة اليهود، غير أن نفوذه كان محدوداً جداً. ومضى شهر الآن وأنا أقرأ أخباراً من نوع: الفاتيكان في أزمة، أو الفاتيكان يحاول احتواء الخسائر، والفاتيكان يذعن للضغط... ليست لي مشكلة مع المحرقة، فقد سجلت دائماً أن ستة ملايين يهودي قضوا فيها، وانتقدت كل من ينكر ذلك، خصوصاً من العرب وهم غير متهمين بارتكابها أصلاً. اليوم الصناعات كلها حول العالم في انكماش بسبب الأزمة المالية العالمية، وصناعة المحرقة وحدها هي الاستثناء الوحيد، وأنا أربط مرة اخرى بين تسونامي الأخبار عن المحرقة وحرب إسرائيل المجرمة على قطاع غزة وقتلها النساء والأطفال، ولعلّي لا أبالغ كثيراً إذا قلت إن الأخبار ذات العلاقة بالمحرقة منذ نهاية السنة الماضية تعادل الأخبار عن الحرب الهمجية التي شنتها إسرائيل على الفلسطينيين في معسكر الاعتقال النازي الذي اسمه قطاع غزة. كنت كتبت في 29/12/2008 زاوية عن تدفق أخبار المحرقة وأفلامها مع بدء الحرب الإسرائيلية على غزة، وعندما عدت الى لندن من الإجازة وجدت مجموعة أكبر من الأخبار نفسها جمعها لي أرشيف"الحياة"، وكتبت مقالاً آخر في 14 من الشهر الماضي. رفع الحرم الكنسي عن المطران ويليامسون أطلق عدداً من الأخبار في حجم ما نشر عن أفلام الهولوكوست وأخباره التي أشرت إليها. ثم جاء خبر عن اكتشاف مخبأ في مصر لطبيب نازي مطلوب هو ألبرت هايم توفي سنة 1992 ليطلق عدداً هائلاً من الأخبار الإضافية والصور. كنت أعتقد أن جوزف منغلي هو"ملاك الموت"بين الأطباء النازيين، فقد أجرى تجارب عن الوراثة على نزلاء معسكرات الاعتقال، وفرّ الى الأرجنتين، وأيضاً باراغواي، وكان أول مطلوب بعد إيخمان حتى وفاته سنة 1979. والآن يطلع ألبرت هايم لينافس منغلي، وغداً طبيب آخر. هل يريد القارئ مزيداً؟ منذ مقالي الثاني ومن دون طلب وقعت على أخبار من بينها: - كتاب يقول إن النساء النازيات كن أسوأ من الرجال، وقد عملت حوالى ثلاثة آلاف منهن في معسكرات الاعتقال. - حملة على فيلم"القارئ"لأن بعض اليهود وجد فيه محاولة لتحسين صورة النازيين، مع انه فيلم آخر عن المحرقة، وقد هوجمت بطلة الفيلم كيت ونسلت كأنها مسؤولة. - عقار ثاليدومايد الذي أدى الى ولادة أطفال مشوهين"صنعه النازيون". - فرنسا مسؤولة عن ترحيل اليهود منها الى معسكرات الاعتقال النازية. - مييب غيز التي حمت البنت اليهودية آن فرانك وحفظت مذكراتها احتفلت بعيد ميلادها المئة. القائمة لا تنتهي وأقول إن الحديث عن جريمة ارتكبت قبل 60 الى 70 سنة لا يمكن عزله عن ارتكاب إسرائيل جرائم نازية كل يوم، ومنذ قيامها المشؤوم في أراضي الفلسطينيين. وفي حين أن بعض الكتّاب والأخبار بريء، فإن الغالبية شركاء في محاولة مفضوحة لتحويل الأنظار عن النازيين الجدد في إسرائيل مهما فركوا أيديهم وأنكروا. نشر في العدد: 16769 ت.م: 03-03-2009 ص: الأخيرة ط: الرياض