كثيراً ما تسعى الفضائيات، خصوصاً الإخبارية منها، إلى مناقشة موضوع حياد الإعلام وموضوعيته ونزاهته بصورة عامة. وفي حال الفضائيات العربية، فإن هذه البرامج تذهب باتجاه الإعلام الغربي في محاولة لمساءلته، ومحاكمته حول مقاربة هذا الإعلام للقضايا العربية، وكيفية تعاطيه معها، كما فعل فيصل القاسم في برنامجه الشهير"الاتجاه المعاكس"على قناة"الجزيرة"طارحاً السؤال: هل ترى أن الإعلام الغربي يعكس أخبار العالم العربي بحياد؟ ورأت غالبية"المصوتين الإلكترونيين"ان هذا الإعلام"غير محايد"! من حيث المبدأ، قد يبدو من السذاجة طرح السؤال حول الحياد المطلق للإعلام من الناحية المهنية، أو حول نزاهته من الناحية الأخلاقية، ذلك أن كل وسيلة إعلامية، في العالم قاطبة، تقف وراءها، وتمولها دولة، أو حركة سياسية، أو شركة اقتصادية، أو شخصية ثرية متنفذة... وهذه الجهات تؤمن بجملة من المبادئ، والأفكار، وحين تؤسس صحيفة أو فضائية أو محطة إذاعية أو موقعاً الكترونياً... فإن من الطبيعي أن تسخّر هذه الوسيلة بغرض الترويح لتلك الأهداف والسياسات والقناعات. السؤال ينبغي أن يتمحور، إذاً، حول هامش الحرية الذي يتمتع به الإعلام. الإعلام الرسمي العربي، مثلاً، يقدم نفسه بصورة واضحة، جلية لا لبس فيها، فهو يدافع عن"القائد الملهم"، وعن"منجزاته الاستثنائية"، ويحاول بشتى السبل تلميع صورته، وصورة البلاد التي تعيش في"الرفاهية، والرخاء، والأمن..."، وأي محاولة، أو مبادرة إعلامية للخروج عن هذه الثوابت تواجه بالرفض. أما في الفضائيات العربية التي تصف نفسها ب"المستقلة"، فإن هامش الحرية يتوسع قليلاً، وسنسمع، هنا، نبرة انتقاديه، ولغة إعلامية جريئة، غير أن ذلك لا يعني ان هذه الفضائيات تخلصت من"عقدة الإعلام الرسمي"، ذلك أن متابعة دقيقة لخطابها الإعلامي تكشف أن ثمة أجندات خاصة بها، تفرض عليها الانتقاد بسخاء حيناً، والتجاهل، أو التحدث بخجل حيناً آخر... أما في الإعلام الغربي الذي تراه غالبية المشاهدين العرب، بحسب استطلاع"الجزيرة"،"غير محايد"، فلا يمكن إنكار أن هذا الإعلام يتمتع بهامش أوسع من الحرية، وهو يحاول أن يطبق المعايير المهنية الصحيحة، من دون تحريض أو دعاية فجة كما الحال في الإعلام العربي. وهذا يعيدنا إلى السؤال الرئيس حول حياد الإعلام المزعوم! فالسؤال في حد ذاته ينطوي على سوء فهم وعدم دراية. المشكلة هي في هامش الحرية، والأكيد أن هامش الحرية المتاح للإعلام في الغرب هو أوسع بكثير مما هو قائم في الإعلام العربي الذي يتعرض للانتقاد ويوصف ب"الغبي، ولا يفرق بين الأمن القومي والسبق الإعلامي"بحسب ما جاء، أخيراً، على لسان مستشار الرئيس السوداني مصطفى عثمان إسماعيل، لمجرد أن هذا الإعلام كشف عن حقيقة أغضبت هذا المسؤول أو ذاك. أما في الغرب، فتنطبق على الإعلام، بحق، صفة"السلطة الرابعة"من دون أن يعني ذلك الحياد التام. نشر في العدد: 16788 ت.م: 22-03-2009 ص: 38 ط: الرياض