ارتفعت الحرارة بعض الشيء في هولندا، مع افتتاح الأعمال الرسمية لپ"المحكمة الخاصة بلبنان"أمس في ضاحية مدينة لاهاي لايشندام حيث المقر الذي ما زالت أعمال الترميم والتجهيز فيه قيد الإنجاز، وخصوصاً قاعة المحاكمات. أمس وقبله بلغت الحرارة 7 أو 8 درجات فوق الصفر، بعد ان كانت خلال الأيام الماضية حوالى الصفر أو تحته. لكن على رغم ذلك فإن بقاء الصحافيين طويلاً في الشارع المقابل لمبنى المحكمة بعدما طُلب إليهم المجيء قبل ساعتين من بدء الافتتاح، شكّل معاناة قبل هؤلاء تحمّلها، فبعضهم جاء باكراً وقبل التاسعة صباحاً ليكونوا من الأوائل الذين يدخلون قاعة الاحتفال الرسمي بالافتتاح لحجز مقاعد أمامية أو لنصب كاميرات التلفزة... كثر من الصحافيين العرب واللبنانيين جاؤوا من الدول المجاورة، لا سيما فرنساوبلجيكا وبريطانيا، وانتظروا الإجراءات الأمنية في الطقس البارد للدخول. لم تستطع الناطقة الإعلامية باسم المحكمة، الفلسطينية سوزان فان وهي تبحث عن الفريق التلفزيوني الذي وعدته بإعطائه مقابلة سريعة على الهواء قبالة مدخل المحكمة، أن تتفادى التحدث الى الصحافيين المنتظرين، فأجابت كل من سألها سؤالاً وتعرّفت الى من لا تعرفه طالبة من الجميع التواصل الدائم معها. ومع بدء عمل المحكمة خضع الإعلاميون عند دخولهم لتفتيش دقيق لمعداتهم، وفي داخل قاعة الاحتفال اضطر الصحافيون للانتظار ساعتين ونيفاً. وحين دخلت الناطقة الإعلامية باسم المدعي العام دانيال بلمار راضية عاشوري القاعة، حاصرها الإعلاميون، سواء اولئك الذين كانوا طلبوا موعداً لمقابلة مع بلمار أم الذين لم يطلبوا لعلهم يلتقونه بعد المؤتمر الصحافي، لكنها ابلغت الجميع انها حصرت الأمر ب4 مؤسسات أو خمس سبق لها ان طلبت المقابلات التي تمت كلها، بعد المؤتمر الصحافي في نصف ساعة. وأجابت عاشوري على الكثير من الأسئلة التي وجهها صحافيون حديثو المعرفة بموضوع المحكمة والتحقيق الدولي فاضطرت احياناً أن تشرح لهم مسائل بدائية قياساً الى متابعة بعض الإعلاميين اللبنانيين للقضية. المناسبة كانت دولية بامتياز، قبيل الحادية عشرة بدقائق طلب الى سفراء الدول المعنية في مجلس الأمن والدول المانحة الممولة للمحكمة، الدخول للجلوس في الصفين الأماميين اللذين حجزا لهم ففعلوا بخفر، وكان بينهم المدير العام لوزارة العدل في لبنان الدكتور عمر الناطور، وهو منسق العلاقة بين السلطات اللبنانية والمحكمة، ثم دخل خطباء المناسبة تباعاً وجلسوا على المنصة. قدم الخطباء رئيس قلم المحكمة المسجّل روبن فنسنت بكلمة مؤثرة، معتبراً انه يوم للتأمل، إضافة الى انه احتفالي، معرباً عن فخره بالعمل لإقامة هذه المحكمة، وفي الوقت نفسه عن شعوره بپ"التواضع والأسى لوجودنا هنا، بفعل معاناة أناس كثر". وقال:"نحن هنا من اجل لبنان، ومن اجل ضحايا الجريمة ومن اجل الآخرين وليس من أجل أنفسنا". ثم أزيح الستار عن لوحتين ضخمتين وسم عليهما شعار"المحكمة الخاصة بلبنان"الذي وضعته الأممالمتحدة. يذكر انه حضر الاحتفال من لبنان ممثل جمعية"العمل من اجل حقوق الإنسان"اللبناني جوليان كورسان ووجه سؤالاً أثناء المؤتمر الصحافي. وعند انتهاء الاحتفال كان على الرصيف المقابل بضعة فتية يحملون العلم اللبناني ويلوحون به ويحملون صور الرئيس الراحل رفيق الحريري. كانوا أفراد عائلة واحدة من آل حلاق من صيدا، جاءت من بلجيكا بالسيارة للحضور أثناء إطلاق المحكمة. واستهل الاحتفال بكلمة فنسنت الذي أعرب عن فخره"بالعمل الذي انجزناه وبفريق عملي الذي عمل جاهداً من أجل هذا اليوم"، معتبراً أنه"فيما المحكمة موجودة لأسباب، لا ينبغي أن يغيب عن بالنا السبب الأساسي، وهو معاناة الضحايا وأسرهم. ففي النهاية نحن لسنا هنا من أجل المجتمع الدولي او الأممالمتحدة، بل من اجل لبنان". ودعا الى الجلوس دقيقة صمت تحية الى ضحايا 14 شباط فبراير 2005. ثم تحدثت مساعدة الأمين العام للأمم المتحدة للشؤون القانونية باتريشيا أوبراين في كلمة باسم الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون. وقالت:"إنشاء هذه المحكمة الخاصة حدث اساسي في هدف المجتمع الدولي وضع حد للإفلات من العقاب في لبنان بعد الجرائم المريعة التي أدت الى مقتل رئيس الوزراء السابق رفيق الحريري وآخرين"، مشيرة الى أن مكتبها وسلفها نيكولا ميشيل وبالتشاور مع حكومة لبنان"عملوا جاهدين خلال السنتين الماضيتين لإنشاء محكمة ذات طابع دولي تستند الى اعلى المعايير الدولية للعدالة الجنائية وفقاً للقرار 1757". وأكدت أوبراين أن"هناك عناصر قانون مدني أساسية الى جانب القانون العام"، وعناصر القانون المدني تنطوي على مبدأ الإجراءات القانونية اللبنانية مع تعزيز سلطات المحكمة للقيام بجلسات استماع سريعة"، لافتة الى أن"هناك امكاناً للحكم غيابياً. كما تم احراز تقدم في ممارسات الأممالمتحدة، المحكمة تعطي مؤسسة لمكتب الدفاع، وهذا يعطي اهمية ضمان المساواة في الوسائل، بحيث أن مكتب المحكمة هو هيئة تابعة للمحكمة ويتلقى اجوره من موازنة المحكمة. وللقيام بوظائفه فإن المكتب يبقى مستقلاً. وانطلاقاً من صلاحيات المحكمة ستكون هناك هيمنة للقانون اللبناني، فإن معايير القانون الدولي ستطبق على المتهمين جميعاً بغض النظر عن جنسياتهم. إن الهدف الرئيس للمحكة ان تتم مقاضاة المسؤولين عن الاعتداءات"، مؤكدة أن"المجتمع الدولي يعتبر أن العدالة اساسية للسلام الدائم". ولفتت الى أن"هناك ضمانات لضمان حياد هذه المؤسسة، وهي واردة في النظام الداخلي، الذي يوفر عملية شفافة من أجل تعيين القضاة والمدعي العام وحماية حقوق المتهمين، اضافة الى ان غرف المحكمة مؤلفة من قضاة لبنانيين ودوليين، وهناك نائب مدعي عام لبناني يدير المساهمات". وأوضحت أن لجنة الإدارة المؤلفة من المانحين الأساسيين والدول"توفر الموازنة وتنظر في الجوانب الإدارية ولن تكون لديها أي صلاحيات قضائية"، واعتبرت أن"مقر المحكمة في هولندا يأخذ في الاعتبار العدالة والسلام والفاعلية والأمن"، مشيرة الى أن"مكتب ارتباط للمحكمة على وشك النشوء في لبنان". وقالت:"ان عنصراً اساسياً لنجاح المحكمة لا يكمن في احقاق العدالة فحسب، بل العدالة يجب ان تكون مرئية"، معلنة أن"الشعب اللبناني سيبقى مطلعاً عند اللزوم وسيحظى بمعلومات دقيقة وسيرى ان المحكمة مستقلة وحيادية"، وأن"انشاءها يشكل رسالة قوية بأن اللاعقاب لا يمكن أن يستمر"، مؤكدة أن"الأممالمتحدة ستستمر في سعيها من أجل ضمان تمكن المحكمة من الاضطلاع بصلاحياتها بالطرق الفاعلة، فتعاون الدول الأعضاء سيبقى جوهرياً في هذا المجال، كما أن المحكمة ستبذل جهدها لتقاضي المسؤولين عن الجرائم وتحاكمهم وفقاً لمعايير العدالة والقانون". ثم تحدث سفير لبنان في هولندا زيدان الصغير، فأكد أن"المحكمة استندت الى أعلى معايير العدالة الدولية وأخذت في الاعتبار أعلى المعايير القانونية والجنائية في العدالة الدولية، وهو إثبات على أن العدالة ستأخذ مجراها بموضوعية ومن دون تسييس"، معتبراً أنه"إذا استطاعت المحكمة أن تعيد للشعب اللبناني شعوره بالأمان، وإذا شعر المجرم أو المجرمون بأن سياسة الإفلات من العقاب قد انتهت وأنهم لا بد أن ينالوا جزاءهم العادل، تكون المحكمة أدت خدمة تاريخية للبنان، وأعادت للبنانيين الاطمئنان والأمان بأن بلدهم قد عاد بلداً يسود فيه حكم القانون". وقال:"لعل أكثر ما يشعر الجميع على الاطمئنان، تأكيدهم احترام مبادئ العدالة الجنائية الدولية فلا إدانة من دون إثبات مقنع وبعيد من أي شك، وإن المتهم بريء حتى ثبوت إدانته، واحترام حقوق الجميع وبخاصة حقوق الدفاع وحقوق المجني عليهم"، مؤكداً أن الحكومة اللبنانية"على أتم الاستعداد للاستمرار في التعاون وفي شكل كامل مع المحكمة الخاصة بلبنان في سبيل تحقيق العدالة". وشكر الصغير المدعي العام ورئيسي لجنة التحقيق الدولية اللذين سبقاه ديتليف ميليس وسيرج براميرتز، مذكراً بأن"مجلس الأمن وكذلك الحكومة اللبنانية أشادا بالمهنية العالية والموضوعية المطلقة التي اتسمت بها أعمال هذه اللجنة والتقدم الذي أحرزته الى أن وصلنا مرحلة اعلان بدء عمل المحكمة"، كما شكر الأمين العام للأمم المتحدة"الذي أصرّ على ارسال أقوى الإشارات الى عزم المجتمع الدولي المضي قدماً في إحقاق العدالة ووضع هذه القضية على المسار الصحيح". وتحدث سفير هولندا لدى المنظمات الدولية روب زاغمان عن فخر بلاده"بأن المجتمع الدولي عهد اليها استضافة 32 منظمة من المنظمات الدولية، التي تعد اكثرهم وضوحاً لتعيين المحاكم الدولية ذات الهيبة والمقام الرفيع"، لافتاً الى أن استضافة بلاده المحكمة الخاصة بلبنان"لا يجعل هولندا طرفاً في مجرى الأمور القانونية الخاصة بالمحكمة. ان مشاركتنا تقتصر فقط على الدور الذي تلعبه الدولة المستضيفة، ومن هذا المنطلق يجب على هولندا أن تعمل على تسهيل الأداء الفعال لمحكمة لبنان الجنائية في الدولة المضيفة، ويجب أن تبذل قصارى جهدها لتقديم التسهيلات للمحكمة، مثل الإسكان والأمن والمزايا والحماية اللازمة للعاملين فيها، وإلى جانب ذلك تقدم هولندا التسهيلات اللازمة لجلب المتهمين والشهود. وكما هي الحال لدى المحاكم الدولية الأخرى في هولندا تم عقد اتفاقات واضحة لقضاء المدانين لعقوبتهم في خارج هولندا. وأيضاً لإسكان الأشخاص الذي تصدر احكام ببراءتهم والشهود المهددين في مكان آخر. وتكون حصة مساهمة هولندا الطوعية في محكمة لبنان من توفير المبنى الذي توجد فيه الآن والحماية الخارجية". وقال المدعي العام دانيال بلمار:"نشهد اليوم لحظة تاريخية ليس للشعب اللبناني فحسب بل ايضاً بالنسبة الى المجتمع الدولي". وأوضح بلمار أن"المحكمة الخاصة بلبنان هي أول محكمة دولية تنشأ لمكافحة الإرهاب"، مشيراً الى أنها"نشأت بموجب قرار سياسي، إلا ان أداءها عملها ينبغي ان يسمو فوق السياسة، ويظل كذلك محكوماً بنهج حيادي يستند الى مبادئ حكم القانون. إن المحكمة الخاصة بلبنان هي محكمة مختلطة أنيط بها النظر في قضية حددها القانون اللبناني وفقاً لمعايير العدالة الدولية ووفقاً لقواعد الإجراءات وقواعد الإثبات المنبثقة من القانون المدني والقانون العام على حد سواء. ان التحقيق وما سيتمخض عنه من ادعاء لم ولن يتأثرا بالسياسة لأنهما محكومان بالمبادئ القانونية"، مؤكداً أن المحكمة"لا تسعى الى الانتقام بل الى تحقيق العدالة". وقال:"إن ثقة الشعب في ان العدالة سيتم تحقيقها على نحو لا يعرف الخوف ويتسم بالموضوعية والنزاهة ستجعله على استعداد لقبول نتيجة هذه العملية أياً كانت"، مؤكداً:"انا مستقل وأسير على هدي الأدلة والقوانين السارية وضميري لا بهدي أي شيء غير ذلك. أن صدقية هذه العملية ينبغي ان تكون فوق أي شكوك أو شبهات. وفي ذلك ينبغي على الناس ان يصدقوا أن ليس هناك قوة خارجية ستؤثر على المحصلة النهائية. ونحن ملتزمون العمل وفقاً لهذه المعايير التي يجب على الناس الوثوق بها". وأعلن بلمار أن ليس في وسعه ان يجيب"عن بعض الأسئلة الرئيسة التي تجول في خاطر كل الناس مثل: متى ستصدر لائحة الاتهام؟ وكم يستغرق إكمال المحكمة لعملها؟ وكما أسلفت القول فإنه بينما في وسعي إملاء وتيرة التحقيق فإنه ومن المؤسف لا أستطيع إملاء وتيرة النتائج"، وزاد:"لن أصدر لائحة اتهام تحت وطأة الاضطرار". وقال:"إن ممارسة الاجتهاد الادعائي هو مسؤولية في غاية الخطورة. إذ انه قد يفضي الى آثار تؤدي الى تغيير حياة أفراد. كما انه قد تترتب عليه آثار أكبر على المجتمعات"، مضيفاً:"سأصدر لائحة الاتهام عندما تتكون لدي قناعة بأنني أملك ما يكفي من الأدلة لاستيفاء الحد الأدنى اللازم للادعاء". وتابع:"غداً، الثاني من آذار سنعود الى العمل. وبصفتي مدعياً عاماً سأواصل التحقيق. وبصفتي مدعياً سأقود التحقيق الآن بمساعدة من السلطات القضائية اللبنانية. وسأحرص على استمرارية التحقيق وفقاً لمعايير العدالة الدولية ووفقاً لقواعد إجراءات المحكمة الخاصة بلبنان والإثبات التي سيتم اعتمادهما قريباً". وخاطب الحاضرين قائلاً:"تغير المكان إلا ان المهمة تظل على ما كانت عليه، سنظل في حاجة إلى عون الدول الأعضاء في الأممالمتحدة. كما سنظل ننشد عون السلطات اللبنانية. ويسرني في هذا الصدد أنني قد تلقيت خلال جولتي الوداعية من هذه السلطات تطمينات شخصية وعلنية باستمرار التزامها ودعمها". نشر في العدد: 16768 ت.م: 02-03-2009 ص: 12 ط: الرياض