حرصت الناطقة الرسمية باسم المدعي العام للمحكمة الخاصة بلبنان راضية عاشوري خلال لقاء مع الاعلاميين في بيروت على «تبديد» كل ما ينسج في الاعلام وعلى ألسنة سياسيين وغيرهم عن مسار التحقيق في جريمة اغتيال الرئيس السابق للحكومة اللبنانية رفيق الحريري ورفاقه وجرائم الاغتيال ذات الصلة. فلا ما ذكر في تقرير مجلة «ديرشبيغل» الالمانية صادر عن اي مصدر في التحقيق، «ولا يمكن تسريب اي معلومة عن التحقيق لأن المجرمين لا يزالون طليقين وقد يستفيدون منها»، ولا القرار الظني في الجريمة سيصدر قريباً «ولا التحقيق نفسه يبنى ولو في أي جزء منه على شهادة محمد زهير الصديق»، ولا اطلاق الضباط الاربعة «يعني ان التحقيق عاد الى نقطة الصفر، بل ان منذ تقديم التقرير الحادي عشر الاخير حصل تقدم في التحقيق»، ولا ان التحقيق يتعرض الى اي ضغوط سياسية «وإلا رأيتم القاضي دانيال بلمار اول من يقدم استقالته احتجاجاً، لأنه كما كان قال امام مجلس الامن «لم آت من تقاعدي لأفشل». هي مجموعة اجوبة ادلت بها عاشوري رداً على هواجس «الرأي العام اللبناني وعائلات الضحايا وجميع الذين لا يستطيعون الشعور بالأمان طالما ان المجرمين لا يزالون احراراً وقد يكررون فعلتهم»، وهي برأيها هواجس محقة، فالشكاوى من ان التحقيق في الجريمة طال، وصلت اصداؤها الى لاهاي، والمخاوف من ان التحقيق قد يتعرض الى ضغوط سياسية في ضوء المتغيرات الاقليمية وصلت ايضاً الى مسامع فريق عمل المدعي العام. واللقاء الذي عقد بمبادرة من عاشوري ونقابة المحررين اللبنانيين «من دون تدخل اي طرف آخر» كما أوضح ممثل النقابة انطوان شدياق، كان ل «محو الغموض» كما قالت عاشوري ول «ايضاح عملنا، فنحن نسعى الى كسب ثقة الرأي العام من خلال تزويده بما هو بحاجة الى معرفته لفهم كل ما يتعلق بعملنا سواء المفاهيم القانونية والمبادئ المتبعة في عملنا او الاجراءات والمقاربات التي نتبعها». سرية التحقيق عاشوري التي تكلمت امس، عن عمل مكتب المدعي العام وليس عن «عمل سائر اجهزة المحكمة»، تجنبت الحديث عن كل ما يتعلق بمجريات التحقيق «تحت اي ظرف من الظروف» والذي شددت اكثر من مرة على سريته. وعلى خلفية ملصق كبير رفع في قاعة النقابة يحدد مهمة مكتب المدعي العام بأنه ل «احالة الارهابيين الى العدالة وتحقيق العدالة للضحايا والمساعدة على انهاء ظاهرة الافلات من العقاب في لبنان»، وفي حضور رئيس فريق المدعي العام في بيروت الايطالي فاليرو اكيلو، ذكّرت عاشوري ب «أننا لا نعمل في فراغ، القضية لبنانية واغتيال الحريري عمل ارتكبه كما قال بلمار ارهابيون محنكون، والضحايا لبنانيون والمحكمة مختلطة بمعنى ان فيها مسؤولين دوليين والقانون الذي ستطبقه المحكمة هو اساساً القانون اللبناني ونحن لا يمكن ان نعمل من دون تواصل مباشر مع الرأي العام اللبناني، والاهداف التي تقرأونها في الملصق نعمل بعزم من اجل تحقيقها استناداً الى اسمى معايير العدالة ولا سيما مبادئ الاستقلالية والموضوعية والانصاف». وحاولت عاشوري «التوفيق بين السرية والشفافية» في كلامها، وقالت ان بلمار صرح مراراً بأنه «سيمضي حيثما تقوده الادلة وسيبذل كل جهد لتحقيق غايته»، وقالت ان معنى ذلك عملياً ان بلمار سيعمل «من دون اي افكار مسبقة وعملنا مبني على مبدأ مقدس وهو قرينة البراءة، والاهم ان عملنا لن يكون عرضة لتأثير الاعتبارات السياسية او اي اعتبارات اخرى بل هو عمل قانوني محض وسيبقى كذلك». المحاكم الاخرى كان لديها مشبوهون واذ اشارت الى قول بلمار ان التحقيق معقد وان احراز الحد الادنى من التقدم يقتضي بذل الحد الاقصى من الجهد»، قالت: «معنى ذلك ان المطلوب منا لا يمكن انجازه بالطريقة المتبعة في المسلسلات التلفزيونية او حتى في سائر المحاكم الدولية، فمهمتنا ايجاد الادلة لتحديد هوية المشتبه بهم وادانتهم والعكس ليس صحيحاً كما كانت الحال في محكمتي رواندا ويوغوسلافيا السابقة حيث غالباً ما تركز العمل على توقيف المشتبه بهم المحددة هويتهم والذين يوجد ضدهم الكثير من الادلة». وفي هذا السياق، أوضحت عاشوري ان بلمار سبق وشدد على ان التحقيق بأكمله سيستند الى الادلة، ومعنى ذلك كما قالت: «انه لن يصدر اي قرار اتهام ما لم يحصل المدعي العام على ادلة مقبولة وموثوقة وشرعية وكافية لادانة شخص ما، لا نؤمن بالعدالة المتسرعة، قد يتكهن الكثيرون عن هوية المذنب لكن المدعي العام لا يمكنه التكهن، لذا سيأخذ التحقيق مجراه، لا يمكن ان ينتج تحديد المذنب من تكهن بل يجب اثباته من دون ادنى شك، بهذه الطريقة يمكننا ان نضمن الا يدفع اي انسان بريء الثمن لجرائم ارتكبها آخرون». الأدلة القاطعة وأكدت عاشوري ان بلمار بإمكانه «التحكم بسرعة وتيرة التحقيق لكن ليس بنتائجه»، وأوضحت معنى ذلك ان «النتائج واصدار قرارات الاتهام متوقفة على جمع الادلة القاطعة، واننا نبذل جهوداً كبيرة من اجل العثور على الادلة المطلوبة في شكل علمي وقانوني، ولا يمكن اطلاق الاتهامات جزافاً. هناك محكمة». وقالت ان بلمار قال انه سيمضي حيث ستقوده الادلة ولن يبقى حجر الا ويقلبه ومن دون افكار مسبقة ونحن مفتوحو الذهن على اي سيناريو يمكن ان يفتح في التحقيق تأسيساً على المعطيات المادية الملموسة التي يتوصل اليها التحقيق». وجددت تأكيدها على سرية التحقيق وحرص بلمار على هذا الامر «وهذا لا يعني الصحافة فقط وانما على النطاق الداخلي للمحكمة نفسها ونحن لا نعطي المعلومات للأجهزة الاخرى لأن التحقيق لا يزال سرياً، والسيد بلمار سيطلع قاضي الاجراءات التمهيدية على من ينوي اتهامه عندما يقدم له مضبطة الاتهام ليس قبل ولا بعد وهذا ينسحب على كل الموجودين في المحكمة، المسجل والمقرر ومكتب الدفاع والى ذلك وينسحب ايضاً على كل من نتعاطى معه من شركاء، مخابر، مسؤولين سياسيين مهما كانوا، الكلام الذي يقوله في تقاريره الى مجلس الامن هو الذي يكرره على مسؤولي الاممالمتحدة من بان كي مون الى الديبلوماسيين. فالسرية ليست مسألة خيار، المجرمون لا يزالون طليقين والمعلومة التي نقولها اول من يستفيد منها هو الجاني لتعطيل التحقيق والافلات من العقاب وربما المساس ايضاً بسلامة اشخاص آخرين». ودعت كل من لديه افادة تتعلق بالجريمة الى الادلاء بها اما مكتب المدعي العام «فالباب مفتوح امام الجميع»، لافتة الى ان بلمار «سمع عن كثر قالوا ان لديهم معلومات عن التحقيق وعندما تم الاتصال بهم يبدأون بالحديث عن احساسهم وقناعاتهم الشخصية اما حين يسألون عن اي دليل ملموس يبنون عليه هذا الاحساس او القناعة للمضي في الاتجاه الذي تم التحدث عنه يأتي الجواب بالنفي، اذاً القضية ليست قناعات شخصية انما ادلة دامغة وملموسة، الكل لديه نظريته لكن كمحكمة ومدع عام لا بد من العمل على هذا الاساس». بلمار الموجود في كندا في اجازة يخضع خلالها الى فحوص طبية عامة، بناء لنصيحة الاطباء كما قالت عاشوري ل «الحياة» لأنهم يعتقدون ان شخصاً في سنه وفي ضوء المهمة الملقاة على عاتقه يفترض ان يستعد صحياً لمواصلتها، كان اتصل فجراً بعاشوري وحملها رسالة الى الاعلام في لبنان مفادها انه سيستمر «بالالتزام بالوقائع الموضوعية فقط التي يمكن ان يقدمها للجمهور المعني بقضية الرئيس الحريري وهو لا ينوي اجراء تحقيق مفتوح وغير حاسم وعملنا بزخم منذ بدأنا في الاول من آذار (مارس) وهو ينوي تكثيف هذا الزخم». «ديرشبيغل» وعرضت عاشوري بايجاز للتطورات التي حصلت منذ الاول من آذار(مارس) منها خطوات ادارية ومالية لجهة زيادة الموارد المخصصة لمكتب المدعي العام «علماً انه لم يتم طلب اموال اضافية على الموازنة وهي لا تزال نفسها انما حصلت اعادة توزيع لها لأن الزملاء في المحكمة يعطون الاولوية للتحقيق»، واشارت الى «ان الدول المانحة لا تزال مستمرة في التزامها لتقديم الدعم المالي للمحكمة وخصوصاً لمكتب المدعي العام وهذه مسألة مهمة جداً لنا»، وقالت ان حالياً يجري توظيف المزيد من القانونيين والمحامين لتعزيز عمله الذي يبلغ ذروته حالياً، لافتة الى انضمام قريب لنائب المدعي العام اللبناني القاضية جويس ثابت الى مكتب المدعي العام «وسيعطينا وجودها معنا دفعة اخرى من التقدم بعملنا». ودعت الاعلام الى الاخذ بما يصدر عن مكتب المدعي العام، معتبرة ان ما جاء في مجلة «ديرشبيغل» كلام صحف، «والموضوع عندنا غير قابل للنقاش بالنسبة الى سرية التحقيق»، مشيرة الى ان «الاتصال الوحيد مع المجلة المذكورة كان رسالة في البريد الالكتروني وصلتها من سكرتيرة كاتب المقال تضمنت سؤالين وكان ردي عليها اننا لا نعلق على الشق العملاني من التحقيق وانتهى الموضوع هنا، ثم كتبوا مقالهم، هم احرار انا لا استطيع ان امنع احداً من الكتابة، وغير ذلك لا علم لي بأي مسألة اخرى». الضباط الاربعة ولفتت الى «ان ليس صحيحاً ان ليس في جعبة التحقيق غير الضباط الاربعة، قد يكون هناك سوء فهم، قد يكونون الوحيدين المرئيين، لكننا عمرنا ما تحدثنا عما عندنا ولا عن اتجاه التحقيق، فمجاله اوسع كثيراً مما كان مقتصراً على الضباط الاربعة وكان دائماً كذلك ولن اتحدث عن اي تفصيل آخر». وعن الوضع القانوني للضباط الاربعة، ذكرت بما قاله بلمار بخصوصهم: اننا لم نوجه ضدهم مذكرة اتهامية. ولا يمكنه التأسيس على المعطيات الموجودة عنده آنذاك لادانتهم ولا اعتبارهم مشتبهاً فيهم او غيره وبالتالي لا يعترض على اطلاق سراحهم. واذ تطورت المسائل في وقت ما. عندها لكل حادث حديث. وحسمت المسألة على مستوى اجرائي. ولم تجلس محكمة ولم تحصل مرافعة. وأكدت أن مكتب المدعي العام لم يطلع لا (انطونيو) كاسيزي (رئيس المحكمة) ولا القاضي رالف رياشي (نائب رئيس المحكمة) ولا الدفاع على اي معلومة تتعلق بالتحقيق. زهير الصديق لا يعنينا وعن زهير الصديق قالت: «بالنسبة الى مكتب المدعي العام لم يعد لديه اي اهتمام به ولسنا معنيين به، والمكتب لا يعتبر ان لديه دليلاً ذا صدقية ليقدمه لنا، كما ان المكتب ليس في حوزته دليل كاف للاتجاه الى توجيه اتهام يدخل تحت اختصاص المحكمة». وحين سئلت كيف ان المحكمة ليست مخولة محاكمة الصديق على تضليله التحقيق، وكيف يمكن للمحكمة ان تحمي نفسها من شهادات كهذه في المستقبل، قالت عاشوري: « حالة الصديق تحديداً هي نقطة مختلف عليها، قال ما قاله وأدلى بشهادة لكن في نهاية المطاف وعندما تمعنا بالشهادة عن كثب، وجدنا ان لا صدقية لها، ونحن كمحكمة وبالكلام مع المستشارين القانونيين الذين عندنا، قد يكون ما فعله الصديق مسألة يحاسب عليها قانوناً ولكن بالنسبة الى نظامنا لا يمكن ان ننظر في نوعية حالة مثل حالة الصديق، نحن في الاختصاصات الواردة في الفصل الأول من النظام الأساسي لا يوجد فيها ما يسمح لنا بالتعاطي مع حالات مثل حالة الصديق ولكن لاحظوا ان الصديق جاء في فترة لجنة التحقيق وليس في فترة المحكمة ولو جاءني شاهد زور امام المحكمة وثبت ان شهادته زور وقتها تستطيع المحكمة التعاطي معها». وأكدت ان حتى الآن لم يتعرض التحقيق الى اي ضغط او تدخل من اي جهة، «فنحن لم نعط احداً اي معلومة عن التحقيق حتى يتم املاء اي شيء علينا». حماية الشهود وشددت على ان مسألة حماية الشهود «قيد السرية المطلقة»، وقالت: «السيد بلمار لم يطلع احداً اياً كان على من يعتبرهم شهوداً يستحقون او لا يستحقون الحماية لأن ذلك له علاقة بسرية التحقيق ولم نعط هذه المعلومة لأي كان في المحكمة. السيد بلمار لم يتحدث مع احد بعدد او بأسماء او صفات شهود قد يعتمدهم لاحقاً». ورفضت التحدث عن اي اطار زمني للمحكمة، وأكدت ان «المحاكمات تبدأ عندما يقدم بلمار القرار الظني لقاضي الاجراءات التمهيدية. عندها يبدأ مسار المحاكمات». وعن التمويل قالت: «نحن الى يومنا هذا ليس لدينا أي مؤشرات ان الذين يمولون المحكمة، ومن ضمنهم الحكومة اللبنانية، قد يسحبون هذا التمويل. وحتى لو فرضنا حصول شح في التمويل ارجو ان تراجعوا القرار 1757 الذي يقول ان لو حصل ان الامين العام لاحظ ان هناك صعوبات مالية يمكنه العودة الى مجلس الامن من اجل تقديم مقترحات اخرى لتأمين الاموال في شكل مختلف».