سنة بعد سنة، يُثبّت"مهرجان البستان الدولي"السنوي"أهميته"في الخريطة الفنية في لبنان والعالم، باستضافته موسيقيين ومغني أوبرا وفرق رقص معاصر. وما يُميّز المهرجان اقتحامه الموسم الشتوي اللبناني منفرداً في وقت تستعد فيه المهرجانات الأخرى لموسم الصيف، فضلاً عن أن معدل أعمار جمهور"البستان"يتخطى 35 سنة، اذ نادراً ما نلحظ فئة المراهقين تتابع عروضه. الأمسية التي احتضنها فندق البستان في بيت مري شرق بيروت أول من أمس، استضافت عازف البيانو الروسي بوريس بيريزوفسكي المولود في موسكو عام 1969. والهروب من ازدحام العاصمة والهواء العليل والفندق الفخم، منحوا الأمسية رومانسية زائدة. في أروقة الفندق، ستينية تحتضن زوجها السبعيني، وستيني يعانق زوجته الخمسينية. أزياء راقية وتسريحات شعر وأحاديث منمقة، الفرنسية والإنكليزية تحضران بقوة ، أما العربية فتستريح خارج الفندق. الثامنة والنصف تماماً، تمركز بيريزوفسكي على كرسيه، وغاص في متاهات البيانو. عزف مقطوعات من الحقبة الرومنطيقية، حضت الجمهور على الحلم والانغماس في الموسيقى. يستمع الحضور الى أنغام البيانو بنهم، سيدة توشوش ابنتها وتقول:"كنت ووالدك نسمعك الموسيقى الكلاسيكية حين كنت حاملاً بك، وبعد أن ولدتك كنت لا تغفين الا على أنغام الموسيقى". من يراقب الحضور وهم يستمعون الى بيريزوفسكي، يلاحظ أنهم يستعيدون ذكريات أو يحلمون بمستقبل أفضل، منهم من يبتسم، وثمة من تدمع عيناه لتذكره حبيبة رحلت أو أباً أو أماً، فارقا الحياة. درس بيريزوفسكي في معهد موسكو الموسيقي مع عازفة البيانو الجورجية إيليزو فيرسالادزيه، وفي شكل منفرد مع عازف البيانو الروسي أليكسندر ساتز. بعد انطلاقته الفنيّة في لندن من قاعة"ويغمور هول"عام 1988، وصفته صحيفة" تايمز"البريطانية بأنّه"فنان مستقبله واعد لا سيما أنه عازف فائق البراعة والقوّة". وسرعان ما تحقق ذلك بعد فوزه بالميدالية الذهبية في مُسابقة تشايكوفسكي الدوليّة عام 1990 في موسكو. يتأثر بيريزوفسكي بما يعزف، يغمض عينيه، ويصب انفعالاته على لوحة المفاتيح في البيانو، فتخرج حنونة تارة، وطوراً غاضبة ملتهبة. يعمل بيريزوفسكي عازفاً منفرداً في العديد من الفرق الموسيقية كفرقة"كونسيرتجيبوي"وأوركسترا"نيويورك الفيلهارمونية"وأوركسترا"فيلاديلفيا"وأوركسترا"موني"وأوركسترا"روتردام"الفيلهارمونية وأوركسترا"الراديو الوطني الدنماركية السمفونية"وأوركسترا اليابان الجديدة الفيلهارمونية، إلى جانب قادة فرق موسيقية مثل كورت ميسور وولفغانغ سواليش وفلاديمير أشكينازي وميخائيل بليتنيف وأنطونيو بابانو. لاقت تسجيلات العازف الروسي لحفلات بيتهوفن الموسيقية الكاملة التي أدّاها مع الأوركسترا السويدية بقيادة توماس داوسغارد، ترحيباً كبيراً ورواجاً واسعاً. كما سجّل عدداً كبيراً من مقطوعات تيلديك الموسيقية، فضلاً عن تسجيله أعمالاً فردية لكل من شوبين وشومان وراخمانينوف وموسورغسكي وبلاكيريف وميدتنير ورافييل. في آذار مارس 2006، حاز جائزة"بريس دير دوتشين شالبلاتيكريتيك"وجائزة" بي.بي. سي ميوزيك ماغازين"، وفي أيار مايو 2005، قدّم أوّل حفلة موسيقية فردية له في مسرح الشانزيليزيه في باريس كما أحيا حفلات في المكان ذاته في كانون الثاني يناير 2006 بالاشتراك مع أوركسترا فرنسا الوطنية. وكانت له شراكة مُميّزة مع عازف الكمان فاديم ريبين، وعمل مع مجموعة من الموسيقيين مثل جوليان راشلين ومايكل كولينز ورالف كيرشبوم وبوريس بيرغامينشيكوف فضلاً عن دميتري مختين وألكسندر كنيازيف. سجّل الثلاثي المؤلّف من بوريس بيريزوفسكي وديمتري مختين وألكسندر كنيازيف قرصاً مُدمجاً تضمن مقطوعات لتشايكوفسكي على البيانو والكمان، فضلاً عن تسجيلهم مقطوعات لراخمانينوف بعنوان"من أجل ذكرى فنان كبير". وحصد الثلاثي جرّاء تسجيل هذه الأسطوانة على"نجوم الديابازون الأربعة". كما سجّل بيريزوفسكي لشركة"وارنر كلاسيكس إنترناشيونال"إلى جانب الثلاثي نفسه، مقطوعات شوستاكوفيتش تريو رقم 2 وراخمانينوف تريو الرثائي رقم 2 حاصداً العديد من الجوائز كجائزة"شوك دو لا موزيك"في فرنسا وجائزة"غراموفون"في إنكلترا و"إيكو كلاسيك"في ألمانيا. يذكر أن لبيريزوفسكي إبنة تُدعى إيفلين من مواليد عام 1991 وهي عازفة بيانو أيضاً، ويقطن بيريزوفسكي حالياً في بروكسيل.