روسيا تنفي تدخلها في الانتخابات.. إخلاء مراكز اقتراع في 4 ولايات أمريكية    وزير الحرس الوطني يحضر عرضاً عسكرياً لأنظمة وأسلحة وزارة الدفاع الوطني الكورية    وزير الحرس الوطني يصل جمهورية كوريا في زيارة رسمية    ترمب يتحدث عن وجود تزوير في فيلادلفيا.. والمدعي العام ينفي    نائب أمير الرياض يؤدي الصلاة على والدة مضاوي بنت تركي    «المالية»: 309 مليارات ريال إيرادات ميزانية الربع الثالث.. و«غير النفطية» تصعد 6 %    السعودية تتقدم عالمياً في تقنيات البيانات والذكاء الاصطناعي    التعاون يواجه ألتين للتمسك بالصدارة في «آسيا 2»    الجبلين يتغلّب على نيوم بهدف في دوري يلو    الاتفاق يتغلب على القادسية الكويتي في دوري أبطال الخليج    «التعليم»: تدريس اللغة الصينية بما يعادل مدة الابتعاث    تنفيذ حكم القتل تعزيراً في أحد الجناة بمنطقة المدينة المنورة    آل الشيخ في مؤتمر «cop29»: تنوع الثقافات واحترام خصوصية كل ثقافة.. مطلب للتعايش بين الشعوب    «الحسكي».. مكونات سياحية بمحمية الإمام تركي بن عبدالله    مجلس الوزراء يقر إطار ومبادئ الاستثمار الخارجي المباشر    سان جرمان وبايرن يسعيان للعودة إلى سكة الانتصارات    بيولي: النصر يستهدف اللقب الآسيوي    9146 ريالا زيادة سنوية بنصيب الفرد من الناتج المحلي    ازدهار متجدد    الحوادث المرورية.. لحظات بين السلامة والندم    الزائر الأبيض    مشروع رؤية 2030.. أول الغيث    تبكي الأطلال صارن خارباتي    سلام مزيف    فلسفة الألم (2)    الممارسون الصحيون يعلنون والرقيب لا يردع    د. الذيابي يصدر مرجعًا علميًا لأمراض «الهضمي»    انقطاع نفس النائم يُزيد الخرف    المنتخب السعودي .. وواقعية رينارد    Apple تدخل سوق النظارات الذكية لمنافسة Meta    أول قمر صناعي خشبي ينطلق للفضاء    إلزام TikTok بحماية القاصرين    أداة لنقل الملفات بين أندرويد وآيفون    محمية الغراميل    اتفاقية بين السعودية وقطر لتجنب الازدواج الضريبي.. مجلس الوزراء: الموافقة على الإطار العام والمبادئ التوجيهية للاستثمار الخارجي المباشر    ثري مزيف يغرق خطيبته في الديون    الألم توأم الإبداع (سحَر الهاجري)..مثالاً    15 شركة وطنية تشارك بمعرض الصين الدولي للاستيراد    الصناعة: فوز11 شركة برخص الكشف بمواقع تعدينية    دشنها رئيس هيئة الترفيه في الرياض.. استديوهات جديدة لتعزيز صناعة الإنتاج السينمائي    يا كفيف العين    اللغز    خبراء يؤيدون دراسة الطب باللغة العربية    رأس اجتماع مجلس الإدارة.. وزير الإعلام يشيد بإنجازات "هيئة الإذاعة والتلفزيون"    عبدالوهاب المسيري 17    وقعا مذكرة تفاهم للتعاون في المجال العسكري.. وزير الدفاع ونظيره العراقي يبحثان تعزيز العلاقات الدفاعية وأمن المنطقة    X تسمح للمحظورين بمشاهدة منشوراتك    همسات في آذان بعض الأزواج    معرض سيتي سكيب العالمي ينطلق الاثنين المقبل    فالنسيا تعلن فقدان أثر 89 شخصاً بعد الفيضانات في إسبانيا    القيادة تهنئ رئيسة مولدوفا    تأثيرات ومخاطر التدخين على الرؤية    التعافي من أضرار التدخين يستغرق 20 عاماً    أمير منطقة تبوك يستقبل القنصل المصري    أبرز 50 موقعًا أثريًا وتاريخيًا بخريطة "إنها طيبة"    نائب أمير الرياض يؤدي صلاة الميت على والدة الأميرة مضاوي بنت تركي بن سعود الكبير    المحميات وأهمية الهوية السياحية المتفردة لكل محمية    كلمات تُعيد الروح    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



تردده في ملفي السلام والحرب أتى على ما تبقى . "كاديما" وليس "ليكود" وراء هزيمة اليسار في اسرائيل
نشر في الحياة يوم 13 - 03 - 2009

لجأ كثيرون من المحللين السياسيين في إسرائيل إلى قراءة أسباب انهيار حزبي"اليسار الصهيوني"العمل وميرتس في الانتخابات العامة التي أجريت في 10 شباط فبراير 2009 - والذي دلّ إليه حصولهما معاً على ستة عشر مقعداً في الكنيست الحالي من مجموع مئة وعشرين مقعداً - عبر منظار تبسيطي للغاية، رأوا من خلاله أن نجاح حزب الوسط الأكبر"كاديما"في اجتذاب مصوتين تقليديين لهذين الحزبين هو السبب الأكبر وراء انهيارهما. وفي نظر هؤلاء، في معظمهم، فقد استند هذا النجاح إلى عاملين:
الأول، مشاعر الخوف لدى الناخبين الإسرائيليين من مغبة عودة رئيس الليكود، بنيامين نتنياهو، إلى سدّة رئاسة الحكومة الإسرائيلية. والثاني، الانطباع أنه فقط في وسع رئيسة كاديما، تسيبي ليفني، أن تهزم نتنياهو وتمنع عودته.
غير أن هذا المنظار التبسيطي لم يقتصر على المحللين السياسيين الإسرائيليين، وإنما ميّز أيضاً عدداً من رموز اليسار الصهيوني. ومن هؤلاء عضو الكنيست السابق والسكرتير الأسبق لحركة"السلام الآن"المناهضة للاحتلال والاستيطان، موشيه راز، المرشح الخامس في قائمة ميرتس الانتخابية، التي فازت بثلاثة مقاعد في الانتخابات.
يقول راز:"إن أحد أسباب تراجع اليسار الصهيوني في إسرائيل هو وجود حزب ديماغوجي على غرار"كاديما". فهذا الحزب يتحدث مثل اليسار. من الناحية الكلامية يتحدثون في كاديما بصورة ليست بعيدة من"ميرتس"، بل وتكاد تكون قريبة جداً منه. لكن من الناحية الفعلية، فإن"كاديما"قريب جداً من أفيغدور ليبرمان زعيم"حزب إسرائيل بيتنا"اليميني المتطرف. إنهم يتحدثون عن دولتين للشعبين، وعن وجوب التوصل إلى اتفاق، وليفني تقول إن هناك حمامة تقف على شرفة النافذة، لكنهم من الناحية الفعلية شنوا حرباً على غزة وأخرى على لبنان، وكلتا الحربين لم يكن من لزوم لهما. وهم أقاموا مستوطنات، ولم يجروا مفاوضات جادة مع الفلسطينيين. حتى نتنياهو وقّع على اتفاقي"الخليل"و"واي ريفر"عندما كان رئيساً للحكومة، وتحادث مع ياسر عرفات وانسحب من جزء من الضفة الغربية. أما كاديما، فإنه لم يتقدم خطوة واحدة في هذا الشأن". إلى هذا السبب يضيف راز سببين آخرين، على الوجه الآتي:
"الأول هو سبب ديموغرافي، إذ علينا أن نأخذ في الحسبان أن الأشخاص الذين يصوتون لليسار، وهذا تعميم لكنه يبدو صحيحاً في أغلب الأحيان، ينجب كل منهم ولدين على الأكثر. وفي مقابل ذلك، فإن الأشخاص الذين يصوتون لأحزاب الليكود وشاس ويهدوت هتوراة، وهم بطبيعة الحال متدينون ومحافظون وتقليديون، ينجبون أولاداً أكثر".
والى العامل الديموغرافي، لا بُدّ من أن نأخذ في الحسبان، يضيف راز، واقع أنه هاجر إلى إسرائيل خلال العقدين الماضيين قرابة مليون ونصف مليون شخص من دول الاتحاد السوفياتي السابق. وهؤلاء يشكلون عشرين في المئة من عدد المصوتين في الدولة، وباستثناء ستة في المئة منهم صوتوا لميرتس، فإن أربعة وتسعين في المئة صوتوا لحزب كاديما والأحزاب التي على يمينه وخصوصاً ل"إسرائيل بيتنا".
السبب الثاني هو انهيار"عملية السلام". فبالنسبة الى الجمهور في إسرائيل، بغض النظر عما إذا كان هذا الأمر صحيحاً أم لا، فقد حاول رئيس حزب العمل ورئيس الحكومة الإسرائيلية في حينه ايهود باراك إعطاء الفلسطينيين كل شيء في كامب ديفيد سنة 2000، غير أنهم ردوا على ذلك بالعنف. وبالنسبة الى هذا الجمهور، وهنا أيضاً بغض النظر عما إذا كان هذا صحيحاً أم لا، فإن باراك انسحب من لبنان سنة 2000 ورد"حزب الله"على ذلك بالعنف. كما أن رئيس الحكومة الإسرائيلية السابقة أرييل شارون انسحب من غزة سنة 2005 ورد الفلسطينيون بالعنف. إن هذه الأوضاع أضعفت اليسار الإسرائيلي بصورة كبيرة للغاية، على حدّ قوله.
ورداً على سؤال في شأن وجود عامل ذاتي أيضاً لهذا الانهيار، قال راز:"لقد ارتكب اليسار أخطاء، منها أنه لم يبرز الفوارق بينه وبين كاديما، ولم يوضح للجمهور العريض ماهية هذه الفوارق، ولذا فإن الكثيرين صوتوا لكاديما بسبب كراهيتهم لنتنياهو وخوفهم منه". ونفى أن حزبه ميرتس لم يشكل في واقع الأمر بديلاً لأحزاب الوسط واليمين، لأنه أيّد حربي لبنان وغزة، مصرّاً على القول:"هذا ليس دقيقاً. أنا شخصياً كنت ضد الحربين المذكورتين. وشاركت في التظاهرة ضد الحرب على غزة سوية مع الجبهة الديموقراطية والتجمع الوطني. صحيح أن ميرتس أيّد العملية العسكرية في غزة، لكنه طالب بوقفها بعد بضع ساعات".
الحرب على لبنان
غير أنّ يوسي سريد، الوزير السابق الذي كان زعيماً لميرتس وأحد أقطاب"اليسار الصهيوني"، رأى أن الحرب على غزة كانت بمثابة امتحان مصيري آخر لليسار الإسرائيلي، وقد سقط فيه سقوطاً مدوياً. واعتبر أن هذا اليسار كان، قبل تلك الحرب، أحد أبرز المدفونين في"القبر الجماعي"الذي حفرته الحرب على لبنان في صيف 2006 وأهالت التراب فيه على مجموعة من ساسة إسرائيل وعسكرها وإعلامييها. ومردّ ذلك أنه لم يفعل ما كان يتعيّن عليه أن يفعله وهو معارضة الحرب بصريح العبارة من دون أدنى تلعثم وبقي يمارس"الرقص على حبلين"، بين المعارضة وبين التأييد للحرب، بمسوّغ أنها"عادلة"و"مبرّرة".
وكان يتوجب على هذا اليسار أن يفهم باكراً - في قراءة سريد - أن انضمامه إلى الإجماع حتى لو كان متحفظاً بعض الشيء من شأنه فقط أن يؤجّج تهافت إسرائيل نحو عمق لبنان. وتساءل: إذا لم ينهض هذا اليسار في وقت الامتحان، فمتى كان في نيته أن ينهض على قدميه؟
وقال الكاتب في"هآرتس"عكيفا إلدار إن السهولة، التي هضم فيها معسكر السلام ذرائع ايهود باراك في شأن إخفاقه في مسار المفاوضات السوري - اللبناني والمسار الفلسطيني سنة 2000، كانت بمنزلة أول شهادة على هشاشته.
ويتضح الآن - أضاف - أن غالبية الإسرائيليين الذين يتفاخرون بحمل لقب"يساريين"هم"حمائم تغرّد داخل السرب"لا"حمائم ذات قيم عالمية"تتجاوز الإطار المحليّ الضيق. وهؤلاء يؤيدون عملية السلام من منطلق اعتبارات براغماتية تحيل فقط إلى ما يندرج في إطار مصلحة الشعب اليهودي، مثل الميزان الديموغرافي أو ضمان أمن إسرائيل أو دفع ازدهارها الاقتصادي قدماً. أما الصنف الذي يؤيد السلام بدوافع أخلاقية عالمية فقد بات صنفاً نادراً. إن هذا الصنف هو الذي لا يبحث عن ملاذ في حضن الوطنية العمياء والإجماع العابر.
إن الكلام السالف كله مُوّجه، أساساً، إلى حزب"ميرتس"، الذي هبط تمثيله في الكنيست ال 16 إلى ستة مقاعد خلال الانتخابات العامة سنة 2003، بعد أن فاز بعشرة مقاعد في الانتخابات العامة التي سبقتها للكنيست ال 15 سنة 1999. وفي انتخابات سنة 2006 للكنيست ال 17 هبط إلى خمسة مقاعد، ليهبط في آخر انتخابات إلى ثلاثة مقاعد، وليحتل مكانة الحزب العاشر من مجموع اثني عشر حزباً فازت في هذه الانتخابات.
وفي الإمكان أن نستشف أن مسيرة انهيار"ميرتس"قد بدأت منذ سنة 2000، التي تعتبر سنة مفصلية للغاية، على أكثر من مستوى وصعيد. ففيها تفجرت المفاوضات في شأن ما بات يعرف ب"الحل الدائم"للنزاع الإسرائيلي - الفلسطيني، والتي دارت في إطار قمة كامب ديفيد. وكان من حصيلة ذلك أن عادت الأوضاع إلى المربع الأول، ولعل الأصح القول إن تلك المفاوضات لم تغادر هذا المربع أصلاً. وإثر ذلك شهدنا عودة إسرائيلية متعمدة إلى سياسة النظر التقليدية للشعب الفلسطيني والشعوب العربية جمعاء عبر فوهة المدفع، والتي كانت قد أخلت مكانها، بصورة موقتة، لسياسة تسوية ومصالحة تقف في صلبها، على ما يبدو، غاية الاحتواء والتهرّب من دفع المستحقات اللازمة لا أكثر. وكما لم يعد خافياً على أحد، فإن هذه العودة انطوت على تصعيد للسياسة الداخلية، المتعلقة بعلاقة الدولة والأكثرية اليهودية مع الفلسطينيين في الداخل.
وفي سنة 2000 اندلعت الانتفاضة الفلسطينية الثانية، وما عرف باسم"هبّة أكتوبر"بين صفوف الفلسطينيين في إسرائيل.
ويؤكد د. مناحيم كلاين، أستاذ العلوم السياسية في جامعة بار إيلان وأحد رواد مبادرة جنيف، أن ميرتس واليسار الصهيوني عموماً لم يعودا على صلة، بعد مرور تسعة أعوام على تلك الأحداث. فهما كرسا حل الدولتين وتقسيم القدس ونهاية الاحتلال، وعلماه حتى لليمين"الناعم"كاديما، ولكنهما فشلا في محاولة الإقناع بأن هذا الحل هو ذو صلة هنا والآن، وأن هناك شريكاً فلسطينياً.
وقد ساعد في ذلك تأييد اليسار لإخلاء المستوطنات من قطاع غزة بصورة أحادية الجانب، حيث وافق الجمهور إثر الأحداث التي تلت هذه الخطوة على السير وراء شعار"رحلنا عن غزة فحصلنا على صواريخ القسام، لأنهم، أي الفلسطينيون، يريدون النقب أيضاً".
إضافة إلى هذا، ثمة سببان جوهريان آخران لما آلت إليه حال"ميرتس"، في رأي كلاين، وهما:
الأول، اليسار الصهيوني في معظمه يقوم بتدوير الزاوية الحادة المسماة حق العودة. فهو يرفض النظر باهتمام إلى"ملف 1948"بالنسبة الى الفلسطينيين، ويعتقد أن جوهر المشكلة هو الاحتلال. هو يفعل ذلك لأسباب تكتيكية بعض الشيء حتى يحشد تأييداً أوسع لبرامجه السلمية، ولأسباب جوهرية أكثر من ذلك ناجمة عن كونه غير ناضج للتنازلات في هذا المجال. والجمهور الإسرائيلي يشعر بهذه الفجوة ولا يعتقد أن هناك شريكاً فلسطينياً. كما أن مواجهة قضية اللاجئين تستوجب الالتفات أيضاً إلى اللاجئين الفلسطينيين من مواطني إسرائيل الذين يفضل اليسار تجاهل وجودهم.
الثاني، اليسار الصهيوني غير متحرّر من الشرك الأمني. فباعتباره طرفاً وطنياً وصاحب التزام أمني يصعب عليه الاعتراض على الخطوات الأمنية التي تدافع عن مواطني إسرائيل في الظاهر، لكنها تزيد من التوسع الإقليمي والسيطرة على الفلسطينيين، وتتسبب في اجتذاب المزيد من الموازنات والقوة والتأثير والمكانة الاعتبارية الاجتماعية. هذا اليسار يتوقع تنازل الفلسطينيين عن"الإرهاب"أولاً، الأمر الذي يسهل إقناع الجمهور الإسرائيلي باختيار السلام مع الأمن.
غير أن انهيار مشروع السيطرة على الفلسطينيين لا بُدّ من أن يعتمد على الانتقادات الشاملة الموجهة إلى جهاز الأمن، في حين أن اليسار يفضل التحدث عن"أعمال شاذة"في ممارسات الجيش وتأييد المراحل الأولى من الحروب المدمرة. واليمين بدوره شخّص نقطة الضعف وانتقل من الحديث عن أرض إسرائيل الكبرى إلى ممارسة الخطاب الأمني الذي يعزز قوة الهيكلية القائمة ويعزف على أوتار الخوف القديم الكامن في نفوس الناس.
ماذا عن حزب العمل؟
إذا كانت أول ملاحظة في شأن تأثير نجاح"كاديما"في انهيار"اليسار الصهيوني"تنطبق، على حزب"ميرتس"، ومن شأنها أن توضح جانباً من عوامل ضعفه الراهن، فإن تأثيرها في تراجع حزب العمل يبدو ضئيلاً بعض الشيء. وقد بدأ تراجع هذا الحزب سنة 2000 أيضاً في ظل ما حدث في قمة كامب ديفيد.
وبلغة أكثر من باحث ومحلل، فإن رئيس الحزب، إيهود باراك، الذي كان إبان تلك القمة رئيساً للحكومة الإسرائيلية بعد ولاية حكومة يمينية برئاسة نتنياهو تولت الحكم إثر فوزها في الانتخابات العامة سنة 1996، والتي أجريت عقب مقتل رئيس الحكومة الأسبق اسحاق رابين، تنكر للجانب العملي التدرجي لاتفاق أوسلو مع منظمة التحرير الفلسطينية، وبدلاً من ذلك اقترح قمة واحدة وحلاً حاداً وسريعاً يضع نهاية للنزاع مرة واحدة وأخيرة، متناسياً أن السياسة ليست معادلات رياضية، وأن مئة سنة من النزاع ليس في الإمكان حلها في قمة تستمر أسبوعاً ولا باتفاق واحد. غير أن باراك تمسك بالرأي القائل: إما كل شيء وإما لا شيء. وهذا كان بمثابة الخطأ القاتل الذي ارتكبه، والذي انهار عنده هو، وانهار"حزب العمل"ومعسكر السلام الإسرائيلي كافة معه.
وفي واقع الأمر، فإن حزب العمل ما زال، منذ اتفاق أوسلو وحتى قمة كامب ديفيد وما ترتب عليها، يراوح على المستوى الإسرائيلي بين سيرورتين توضحان مبلغ مراوغته وتخبطه العام:
الأولى، إنه أصبح يحيل، في الذهنية الإسرائيلية العامة، خصوصاً منذ أوسلو وما عناه من طريق مغايرة لم تكن مشقوقة من قبل، إلى التماهي مع الآخر الفلسطيني أو العربي في أعقاب أوسلو توصل إلى اتفاق سلام مع الأردن، وبدأ مفاوضات مع سورية تردّد خلالها أنه على استعداد للانسحاب من هضبة الجولان المحتلة في مقابل سلام كامل معها.
الثانية، إنه انقلب بنفسه، منذ كامب ديفيد، على تلك الطريق المغايرة وأساساً إزاء الصراع مع الفلسطينيين، والتي سبق أن بدا أنه يحاول أن يدفع بها قدماً.
الموقف الاقتصادي - الاجتماعي
بحسب ما أكد مناحيم كلاين، فإن"ميرتس"واليسار الصهيوني عموماً لم يعودا على صلة، على الصعيد السياسي العمومي، بعد مرور تسعة أعوام على كامب ديفيد. لكن على رغم ذلك"كانت هناك فرصة لأن يكونا على صلة على الصعيد الاقتصادي - الاجتماعي في الأقل، لو أنهما بقيا في يسار الخريطة السياسية"، بحسب ما يؤكد البروفسور غابي شيفر، أستاذ العلوم السياسية في الجامعة العبرية في القدس.
وهو يضيف:"كان الحزبان في الماضي البعيد جداً ينتميان إلى ما يمكن وصفه بالمعسكر الاشتراكي - الديموقراطي المعتدل، لكنهما لم يعودا كذلك، وفي الوقت الحالي بات هذا المعسكر، عقب ضعف هذين الحزبين، أقرب إلى الاندثار كلياً من على الخريطة السياسية في إسرائيل".
ويعتقد شيفر أنه حتى لو اغتنما فرضاً هذه الفرصة، فسيبقى هناك شك كبير في أن يؤدي ذلك إلى وقف مسيرة تراجعهما، نتيجة اعتبارات تتعلق بطبيعة المجتمع الإسرائيلي لا بطبيعة اليسار بعامة. فمنذ إقامة إسرائيل سنة 1948 كان واضحاً للجميع تقريباً أن هناك"رايتين"لا تستطيع اسرائيل - وما زالت لا تستطيع حتى الآن - أن ترفعهما معاً في آنٍ واحد. الأولى هي"راية الأمن"والمرتبطة في شكل أساس باستمرار أو حل النزاع الإسرائيلي - العربي - الفلسطيني"أما الثانية فهي"راية الرفاه الاجتماعي والاقتصادي".
ولغاية هذا اليوم، ما انفك الأمن هو القضية المركزية بل وحتى الوحيدة التي تقف على رأس جدول أعمال سلطات الدولة، وبتأثير هذه السلطات الحاسم، ما انفك الأمن على رأس أجندة مواطني الدولة أيضاً. وقد كان واضحاً، في كل مرة يتمّ فيها بحث تخصيص الموارد، أن المؤسسة الأمنية والعسكرية ستحصل على الموازنة التي تطلبها.
وقد نجم تفضيل الجيش وأجهزة الأمن على بقية أجهزة الدولة وبخاصة جهاز الرفاه بالدرجة الأولى عن قدرة رجالات المؤسسة الأمنية على إقناع المواطنين الإسرائيليين بأن الدولة تواجه تهديدات وجودية، وأن المؤسسة الأمنية هي مؤسسة ناجعة ورادعة وقادرة على أن تتصدى بنجاح لهذه التهديدات.
ويرى شيفر أن إقامة حزب اشتراكي - ديموقراطي حقيقي، أو تحوّل حزبي العمل وميرتس إلى حزبين يتبنيان قولاً وعملاً سياسة اشتراكية ديموقراطية واضحة، وكذلك استبدال معظم زعماء الحزبين، وصياغة برنامج واضح يتصدى للأوضاع السياسية والاقتصادية - الاجتماعية، والمسائل المرتبطة بها، هي الكفيلة فقط بتحقيق التغير المنشود. وإذا صيغ البرنامج بصورة جلية وواضحة، فإنه سيحظى بتأييد ملموس لدى أوساط كثيرة في المجتمع الإسرائيلي، تتفق في الجوهر مع مثل هذه المفاهيم وبالأخص في ضوء الأزمات الخطرة التي تجتاح إسرائيل، والتي يتم كنسها وإخفاؤها تحت البساط، من جانب زعماء جميع الأحزاب في إسرائيل. وفي حال حدوث ذلك، فسيكون بمثابة"التغيير"الأهم في إسرائيل والذي سيؤدي أيضاً إلى تعزيز الديموقراطية الإسرائيلية المتعثرة والحد من الفساد، وإلى تعميق تدخل وتأثير المزيد من المواطنين في السياسة الإسرائيلية.
تجدر الإشارة، أخيراً، إلى أن شيفر وكلاين هما الوحيدان اللذان وافقا على الخوض في مسألة مصير اليسار الإسرائيلي في ضوء هزيمته المدوية في الانتخابات، في حين أكد الآخرون أنهم لم يبلوروا بعد رؤية واضحة في شأن هذا المصير.
* باحث في المركز الفلسطيني للدراسات الإسرائيلية - مدار.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.