عاصرنا انتخابات الكنيست منذ بدايتها العام 1949 وحتى الآن، ورغم ان بعض القيادات الاسرائيلية الاولى، وحتى منتصف الستينيات لم تعترف بوجود شعب فلسطين، وكانت تقول ان فلسطين كلها من البحر إلى النهر هي أرض اسرائيل، الاّ ان الاعتراف بالشعب الفلسطيني جاء متأخراً، رغم محاولة اسرائيل طمس الهوية الفلسطينية لكن دون جدوى، فبعد انطلاق المقاومة الفلسطينية بعد (5 حزيران 1967)، برزت الهوية الفلسطينية، وبرز الشعب الفلسطيني وفرض نفسه، حتى بدأت القيادات الاسرائيلية تعترف بوجود شعب فلسطين، وبدأ العالم بمن فيه الولاياتالمتحدة الاميركية ودول أوروبا تعترف بهذا الشعب، وينادي بقيام دولة فلسطينية على أرض فلسطين العام 1967، كما بدأت القيادات الاسرائيلية تعترف صراحة بضرورة وجود دولتين فلسطينية واسرائيلية على هذه الارض. ان انتخابات الكنيست الثامن عشر هي اكثر الانتخابات يمينية في تاريخ الدولة الاسرائيلية، وهذا الكلام لا نقوله جزافاً، فعندما نقرأ الخريطة الحزبية الحالية في اسرائيل، نجد ان حزب العمل الذي كان الحزب الاول اصبح يحتل المرتبة الرابعة، وان حزب الليكود اليميني يتقدم بقوة ويحتل المرتبة الثانية بعد حزب كاديما اليميني، والذي كان يرأسه ارئىل شارون قبل ايهود اولمرت، والآن تسيبي ليفني، كما ان حزب "اسرائيل بيتنا" اليميني المتطرف، الذي يرأسه افيغدور ليبرمان تقدم كثيراً وبشكل مفاجئ ليحتل المرتبة الثالثة، بينما حزب ميرتس اليساري (مجازا) تأخر كثيراً، وليس له وزن يذكر في مجريات الاحداث في الساحة الاسرائيلية، فالشعب الاسرائيلي يسير نحو اليمين، وتحصد الاحزاب اليمينية معظم مقاعد الكنيست، ويتحدث عن هذه الظاهرة قادة الاحزاب الاسرائيلية فعندما نستعرض مسيرة اوسلو من 1993 وحتى الآن 2009، والتي انتهت عمليّاً مع مجيء شارون للحكم، نجد ان الوعود الاسرائيلية للفلسطينيين تكررت، بأن السلام مع الفلسطينيين قادم، وان دولة فلسطينية بجانب دولة اسرائيل ستتحقق، وان المفاوضات بين الاسرائيليين وبين السلطة الفلسطينية لم تنقطع، وان المؤتمرات بينهما وبحضور طرف ثالث ستستمر ايضاً، من مؤتمر القاهرة، الى مؤتمر شرم الشيخ الى اتفاق طابا إلى واي ريفر، إلى كامب ديفيد الثانية وحتى مؤتمر أنا بوليس، ناهيك عن الاجتماعات المتكررة بين الرئيس محمود عباس وبين ايهود اولمرت والتي استمرت لأكثر من سنة حتى نهاية العام 2008، لكن جميعها باءت بالفشل ولم تحقق شيئاً، ستة عشر عاماً ضاعت على الشعب الفلسطيني ولم يحصل على شيء. غير ان القيادات الاسرائيلية قد حققت في هذه الفترة الشيء الكثير، وكلها على حساب الحقوق الفلسطينية، وهذه الانجازات هي: 1- استطاعت تقسيم أراضي الضفة الغربية إلى ثلاثة اقسام، منطقة (أ) مساحتها حوالي مليون دونم، ومنطقة (ب) ومساحتها اكثر من مليون دونم، ومنطقة (ج) وهي تحت سيطرة اسرائيلية كلياً وتبلغ مساحتها حوالي ثلاثة ملايين ونصف المليون دونم. 2- بناء جدار الفصل العنصري من شمال الضفة الى جنوبها وطوله 767501 متر. 3- بناء 200 مستوطنة و220 بؤرة استيطانية أُقيمت على أرض مساحتها 188270 دونماً، يقطنها نصف مليون مستوطن يهودي، هذا عدا الحواجز العسكرية الاسرائيلية التي تملأ الضفة الغربية، وهذا يعني ان الاسرائيليين هم الذين استفادوا من بداية أوسلو وحتى الآن وأن الفلسطينيين لم يحققوا شيئاً. وهذا يقودنا إلى دلالات ومؤشرات انتخابات الكنيست الثامن عشر، وهي مؤشرات ودلالات خطيرة، اذ ان اكثرية مقاعد الكنيست هي لليمين واليمين المتطرف، وان الامور ستزداد تعقيداً على صعيد العلاقات الاسرائيلية - الفلسطينية، وكذلك على صعيد توجهات الرئيس الاميركي الجديد باراك أوباما في منطقتنا، فهو يريد تسوية نهائية بين اسرائيل والفلسطينيين، وهو مع وجود دولتين، ومع الانسحاب الاسرائيلي لحدود 1967، ومع فكفكة المستوطنات وتقسيم القدس، ومع وجود سلام دائم فلسطينياً وسورياً، وهذا ما يعارضه نتنياهو وليبرمان والاحزاب اليمينية المتطرفة، فالطريق امام أوباما صعبة ومعقدة، ومن دلالات هذه الانتخابات ان دولة الآبارتهايد قادمة لا محالة بسبب حجم وعدد المقاعد لليمين واليمين المتطرف في الكنيست، وعند الوقوف على موقف الاحزاب الرئيسية كاديما، والليكود، واسرائيل بيتنا، وحزب العمل نجد ما يلي: - حزب كاديما بزعامة تسيبي لفيني، هو مع حل الدولتين اسرائيلية وفلسطينية، كما يؤمن بوجود فرصة لعقد اتفاق سلام مع الفلسطينيين، ومع اخلاء مستوطنات في الضفة كشرط ضروري للتسوية، مع الاحتفاظ بالمستوطنات الكبيرة فقط، ومع التبادلية في الاراضي، ومع تقسيم القدس بين الاسرائيليين والفلسطينيين، لكنه ليس مع حق العودة، وتشعر ليفني في المستقبل ان هناك خطراً من اغلبية فلسطينية واقلية يهودية، ولهذا تعتبر اقامة دولتين ضرورة استراتيجية ملحة، وتعتبر الوحيدة التي يمكنها ان تجمع اليمين واليسار في وزارة واحدة مع استبعاد ليبرمان. - حزب الليكود، لا لدولتين تعيشان جنباً الى جنب، ولا لإخلاء المستوطنات مهما كان حجمها، ولا للتنازلات، ولا لتقسيم القدس، ولا لفك الارتباط، ولا لتسويات مع الفلسطينيين، ولا لحق العودة، ولا للانسحاب من الجولان، ويعتبر نتنياهو ان الانسحاب من قطاع غزة خطأ قبل القضاء على حماس، من هنا، فان سياسة حزب الليكود ستؤدي إلى مواجهة بين اسرائيل وادارة باراك أوباما. - حزب العمل بزعامة ايهود باراك، مع تفكيك المستوطنات ومع تقسيم القدس، ومع حل الدولتين والانسحاب من غالبية أراضي الضفة الغربية، وتراجعه في هذه الانتخابات له دلالاته. - حزب اسرائيل بيتنا بزعامة افيغدور ليبرمان، فهو يميني متطرف، لا لدولة فلسطينية، لا لحق العودة، القدس موحدة، مع بقاء جميع المستوطنات مع حكم ذاتي للفلسطينيين، مع عدم الانسحاب من الجولان، مع ضرب وانهاء حكم حماس في غزة، مع طرد فلسطينيي ال84 الى الخارج. غير ان الهجوم الوحشي على قطاع غزة مستخدمة اسرائيل الاسلحة المحرمة دولياً، الفوسفور الابيض وغيره، وتم خلاله قتل وجرح الآلاف من الاطفال والنساء، جاء بنتائج عكسية على كاديما والعمل، فقد قوّى حزب الليكود والاحزاب اليمينية المتطرفة في الانتخابات على حساب كاديما والعمل، وان الخاسر الأكبر هو ايهود باراك، كما ان اسرائيل خسرت من هذه الحرب العزلة الدولية، وسمعتها وخسارتها للعرب المعتدلين، والمحاكمة التي تنتظر قادتها بسبب المطالبة بتقديمهم لمحكمة الجنايات الدولية. في ظل هذا الوضع المعقد، المطلوب من الجانب الفلسطيني ومن دون استثناء الخروج من هذا المأزق وبشكل سريع ببدء الحوار وتحقيق الوحدة الوطنية واعادة اللحمة بين الفصائل، ولا بد من منظمة التحرير الفلسطينية بمشاركة جميع الفصائل الفلسطينية ببرنامج متفق عليه لمواجهة التحديات، ويحقق في النهاية الحقوق الوطنية والثابتة للشعب الفلسطيني، وهذا يتطلب الابتعاد عن الحزبية الضيقة والايمان بأن مصلحة الشعب الفلسطيني فوق كل المصالح الحزبية والشخصية. لتكن الانتخابات الاسرائيلية الأخيرة محطة للفلسطينيين لاعادة النظر في كل ما يجري ووضع أسس سليمة وواضحة تخرجنا من هذا المأزق. الأيام الفلسطينية