لم يبدد تنادي عشرات السياسيين والديبلوماسيين إلى مخيم نهر البارد شمال لبنان أمس بما يشبه تظاهرة لبنانية - فلسطينية - دولية، لوضع الحجر الأساس لإعادة بناء المخيم القديم مخاوف سكان المخيم من عدم اتمام هذه العملية التي تلقوا في شأنها وعوداً كثيرة منذ انتهاء المعارك في المخيم بين الجيش اللبناني وتنظيم"فتح الاسلام"في حزيران يونيو 2007. فالعزيمة على إعادة الإعمار التي تقودها الحكومة اللبنانية بالتعاون مع ممثلية منظمة التحرير في لبنان ووكالات تابعة للأمم المتحدة، وبدأت بمؤتمر للمانحين وفّر نحو 45 مليون دولار للبدء بالمرحلة الأولى وتلزيم عمليات ازالة الركام، يقابلها فلسطينيو المخيم بنوعين من المخاوف: ترقب حذر من أجيال ولدت في المخيم ولم تمرّ في تجارب مماثلة وتنتظر لترى عملية إعادة البناء. وعدم تفاؤل نهائي من أجيال متقدمة في السن لا تزال في بالها تجارب مخيمات مثل تل الزعتر وضبية التي لم يعد بناؤها. والقاسم المشترك بين الجيلين حالياً هو عدم رضاهم على سير العملية برمّتها، اضافة إلى شكوى كبيرة من مسألة منع الجيش اللبناني دخول المخيم إلا بموجب تصريح، ناهيك بالغضب المتأتي من سكن نحو 1200 عائلة في مساكن موقتة يسمونها"بركسات"وهي عبارة عن مستوعبات حديد لا تتجاوز مساحة الواحد منها ال 30 متراً، رصفت بعضها جنب بعض وفوق بعض، وخصص كل واحد لعائلة أياً يكن عددها. والفارق بين الجيلين تجلى أيضاً، بتنادي النساء والرجال، من الشباب، إلى حدود المخيم القديم محاولين تجاوز حاجز الجيش لمشاهدة احتفالية وضع الحجر الأساس، لكن التدابير الأمنية حالت دون ذلك، ما أدى لاحقاً إلى شجار بين بعض المتجمهرين وعناصر من الجيش الذي اضطر إلى اطلاق النار في الهواء لتفريقهم. أما المتقدمون في السن، فجلس بعضهم في"البركسات"يلعبون الورق، ولا يلقى سائلهم عن عدم مشاركتهم بالاحتفال إلا أجوبة من نوع"لا يعنينا ما يقومون به". أحدهم يكنى أبو علي جاء إلى لبنان حين كان عمره عامين يقول:"وضعوا الحجر الأساس لإعادة إعمار مخيم تل الزعتر قبل 35 عاماً... لو كانت لديهم فعلاً النية بإعادتنا إلى المخيم القديم لما كانوا جرفوه، كان في امكاني أن أرمم منزلي فيه بألفي دولار فقط ومثله منازل كثيرة، لكن النية ليست موجودة لديهم". ويضيف:"حتى أنهم منعونا من المشاركة اليوم في هذا الاحتفال وكأنني لا أتوق إلى المكان الذي أمضيت فيه 50 عاماً من عمري"، قاصداً مكان منزله في المخيم القديم. والمخيم قسمان: المخيم القديم الذي كان يقوم على أرض مساحتها 700 متر x 220 متراً، دمّر كلياً وهو الذي سيشهد إعادة إعمار على 8 مراحل تبدأ في نيسان أبريل المقبل على أن تنتهي في مدة تتفاوت بين 3 و5 سنوات، لإعادة بناء 5600 وحدة سكنية بعدد العوائل، وجرف معظمه وأصبح جاهزاً للمرحلتين الأولى والثانية المؤلفة من 1500 وحدة سكنية. والمخيم الجديد، الذي شكل امتداداً طبيعياً للمخيم القديم الذي ضاق بسكانه الذين بلغ عددهم نحو 38 ألف نسمة، فشهد نهضة عمرانية كبيرة منذ ثمانينات القرن الماضي على ضفتي شارع عريض يبلغ طوله كيلومترين من ساحة العبدة إلى المخيم القديم، والذي أصبح سوقاً تجارياً للمخيم والجوار. ولما كان الضرر في المخيم الجديد جزئياً، أعيد إليه نحو 15 ألف نسمة فأحيوه من جديد، أما البقية فلا يزالون خارج المخيم. وعلى رغم أن محالّ كثيرة جددت وفتحت بلافتات جديدة يعلو كثير منها غبار ترميم أو أثر معركة، فإن الزحمة الحالية لم يكن واضحاً سببها، إن كان الاحتفال الحالي أو استعادة لحركة تجارية. وتقول منى واكد، وهي ناشطة نسائية فلسطينية:"صنعنا الحياة من تحت الركام. النساء كنّ يحفرن بأظافرهن ليعدن ترميم منازلهن وجعلها صالحة للسكن... ولو يسمح للجوار اللبناني بالدخول الى المخيم لاستعاد حياته في شكل أفضل، أما الآن فلا يزال الوضع صعباً وحتى الأموات يفتشونهم قبل دخولهم". اللجنة الشعبية في المخيم، أعدت لزواره الرسميين مذكرة ضمّنتها كل المطالب: مباشرة الأعمال فوراً، إنهاء الحال العسكرية، السماح للعائلات بالعودة الى منطقة البرايمات منطقة فاصلة بين المخيمين، تولي"أونروا"مسؤولية الإعمار، تأمين الدعم المالي للطلاب، التعويض على المؤسسات التجارية، الاستمرار في إغاثة النازحين وتشكيل لجنة مراقبة مالية لمنع الهدر وإشراك المجتمع المحلي. الاحتفال ورعى وضع الحجر الأساس رئيس الحكومة فؤاد السنيورة، ممثلاً بوزير الإعلام طارق متري، في مشاركة ممثل منظمة التحرير عباس زكي، ورئيس لجنة الحوار اللبناني - الفلسطيني السفير خليل مكاوي، وسفراء اميركا وإيطاليا وبريطانيا ومصر وكوريا وكندا وأستراليا والمفوض العام ل"الاونروا"كارين ابو زيد، اضافة إلى ممثلين عن الأجهزة الأمنية. ووصف زكي في كلمة، اللحظة ب"الاستثنائية"قائلاً:"لحظة تحقق الوعد الصادق الذي أطلقه الرئيس السنيورة بحتمية اعادة إعمار المخيم". وأضاف:"جئنا لنقول ان الانتصار على الارهاب لا يكتمل الا بإعادة الإعمار، فإذا هزم الارهاب عسكرياً امام الجيش اللبناني، فلا بد من هزيمته امام اهلنا في المخيم عبر بناء منازلهم وعودة الحياة اليها. عودة تجسد ارادتنا المنتصرة على إرادة الخراب والعبث والدمار". وتحدث زكي عن الأحداث التي شهدها المخيم وعن المساعدات والإغاثة، لكنها"لم تصل الى المستوى المطلوب بما يتناسب مع معايير حقوق الانسان في لحظة نكبته القسرية لتأمين أبسط حاجاته الاساسية من الغذاء والكساء والدواء والسكن اللائق بكرامته". وطالب ب"بذل جهد إضافي في حقل الاغاثة الطارئة ريثما ينتهي الإعمار، وبتمويل إعادة الإعمار، لأن التزامات الدول المانحة ليست كافية حتى اللحظة لإنجاز إعمار المخيم وفق المخطط التصميمي المتفق عليه، كما ان الاموال الموجودة راهناً لا تسمح لنا بأن نسير بعملية الإعمار حتى نهايتها ما لم تسدد الدول المانحة التزاماتها". وقالت أبو زيد:"لنا الحق جميعاً واللاجئون في شكل خاص، في ان نتشارك بكل فخر وفرح بهذه اللحظة المنتظرة... وضع الحجر الاساس هو وعد حقيقي لانطلاقة جديدة للاجئين الذين فقدوا بيوتهم وموارد رزقهم، انه إقرار من المجتمع الدولي بنيته الجدية في مواصلة اعادة إعمار نهر البارد حتى انجازه، في الوقت الذي نحتفل بهذه اللحظات علينا ألا ننسى التحديات التي ما زالت تواجهنا". وأضافت:"سيضطر اللاجئون الى الاستمرار في العيش كنازحين في الأشهر المقبلة وسيستمرون بالاعتماد في شكل كبير على المساعدات، وهذه الحاجات المستمرة مدعاة قلق لأن نداء الاونروا للاغاثة والنهوض المبكر لم يحظَ بالتمويل المنشود، ما يجعلنا غير قادرين على القيام بواجباتنا الانسانية في شكل كامل"، داعية مجتمع الجهات المانحة مجدداً إلى أن"يظهر سخاء أكبر في تقديماته". وألقى مكاوي كلمة قال فيها:"ها نحن اليوم في خطوة تأسيسية جديدة بعد رفع الانقاض وإنجاز الاستملاك وإنهاء المخطط التوجيهي، حتماً هناك من لا يزال يسأل او يشكك، السؤال حق والشك من طبيعة الانسان، لكن الاهم ان نبقى على نبل في السؤال والتشكيك مع النظر بإيجابية الى ما تم تنفيذه حتى الآن". وألقى متري كلمة باسم السنيورة، ذكر فيها بمقولته إن"الخروج موقت والرجوع مؤكد وإعادة الإعمار حتمية". وأضاف:"اليوم وضعنا اللبنة الأولى لمشروع الإعمار. وبهذه الروح، يترتب علينا أن نواصل السعي مع الدول الشقيقة والصديقة لإقدارنا على تحقيق المشروع بمقوماته كافة". نشر في العدد: 16776 ت.م: 10-03-2009 ص: 14 ط: الرياض