الحديث عن الصراع العربي - الإسرائيلي وثيق الصلة بمسألة الوجود التي قاتل وسيقاتل الإسرائيلي من أجلها، لأن المنطلقات والدوافع مقنعة لاستمرار التأزم حتى في دواخلنا. إذاً الخوض في السياق التاريخي والتعامل معه كبداية لتشخيص الصراع من منطلقات ايديولوجية سيفقدان الحديث أي رؤية عقلانية لقراءة ما بين السطور من أحداث قد تكون في صورتها ثانوية إلا أنها في حقيقتها صلب هذا الصراع وجوهره. منذ زمن ونحن نسمع ان هناك أصواتاً إسرائيلية متعقلة، تدين وحشية الجيش الإسرائيلي وسياساته العدوانية تجاه المدنيين في قطاع غزة والضفة الغربية، بل امتد الأمر ليشمل ما يسمى بالرعيل الإسرائيلي الأول، حيث أجرت صحيفة"يديعون أحرونوت"الإسرائيلية استطلاعاً لرأي عدد من المثقفين الإسرائيليين لمناسبة الذكرى الپ59 لتأسيس إسرائيل. وعبّر الاستطلاع بصدق عن خيبة أمل أبناء الجيل الأول المؤسس للدولة العبرية. وكان أول المتحدثين الكاتب والصحافي الإسرائيلي أوري افنيري الذي عبّر عن خيبة أمله بقوله:"هذه ليست إسرائيل التي حلمنا بها، هذا البلد لا يشبه ما كان في أذهاننا عندما ناضلنا من أجل تأسيسه"، وفي هذا إشارة واضحة الى عدم الاستقرار الاجتماعي الذي يعيشه الإسرائيليون على رغم مضي أكثر من نصف قرن على احتلالهم الأراضي الفلسطينية، وأضاف افنيري قائلاً:"لقد فقدنا كل إحساس بالمسؤولية تجاه الآخر، لم تعد لدينا الرحمة أو الشفقة"وفي هذا حالة يأس من الوضع المضطرب السائد في المجتمع اليهودي. أيضاً المترجم الصحافي الإسرائيلي هارون أمير عبر عن استيائه قائلاً:"الأخلاق أصبحت كلمة قذرة في هذه الأيام وكل المعايير الأخلاقية تغير في إسرائيل. لقد أصبحنا ثاني دولة بعد الولاياتالمتحدة في ما يتعلق بالافتقار الى الأخلاقيات"، إذاً من المفترض أن تكون لدى الكيان الإسرائيلي الدوافع الكافية التي تجعله يعيد النظر في مبادرات السلام العربية لكي يحقق شيئاً من الاستقرار الاجتماعي والأمني على الأقل داخل محيطه الجغرافي الصغير، خصوصاً أن المبادرة العربية تفتح آفاقاً واسعة له من ناحية الاعتراف به والتطبيع الكامل معه ما سيؤدي الى انتعاش الاقتصاد الإسرائيلي ويجنبه الاستنزاف المادي والمعنوي الذي يعاني منه بسبب الصراع المستمر. لكن وجود أطراف أخرى في هذا الصراع الوجودي أجهض كل محاولة جادة لعملية السلام، وأقصد هنا الطرف الأميركي الذي استمرأ سياسة العصى والجزرة مع الطرفين وان كان يميل في أغلب الأحيان لترجيح الكفة الإسرائيلية لاعتبارات سياسية بحتة يتوارثها ساسة البيت الأبيض كجزء من الطموح الأميركي بالسيطرة المطلقة على العالم وذلك عبر إيجاد بؤر صراع من شأنها أن تحد من النهوض الحضاري لأي أمة، فلست مؤمناً بأن الولاياتالمتحدة تحابي إسرائيل في صراعها مع العرب فقط إرضاء للوبي الإسرائيلي المتغلل في المجتمع الأميركي، لا أحد يختلف على وصف السياسة الأميركية بأنها سياسة جائرة خاصة تجاه قضايا الشرق الأوسط، لأنها المستفيد الأكبر من كل الصراعات في تلك المنطقة، فهي لن تسمح لإسرائيل بأن تمتد الى العمق العربي لأن الامتداد سيعرض المصالح الأميركية للخطر، وكذلك لن تسمح للعرب بأن يعقدوا مع الإسرائيليين أي معاهدة سلام، هذا بالضبط ما تعمل السياسة الأميركية جاهدة لترسيخه حتى يستمر الصراع. ويحضرني هنا ما قاله المفكر الأميركي نعوم تشومسكي المناوئ لسياسات بلاده في كتابه"ماذا يريد العم سام"وهو يهودي معتدل في طروحاته الفكرية، حيث يقول بما معناه ان أكثر ما يقلق الساسة في أميركا هو وجود حالة استقرار سواء اقتصادية أو سياسية في أي بقعة خارج السيطرة الأميركية، مستشهداً بالدور الأميركي إبان فترة رئاسة رونالد ريغان بتسليح الجماعات الإرهابية في كل من غواتيمالا وبوليفيا وغيرها من بلدان أميركا اللاتينية، وكل هذا بذرائع لا يستسيغها العقل مثل حماية الأمن القومي للولايات المتحدة أو نشر الديموقراطية وغيرها من الحيل الأميركية المضللة! لقد توصلت الى قناعة شخصية تامة بأن السلام بين العرب وإسرائيل لن يتم إلا على أنقاض السياسة الأميركية، لعل المستقبل القريب يوضح الرؤية أكثر حينما تزداد حدة التأزم في نسيج المجتمع الإسرائيلي. عيد موحان الظفيري - السعودية - بريد إلكتروني