يصعب على الواقف في"ساحة إسبانيا"بمدينة برشلونة، ألا يلاحظ الحضور القوي للتاريخ العريق فيها. إذ تنتصب في وسط الساحة نافورة عتيقة للمهندس الكتالوني جوزيب ماريا جوجول. وتبدو تلة"مونت جويك"وكأنها تصب شلالاً من التاريخ والثقافة في الساحة عينها، خصوصاً من خلال قصر"سان جوردي"ومتحف الفنان السريالي خوان ميرو، إضافة الى كونها الرئة الخضراء لبرشلونة. ويكمل التاريخ حضوره من خلال مبنى"لا فيرا دي برشلونة"ترجمتها"معرض برشلونة" الذي يحمل تصميمه لمسات من التاريخ الامبراطوري المديد لإسبانيا. ويجاور المبنى الملكي الطابع، برجان يتميّز تصميمهما بالأسلوب الذي روّجته مدينة البندقية الإيطالية إبان عصر النهضة، والذي يميل الى استخدام الرخام الأحمر ونحته بأسلوب بسيط وأنيق. والمفارقة أن هذه المشهدية التاريخية استضافت حدثاً ينتمي الى المجتمعات الغربية في زمن ما بعد الحداثة. فقد حلّت قمة"المجلس العالمي للاتصالات المتنقلة عبر شبكات الخليوي 2009"GSMA Mobile World Congress 2009 ضيفة على الأجنحة الثمانية الضخمة لمركز"لا فيرا دي برشلونة". وتزداد حدّة المفارقة في احتضان التاريخ العريق للحاضر الفائق الحداثة، عند دخول مبنى المركز الكاتالوني. ويبدو عبور الأبواب وكأنه رحلة في الزمن. فسرعان ما تضرب الأعين الشاشات الهائلة العدد والمتنوعة الأحجام، ولوحات الإعلان المشعة، والصور الرقمية التي"تكرج"على الجدران والمسطحات الزجاجية الملّونة وغيرها. ولم تساعد تلك البهرجة البصرية، القمة على النجاة من التعقيدات التي تضرب الحياة اليومية للجمهور، خصوصاً مستجدات السياسة والاقتصاد. وخصصت القمة يوماً لنقاش متعدد الأطراف حمل شعار"آفاق جديدة لتجارة جديدة". ومن بين مداخلات كثيرة، بزرت محاضرة هاورد ستيفنز المتخصص في الشؤون الدولية في شركة"ساي بايس 365". وتناول مصير الرسائل الهاتفية من خلال تحليل دورها في انتخابات الرئاسة الأميركية في العام 2008. وتوقع أن يصل عدد تلك الرسائل فى الولاياتالمتحدة الى 150 بليوناً عند نهاية هذا العام، وأنها قد تزداد الى أكثر من 200 بليون رسالة بحلول العام 2013، مع أكثر من 5000 بليون رسالة عالمياً. ولاحظ أن أوباما شكّل أول فريق رئاسي يتبنى استخدام التكنولوجيا في الانتخابات الرئاسية وبعدها. واستفاد من الرسائل الإلكترونية التي خاطبت جيل الشباب. واستطاعت أن تجمع ملايين الناخبين، الذين تفاعل معهم الفريق مباشرة من طريق رسائل الخليوي. وأضاف ستيفنز أنه خلال يوم الانتخابات، من الساعة الرابعة من بعد الظهر وحتى التاسعة مساءً، بثّت أكثر من 1.2 بليون رسالة خليوي قصيرة في الولاياتالمتحدة. وخلص للقول ان الرسائل القصيرة لديها القدرة على التأثير في الناس، وأن مستخدميها يستعملونها للحصول على المعلومات والأخبار، وأنها مرشحة لتكون وسيلة أساسية في نقل المعلومات وإزالة الحواجز بين الشعوب. وفي السياق عينه، تناولت محاضرة أخرى علاقة الهاتف بالأمراض وحماية الجوال. وركّزت على العلاقة بين الجوال وصحة حامله. وتحدثت عن نظام جديد في الهواتف النقالة يقرأ التقارير الطبية لحامل الجهاز ويخزّنها. وفي الحالات الطارئة، يتمكن الفريق الطبي من الحصول على تلك المعلومات لاستعمالها في العلاج. بطاقة خليوي لسقوط الجسد تبدو الممرات بين الردهات الثمانية الفارهة وكأنها متاهة ضخمة، تتحدى الزائر أن يلمّ بالأدوات والأجهزة والعروض التي تناثرت في ثناياها، وكأنها محطات في سفر طويل. هنا تنتصب منصات العروض للشركات الكبرى للاتصالات المشاركة في هذه القمة التي تعتبر أبرز حدث للاتصالات عالمياً. وهي مناسبة تنتظرها الشركات لعرض الأحدث في منتجاتها، ولنقاش الموضوعات والملامح التي ترسم الملامح العميقة للتطورات التكنولوجية في عالم الاتصالات وشبكاتها وأجهزتها وأدواتها. وفي هذه القمة والمعرض الذي يرافقها كالعادة، أكثرت الشركات من الاعتماد على العروض المباشرة لتقديم منتجاتها. وعلى منصة يكثر فيها المزج بين الزجاج والألومنيوم والأضواء، ظهر مهندس شاب من شركة"أوفيرتور تكنولوجيز"Oberthur Technologies ليعرض بطاقة هاتف خليوي تتخصص بالتفاعل مع حركة الجسد. ولم يخل عرضه من بعض الحماسة، خصوصاً مع تزايد عدد المشاهدين في معرض شكى منظموه من قلة إقبال الجمهور عليه، بالمقارنة مع قمم سابقة. وشدّد المهندس على قدرة هذه البطاقة على التفاعل مع حركة الأجساد. فمثلاً، فمن خلال هزّ الخليوي باليد بطريقة معينة، ترسل رسالة"أس أم أس"معدّة سلفاً. وإذا سقط حامل الخليوي أرضاً، كما يحدث للمصابين في الحالات الطارئة ولكبار السن، تنطلق رسالة نصية تلقائياً من البطاقة الى الإسعاف والأقارب، تعلمهم بمكان سقوط المصاب. وبديهي القول ان هذه البطاقة تتعامل مع"نظام تحديد المواقع"المعروف باسم"جي بي أس"GPS. وعلى منصة مشابهة، وقفت فتاة آسيوية الملامح ترتدي ملابس أوروبية من النوع العملي والأنيق، لتتولى عرض منتجات شركة"سامسونغ"الكورية الجنوبية. وحملت بيدها خليوي"الأرض الزرقاء"Blue Earth الذي اعتبرته من أبرز منتجات الشركة المعروضة في القمة. وعاونها في عرضها عدد من الموظفين الذين طغى على لباسهم اللون الأخضر الفاتح. ويعتبر"الأرض الزرقاء"الأول من نوعه لأنه يعمل على الطاقة الشمسية. وزوّد بألواح شمسية ثبّتت على الجانب الخلفي منه، إضافة الى أنه مصنوع من مواد أعيد تدويرها، خصوصاً زجاجات الماء. ويحتوي على برنامج"السير الايكولوجي"الذي يحتسب خطوات حامل الخليوي، مع رقم يشير الى كمية ثاني أوكسيد الكربون التي تلزم لقطع المسافة عينها بسيارة عادية. وكذلك يعطي رقماً عن عدد الأشجار التي أنقذت بأثر من تفضيل المشي على السيارة! وجرياً على عادة باتت راسخة، مالت كثرة من الشركات لاستخدام الجسد الأنثوي أداة لترويج المنتجات والسلع. ويعطي عرض شركة"أي مايت"Imate للمساعد الرقمي الشخصي الجديد"810- أف"810-F نموذجاً من ذلك الاستخدام. وظهرت على منصة الشركة 6 فتيات جميلات، إرتدين ملابس تميل للإثارة. واقتصر ما ارتدينه على بنطال قصير جداً، مع سكين معلق بساقه، وقميص أبيض مرفوع الأكمام، وكأنهن بصدد حرب وقتال! وتولى شاب عرض"810- أف". فبيّن أن الجهاز معد ليغطس في البحر أو النهر، ويصمد أمام دهسه بالسيارة! وفي السياق عينه، عرضت شركة"سونيم"Sonimm هاتف"كويست أكس بي 3"Quest XP3. يتميّز بلوحة مفاتيح كبيرة تجعل استخدام الهاتف سهلاً من خلال قفازات العمل، سماعات توصل الصوت لمن يعمل في الضوضاء، وعمر للبطارية 16 ساعة في الاستخدام، إضافة إلى كاميرا تصوير 2 ميغابيكسل، بلوتوث، كومبيوتر ومتصفح لشبكة الانترنت. وتبلغ متانة هذا الخليوي أن عروضه تضمنت الضرب على سطحه بالمطرقة ورميه في الماء وإلقائه أرضاً من أرتفاع يزيد على 3 أمتار.