لا يزال تساقط الشعر يشكل معادلة صعبة الحل في الوسط الطبي، صحيح ان هناك قفزات تحققت على هذا الصعيد، ولكنها متواضعة وبعيدة من تحقيق المطلوب، أي الحفاظ على الشعر واقفاً على الرأس من دون أن تهزه رياح الأسباب التي تحاول قلعه من جذوره من الفروة الممتدة على سطح الجمجمة.پ ولا تقتصر مشكة تساقط الشعر على منطقة أو بلد إذ انها منتشرة في كل أنحاء العالم وتصيب الرجال أكثر من النساء بسبب المكونات الوراثية. وإذا كان الشعر عند الجنس اللطيف يعتبر رمزاً للجمال، فإنه عند الجنس الخشن يمثل رمزاً للرجولة. يملك كل شخص في مرحلة المراهقة ما بين 80 ألف شعرة و120 ألفاً على فروة رأسه، كل واحدة منها لها عمر محدد تقضيه ومن ثم تبدأ شعرة جديدة في النمو لتحل محلها، لذلك من الطبيعي ان يتساقط الشعر بمعدل 100 شعرة يومياً، ولكن عندما يفوق عدد الشعور المتساقطة الرقم المذكور يخف الشعر تدريجاً في مقدم الجبهة وفي مؤخرة الرأس، وشيئاً فشيئاً يستوطن الصلع ليشكل مشكلة كلما توغل الإنسان في خريف العمر، خصوصاً لدى الرجال، لأن مظهرهم يكون أقل جاذبية ويبدون أكبر من عمرهم الحقيقي ببضع سنوات. ومما لا شك فيه ان هناك عادات سيئة متهمة بأنها تسبب تساقطاً للشعر، خصوصاً عند الجنس اللطيف، مثل شد الشعر العنيف، وتمليسه، والمبالغة في استعمال الدهونات ولفّ الشعر المتكرر وغيرها. وسنحاول في السطور الآتية التطرق الى الجانب العلمي لتساقط الشعر: العامل الوراثي يعتبر السبب الرئيس لتساقط الشعر الذي يعرف طبياً بالأندروجيني، لأن تساقط الشعر مرتبط بأحد أنواع هورمونات الذكورة"ديهيدروتيستوستيرون"الذي يرمز اليه اختصاراً ب"دي اتش تي"، إذ يقوم هذا الهورمون بإضعاف بصلات الشعر فتخف سماكة الشعر رويداً رويداً ليتهاوى بعد ذلك. ويأتي العامل الوراثي من طرف الأب أو الأم أو الاثنين معاً. ان تساقط الشعر بسبب العامل الوراثي يبدأ عادة في العشرينات من العمر ليتفاقم تدريجاً مع التقدم في العمر، وذلك بدرجات مختلفة في الشدة بين فرد وآخر. ان الشعر المتساقط لأسباب وراثية يذهب الى غير رجعة. ويمكن القول ان تساقط الشعر الوراثي يشتد حدوثه عند توافر عوامل أخرى لا علاقة لها بالوراثة. وعلى صعيد العامل الوراثي يعتقد العلماء بأن هناك جينات لها دورها، في شكل أو في آخر، في تساقط الشعر. وفي ما يتعلق بهذا الأمر، تمكن فريق من العلماء الصينيين من اكتشاف سبب وراثي لنوع معين من فقدان الشعر المبكر المؤدي الى الصلع قبل الأوان، أي قبل سن الرشد، ويعوّل البحاثة كثيراً على هذا الاكتشاف من أجل التوصل الى علاج يعمل على عرقلة مسار هذا النوع من الصلع بحيث يتمكن المعرضون للإصابة به من الاحتفاظ بشعرهم. وفي العام الماضي استطاع باحثون من جامعتي بون ودسلدورف الألمانيتين ان يرصدوا جينة مورثة ضالعة في تساقط الشعر، وهذه الجينة يمكن توارثها عبر كل من الأب والأم، في شكل متساو. وكان الباحثون أنفسهم اكتشفوا سابقاً أول جينة لها علاقة بتساقط الشعر، غير ان هذه يتم توارثها بواسطة الأم فقط. ويعتزم الباحثون معرفة الدور الذي تقوم به الجينة المذكورة في نمو الشعر، بهدف تطوير علاج ناجع للصلع. أما العوامل غير الوراثية التي تسبب تساقط الشعر، فهي كثيرة ومن بينها: الالتهابات الميكروبية الحادة، أمراض الغدة الدرقية، فقر الدم بنقص الحديد، بعض الأمراض المزمنة، استعمال مواد غير ملائمة للشعر، الصدمات النفسية، الحمل والولادة، بعض الأمراض الجلدية، بعض الأدوية، حبوب منع الحمل، النزوف الدموية الشديدة. والشعر هنا، على عكس ما هو عليه في العامل الوراثي، قابل للبزوغ مجدداً بمجرد زوال السبب الذي قاد الى تساقطه. لا ننس دور القشرة في تساقط الشعر، فهذه الصفائح البيض الصغيرة التي تتناثر على الرأس والتي يلحظها الآخرون قبل ان يراها صاحبها، تشكل تهديداً فعلياً لصمود الشعر. والقشرة ليست كما يتصور البعض ناتجة من ترطيب الشعر أو بسبب تراكم منتجات تصفيف الشعر على الفروة، بل هي تنتج من طرح بقايا الجلد الميت لجلد فروة الرأس، فخلايا هذه الأخيرة تتجدد باستمرار كغيرها من خلايا الجسم، ويتم التخلص منها على شكل صفائح صغيرة جافة بيضاء اللون تتساقط على الشعر والأكتاف. ولكن لسبب ما قد تتحول القشرة الى مشكلة فعلية، إذ تتسارع وتيرة تجديدها فتظهر القشرة في شكل مفرط. وتشير الأبحاث الحديثة الى ان نوعاً من الفطريات التي تنمو في شكل طبيعي على الفروة هو أصل البلية. وفي ما يبدو، هناك عوامل تساهم في زيادة تكاثر الفطريات لأنها توفر لها البيئة المناسبة من دفء ورطوبة، وبالتالي تحصل القشرة، ومن بين هذه العوامل: إهمال نظافة الفروة والشعر. تعريض فروة الرأس الى الحرارة الشديدة والمستمرة. صبغات الشعر ومثبتاته. زيادة إفراز العرق. الحمل والرضاعة. سوء التغذية. الطقس البارد. التدفئة الجافة في المنزل. ارتداء القبعات القليلة التهوئة. ان القشرة الغزيرة المرضية يجب علاجها قبل ان تستفحل وتخلّف وراءها ما لا تُحمد عقباه. وعدم زوال القشرة من الرأس بعد استعمال الشامبو الطبي المناسب يجب ان يدفع الى الاستشارة الطبية. من الناحية العلاجية لتساقط الشعر، فحتى الآن لم يتوافر الدواء الذي يسمح بوضع حد لتساقط الشعر، والبحث عنه جار على قدم وساق. يجدر التنويه هنا بأن رفوف الصيدليات والسوبرماركت مملوءة بالمستحضرات التي وصفوها بأنها توقف تساقط الشعر، والواقع ان هذه المنتجات الباهظة الثمن ما هي الا"ضحك على اللحى"، فالتحريات الطبية بينت ان لا فائدة ترجى منها، وحتى لو كان لها أثر، فهو نفسي فقط. في المقابل، هناك علاجان دوائيان بينت الأبحاث العلمية انهما قد يفيدان في ايقاف تساقط الشعر، الأول هو عقار"مينوكسيديل"الذي يستعمل موضعياً على فروة الرأس، وهناك تركيزان له: الأول 2 في المئة ويعطى للرجال والنساء، والثاني 5 في المئة ويوصف للذكور فقط، لأنه قد يسبب الشعرانية في الوجه عند المرأة. ويقوم ال"مينوكسيديل"بتنشيط بصلات الشعر التي ما زالت حية، في حين انه لا يؤثر في بصلات الشعر التي لا حياة فيها. ويعطي"المينوكسيديل"أفضل النتائج في حال كانت المساحة التي تساقط منها الشعر صغيرة. أما الدواء الآخر لتساقط الشعر فهو"فيناستريد"الذي يعمل على تثبيط انزيم"الفا- ريدكتاز"الذي يحول هورمون التيستوستيرون الى هورمون ديهيدروتيستوستيرون، ويوصف هذا العلاج يومياً ويعطى للذكور دون الإناث. أما الاعتقادات التي تقول ان تساقط الشعر ينتج من سوء سريان الدم في فروة الرأس، أو من الغسيل المتكرر للشعر، أو بسبب ارتداء القبعة، فهي اعتقادات خاطئة. ومن جهة أخرى، هناك من يتناول الكثير من المواد البروتينية ظناً منه أنها تمنع تساقط الشعر، ولكن التحريات العلمية بينت ان هذا التصرف لا يفيد البتة. على صعيد آخر، يحاول العلماء ابتكار طريقة جديدة للتغلب على مشكلة تساقط الشعر، تقوم على عزل الخلايا المنتجة للشعر من أجل زرعها وإكثارها في المختبر ومن ثم يتم غرسها في فروة الرأس لتعطي الشعر اللازم. نشر في العدد: 16764 ت.م: 26-02-2009 ص: 28 ط: الرياض