في بداية عصر جديد مع بنيامين نتانياهو لا بد ان يضع كثيرون في المنطقة أيديهم على قلوبهم. في المقدمة طبعاً هناك الفلسطينيون. فهذا الرجل، رغم ما ارتكبته اسرائيل من مجازر في غزة، لا يزال يعتبر ان تلك الحرب توقفت قبل أوانها، اي قبل القضاء على حركة"حماس"، اي انه لا يستبعد فتح الحرب معها من جديد، خصوصاً اذا استمرت التعقيدات المتعلقة بفتح المعابر وبإطلاق شاليت وبالخلاف الداخلي الفلسطيني. وبهذا يقف نتانياهو الى يمين كثيرين في اسرائيل، بمن فيهم تسيبي ليفني وايهود باراك، وقد لا يتفوق عليه في تطرفه سوى افيغدور ليبرمان، نظراً الى الطابع العنصري لمواقف هذا الاخير ضد العرب. مع ان ليبرمان لم يمانع في تولي نتانياهو رئاسة الحكومة ومشاركة حزب"يسرائيل بيتينو"فيها. هناك ايضاً العرب، من معتدلين وممانعين، الذين يجب ان يقلقهم هذا الاتجاه اليميني الذي اختاره الناخب الاسرائيلي. المعتدلون لا يستطيعون المضي في سياسات المبادرات ودعوات الحوار، فيما اسرائيل تذهب الى اقصى اليمين، ولا يجد زعيمها الجديد ما يقدمه كرد على مبادرات السلام، سوى تحسين الظروف المعيشية للفلسطينيين، من دون اي اشارة الى استعداد او نية للاتجاه الى حل القضايا العالقة، او قضايا الحل النهائي، التي كان متشدداً بشأنها خلال مفاوضات كامب ديفيد التي رعاها بيل كلينتون. اما الممانعون العرب فسيواجهون هم ايضاً زمناً بالغ الصعوبة مع رجل يعتبر ايران راعية للمحور المعادي لاسرائيل في المنطقة، ووجد مناسباً الاشارة الى خطرها في الكلمة التي القاها امام شمعون بيريز ليعلن موافقته على تشكيل الحكومة الجديدة. وبهذا ليس مستبعداً ان لا تختلف نظرة حكومة نتانياهو الى كل من سورية ولبنان، حيث يمكن ان يزداد نفوذ"حزب الله"بعد انتخابات الربيع المقبل، عن نظرته الى النظام الايراني نفسه، مع ما يمكن ان ينتج عن ذلك من التهاب الجبهات المقابلة والمتحركة الى حد بعيد بالتنسيق مع طهران، واهمها الجبهتان اللبنانية والغزاوية. ويجر الحديث عن ايران الى الحديث عن البرنامج النووي الذي لم يعد سراً ان اسرائيل، باتجاهاتها السياسية والحزبية كافة، تضعه على رأس المخاطر التي ترى انها تهددها، وتنوي مواجهتها خلال السنة او الثمانية عشر شهراً القادمة، على ابعد تقدير. ويزيد من جدية هذه المواجهة مضمون التقرير الاخير للوكالة الدولية للطاقة الذرية الذي اعتبر ان اواسط عام 2010 هي الموعد الذي يقدر ان تصل فيه ايران الى هدفها بانتاج قنبلة نووية. وكان التهديد الايراني، حتى قبل المساعي الحالية لتشكيل الحكومة الجديدة في اسرائيل، هو محور اللقاءات التي جرت بين كل من وزير الدفاع في الحكومة المستقيلة ايهود باراك ورئيس الاركان غابي اشكنازي مع كل من عضوي مجلس الشيوخ الاميركي، المقربين من باراك اوباما، جون كيري وجو ليبرمان، خلال زيارتيهما الاخيرتين الى اسرائيل. اما الصعوبة الكبرى مع نتانياهو فهي تلك الذي سيواجهها باراك اوباما. فإذا كانت لدى الرئيس الاميركي اي نية جدية في تسوية النزاع في الشرق الاوسط، فإن هذه النية ستواجه بعقبتين: تطرف اليمين الاسرائيلي على رأس الحكومة الجديدة وانحراف الاهتمام بالقضية الفلسطينية الى نقطة اخرى تتعلق بايران واستعداداتها النووية، من دون اغفال القدرة والاستعداد الايرانيين لتعطيل اي مسعى سلمي لا يتفق مع مصالحها، ولو كان ذلك على حساب حل عادل للنزاع. وهنا قد يجد اوباما نفسه يسير في خط مواز للخط الذي سيسير عليه نتانياهو حيال ايران، اي السعي الى تشديد العقوبات عليها وضم اوسع حلف دولي ممكن الى هذه العقوبات، مستفيداً من ان"اوباما ليس بوش"، خصوصاً ان الرئيس الاميركي اظهر نيته في التفاوض والحوار مع ايران اذا ابدت الاستعداد ذاته. اما بعد العقوبات وفي حال فشلها المنتظر في تغيير المسار الايراني، فإن"كل الخيارات تبقى على الطاولة"، كما يردد اوباما والوزيرة هيلاري كلينتون، وكما كرر بنيامين نتانياهو مؤكداً ضرورة تشكيل حكومة واسعة التمثيل، تستطيع مواجهة صعوبات المرحلة المقبلة. نشر في العدد: 16762 ت.م: 24-02-2009 ص: 17 ط: الرياض