لا يتمتع مناهضو التدخين بشعبية تذكر في مجتمع مثل المجتمع العراقي يحتل المرتبة الاولى في ممارسة"الانتحار البطيء". فعادة التدخين تنشأ مع العراقيين منذ الطفولة، اذ لا يخلو بيت من مدخن واحد على الأقل وتبدأ كعادة يومية بعد مغادرتهم مرحلة الطفولة ودخولهم عمر المراهقة. ومنذ ان اشتعلت اول سيجارة"بدائية"كان يتم صنعها يدوياً بلف التبغ في ورق خاص قبل اكثر من 100 عام وحتى هذه اللحظة لم تضع وزارة الصحة ولا الجمعيات المتخصصة بالصحة نظاماً لهذه العادة التي تحولت الى هوس مبكر. ويلفت زائري العراق ان التدخين امر مباح للجميع وفي كل الاماكن، عامة كانت أم خاصة. فلا اماكن محددة للمدخنين في المطارات او مواقف السيارات او مراكز الانترنت او المقاهي او الاماكن العامة او حتى في المنازل التي يستمتع فيها الأب المدخن بنفث دخان سيجارته بين اطفاله من دون أدنى شعور بالمسؤولية. ولشدة ما صار التدخين هو القاعدة السائدة، توجب على القلة المتبقية من غير المدخنين استنشاق دخان السجائر رغم أنوفهم التي ترفضه في احيان كثيرة. ويقابل التعبير عن الانزعاج بالاستغراب والسخرية من المدخنين الذين لا يأبهون للانتقادات التي يتعرضون لها واتهامهم بقلة النظافة، لا سيما عندما يطفئون سجائرهم برميها تحت حذائهم وترك الاعقاب مكانها. وتعاني زوجات المدخنين مشكلات عدة، اهمها عدم اهتمام ازواجهن بنظافة المنزل ورمي اعقاب السجائر كيفما اتفق بعيداً من سلة المهملات و"طفاية"السجائر التقليدية. وتحولت السجائر جزءاً من مستلزمات الضيافة التي تقدمها العائلة العراقية مثلما تقدم الشاي الى ضيوفها. وتقول زينب ناجي ان زوجها يرمي اعقاب السجائر على الارض ويطفئها في اي إناء فارغ يراه امامه، بل انه يطفئها احياناً في صحن الطعام، الامر الذي"يفقدها اعصابها"، كما تقول. وتبدو النساء المدخنات اكثر تحفظاً من الرجال بسبب التقاليد السائدة، اذ تمتنع غالبيتهن عن التدخين في الاماكن العامة وفي مواقع العمل والدراسة، ويفضلن التدخين داخل منازلهن او في الحمامات العامة بعيداً من عيون الدخلاء. وتؤكد جميلة عبد الرسول 36 عاماً المدخنة منذ اكثر من عشرين عاماً انها استنشقت دخان اول سيجارة في حياتها في حفلة عيد ميلاد احدى صديقاتها في المدرسة واستمرت على عادتها في التدخين داخل الحمامات العامة في مدرسة الطالبات حتى باتت السيجارة جزءاً منها ومتنفساً لهمومها. وترفض جميلة التدخين امام زملائها في العمل لخوفها من نظرة المجتمع الذي يصنف التدخين ضمن العادات السيئة للمرأة، وتقول انها تدخن عشر سجائر في الصباح قبل خروجها للعمل كي تتمكن من تحمل الابتعاد عن السيجارة لساعات طويلة قبل عودتها الى المنزل. وتعترف بأنها تلجأ الى الحمامات أحياناً للتدخين اثناء العمل إذا فقدت صبرها. وتضيف:"اصبحت مدمنة حقيقية، فأنا ادخن بين 40 و50 سيجارة يومية، ولا اطيق الابتعاد عن سيجارتي اكثر من ساعتين". وعلى رغم التحذيرات التي تطلقها وزارة الصحة حول خطورة التدخين، الا ان عدم وجود تحرك جدي حول الموضوع جعل تلك الاعلانات فولكلوراً سنوياً يستمر اسبوعاً واحداً من كل عام تضامناً مع اليوم العالمي لمكافحة التدخين. نشر في العدد: 16761 ت.م: 23-02-2009 ص: 23 ط: الرياض