قبل زيادة القوات الأميركية في العراق سنة 2007، والجدال حامٍ حول انسحاب تدريجي كما اقترح جيمس بيكر ولي هاملتون أو زيادة القوات كما اقترح فردريك كاغان والمحافظون الجدد، كتبت في هذه الزاوية ان الإرهابيين سيتركون العراق الى أفغانستان اذا زيدت القوات، وانهم سيعودون الى العراق، اذا خفضت القوات الاميركية في العراق، او إذا زيدت في أفغانستان. وكتبت بعد زيادة القوات وانحسار الإرهاب نسبياً في العراق ان الإرهابيين عادوا الى أفغانستان، وكررت هذا الرأي في عدد من المقالات التي استطعت العثور عليها في الأرشيف. الرئيس باراك أوباما أعلن قبل يومين زيادة القوات الأميركية في أفغانستان 17 ألف جندي لينضموا الى 35 ألف جندي أميركي هناك، فيما إدارته ماضية في تنفيذ وعده الانتخابي بدء انسحاب عسكري تدريجي ومسؤول من العراق. عندي علامات استفهام حول الانسحاب من العراق، فأنا أخشى أن تبقى قوات أميركية تراوح بين عشرة آلاف رجل و15 ألفاً بحجة التدريب أو ما الى ذلك. أبقى مع سياسة الإدارة الجديدة إزاء أفغانستان، فالمبعوث الأميركي الخاص ريتشارد هولبروك زار المنطقة، واستُقبل ووُدع بانفجارات وهجمات لتذكيره بأن طالبان انتصرت. وهو سيعد تقريراً لقمة يعقدها حلف ناتو في نيسان أبريل لزيادة قوات دول أخرى أعضاء أسوة بالزيادة الاميركية. لست من الغرور أن أعرض في هذه السطور حلاً للمشكلة الأفغانية لم يفكر به أساطين السياسية والحرب الأميركيون وحلفاؤهم. غير أنني أريد لباراك أوباما ان ينجح في العراق لأن النجاح يجرّ النجاح، ونحن جميعاً نريد له أن ينجح في معالجة الأزمة المالية العالمية، ودفع الفلسطينيين والاسرائيليين الى تسوية سلمية، اذا تحققت فستزيل أقدم سبب وأهم سبب لسوء علاقة الولاياتالمتحدة مع العرب والمسلمين، وتحرم الإرهابيين من نوع القاعدة أمضى أسلحتهم في الحرب المزعومة على الصليبيين واليهود. وفي هذا المجال فقد سرني أن أرى وزيرة الخارجية هيلاري كلينتون تزور أندونيسيا بهدف تحسين العلاقات مع المسلمين، وان يستقبلها في المطار صغار من مدرسة أوباما عندما أقام هناك ودرس. شخصياً، أريد أن ينجز أوباما وكلينتون ما أعيى ادارة بوش، وفي حين لا موقف لي من زيادة القوات في أفغانستان أو خفضها، فإنني أصر على أن لا حل عسكرياً للمواجهة هناك، وأفغانستان كانت أصعب ما واجهت الامبراطورية البريطانية عندما كانت الشمس لا تغيب عنها، وهي كانت في أيامنا مقبرة الاتحاد السوفياتي. بين الإشارات المشجعة الاتفاق على أن تكون الشريعة أساس الحكم في وادي سوات في شمال غربي باكستان قرب الحدود مع أفغانستان، وما يبدو من استعداد الرئيس حميد كرزاي، بل حماسته، للتفاوض مع طالبان. كذلك أجد مشجعاً النشاط السعودي كما رأينا في زيارة الأمير مقرن بن عبدالعزيز، رئيس الاستخبارات، فالمملكة العربية السعودية والولاياتالمتحدة أقامتا علاقات مع طالبان في التسعينات، حتى لو انكرت أميركا ذلك اليوم. بين الإشارات المحبطة الغارات الجوية التي تقوم بها طائرات بلا طيار تديرها وكالة الاستخبارات المركزية الأميركية، فهذه تطلق صواريخ تستهدف رجال طالبان والقاعدة وتصيب في كل مرة تقريباً مدنيين، ففي أول غارة من هذا النوع بعد دخول أوباما البيت الأبيض قتل 30 شخصاً غالبيتهم من المدنيين، وفي غارة تزامنت مع رحلة هولبروك قتل حوالى 20 شخصاً، أيضاً غالبيتهم من المدنيين. طالبان متخلفون دينياً وإنسانياً، والقاعدة منظمة إرهابية مجرمة، إلا أن قتل المدنيين غير مقبول لذاته، ثم انه يُقوي حجة الإرهابيين ويضعف حكومتي كابول وإسلام آباد في مواجهتهم. وكانت الأممالمتحدة أصدرت تقريراً يقول إن القتلى المدنيين في مناطق القتال بين أفغانستانوباكستان بلغوا 2118 رجلاً وامرأة بزيادة 40 في المئة على سنة 2007 التي قتل فيها 1523 مدنياً. أزعم أن زيادة القوات والغارات لن تحل المشكلة، وان المطلوب ان تستعمل إدارة أوباما"القوة الذكية"التي وُعدنا بها فتضرب وتفاوض، وتنسى قصة الديموقراطية، وهي أصلاً كذبة من إدارة بوش، لتركز على حلول تناسب الشعب الأفغاني وشعوب المنطقة، فكلنا يريد لباراك أوباما النجاح لأنه لو نجح فسننجح معه. نشر في العدد: 16759 ت.م: 21-02-2009 ص: الأخيرة ط: الرياض