منذ وطأت قدما باراك أوباما البيت الأبيض في العشرين من كانون الثاني (يناير) 2008، يتحدث الرئيس الأميركي عن الحرب في أفغانستان على أنها «حرب ضرورية»، منتقداً تجاهل جورج بوش أفغانستان وتركيزه على العراق - التي اعتبرها أوباما «حرباً اختيارية». ولذا عكف وأعضاء إداراته على إعادة صوغ الاستراتيجية الأميركية بإعادة التركيز على أفغانستان حيث ينشط تنظيم «القاعدة» - المتهم بارتكاب أحداث الحادي عشر من أيلول (سبتمبر) 2001 - وحركة «طالبان» بصبغتها الأفغانية والباكستانية. في الأشهر الأولى من حكمه قام أوباما بتعيين الجنرال ستانلي ماك كريستال قائداً للقوات الأميركية وقوات حلف شمال الأطلسي (الناتو) في أفغانستان ليخلف الجنرال ديفيد ماكيرنان. كما أحدث تحولاً في السياسة الأميركية بدعوة حلفاء الولاياتالمتحدة (الإقليميين والدوليين) لمساعدتها في الخروج من المستنقع الأفغاني لأن تأثيره لم - ولن - يقتصر على أمن الولاياتالمتحدة، ولكن على الأمن العالمي أيضاً. ففي 24 آذار (مارس) 2009 أصدر البيت الأبيض استراتيجية جديدة حيال أفغانستانوباكستان، لكنها كانت غير ناجحة من وجهة نظر ماك كريستال الذي قال في تقريره حول تقويم الوضع الاستراتيجي للنزاع الأفغاني: «إن الاستراتيجية الأميركية في أفغانستان غير ناجحة»، واصفاً الوضع هناك ب «الخطير»؛ ولذا دعا في تقريره إلى مراجعة الاستراتيجية الأميركية في أفغانستان، واستراتيجية القوات الدولية في معركتها مع حركة «طالبان». وبعد جدل ونقاش بين أقطاب الإدارة الأميركية، بخاصة بين وزيرة الخارجية هيلاري كلينتون ونائب الرئيس جو بايدن والسفير الأميركي في أفغانستان كارل ايكنبيري، وماك كريستال وكثير من الخبراء العسكريين، أدخل أوباما في الأول من كانون الأول (ديسمبر) 2009 تعديلات على استراتيجيته السابقة. هذه الاستراتيجية تقوم بالأساس على إرسال 30 ألف جندي إضافي من القوات المسلحة الأميركية إلى أفغانستان لتعزيز الجهود التي يبذلها 68 ألف جندي موجودين هناك بالفعل. وتهدف الاستراتيجيات الأميركية في أفغانستان بالأساس إلى تعطيل وتفكيك وإلحاق الهزيمة ب «القاعدة» في أفغانستانوباكستان والحيلولة دون قدرتها على تهديد أميركا وحلفائها من أي من البلدين في المستقبل. انطلاقاً من قناعة مفادها بأن أفغانستان أضحت بؤرة للتطرف العالمي وموقعاً رئيسياً لقيادة «القاعدة»، والأرض التي تعتبرها العشرات من الجماعات الإرهابية المؤتلفة مع «القاعدة» وطناً لها. وفي تحول جديد في الاستراتيجية تجاه أفغانستانوباكستان، ويقين الإدارة الأميركية أن القوة الصلدة ليس بمفردها الحل للمعضلة الأفغانية، أعلنت وزيرة الخارجية قبل أيام من توجهها إلى لندن لحضور مؤتمر دولي في شأن القضية الأفغانية عن تعديل جديد لاستراتيجية أوباما التي أعلنها في أوائل كانون الأول (ديسمبر) الماضي، تركز تلك الاستراتيجية على بعد القوة الآخر وهو القوة الناعمة. فتحدثت الاستراتيجية الجديدة التي أعدها مكتب السفير ريتشارد هولبروك الممثل الخاص للولايات المتحدة في أفغانستانوباكستان عن أنه ستكون هناك زيادة كبيرة في أعداد الخبراء المدنيين المصاحبين للمساعدات المدنية. فمن المقرر أن يزيد عدد المدنيين الأميركيين في أفغانستان إلى ثلاثة أمثال (من 320 فرداً إلى ما يقرب من ألف شخص)، وسيأتون من وزارات وهيئات الحكومة الأميركية مثل الزراعة والعدل ومكتب التحقيقات الجنائية الفيديرالية وإدارة مكافحة المخدرات والمالية والأمن الوطني. وفي مؤتمر لندن في 28 كانون الثاني (يناير) الماضي وافقت الولاياتالمتحدة وسبعون دولة على إنشاء «صندوق السلام وإعادة الدمج» كحافز ليتخلى مقاتلي «طالبان» عن السلاح وخروجهم من ميدان المعركة وإعادة اندماجهم في المجتمع الأفغاني. وتهدف الولاياتالمتحدة من هذا التوجه الجديد إلى كسب الأفغانيين الذين لا يعتقدون بمبادئ حركة طالبان وتنظيم القاعدة، لكنهم ينضمون إلى صفوفهما من أجل المال في ظل تدهور الأمور الاقتصادية ومستويات المعيشة في أفغانستان. وفي هذا السياق يرى مكتب ريتشارد هولبروك أن التعليل المنطقي لبرنامج إعادة الدمج هو أن «ما يزيد على 70 في المئة من المواطنين الذين يقاتلون في صفوف «طالبان» ليسوا ملتزمين عقائدياً تجاه «القاعدة» و «طالبان» بل يقاتلون بسبب تظلمات محلية، أو أنهم ضللوا بالنسبة الى أهداف التحالف وحضوره في أفغانستان، كما لم يجر إعداد برنامج جيد لدعوة هؤلاء المقاتلين للعودة إلى مجتمعهم». ولذا بدأت الإدارة الأميركية التركيز على كسب تلك الفئات من خلال توفير المال لجذبهم بعيداً من صفوف الحركة والتنظيم. وفي كلمتها في مؤتمر لندن قالت كلينتون: «نتوقع أن يتخلى الكثير من المقاتلين العاديين في ميادين المعارك عن «طالبان» لأن كثيرين منهم أنهكهم القتال. ونحن في حاجة الى حوافز لحمايتهم وتوفير بديل للأجور التي كانوا يتقاضونها كمقاتلين في صفوف طالبان». مع أن الانخراط في حوار مع حركة طالبان هو أحد الخيارات للتعامل مع الأوضاع المتردية في أفغانستان في ظل صعوبة حسم العمل العسكري بمفرده الأمور هناك، حيث يسمح الحوار مع أجنحة الحركة بعزل العناصر المتطرفة عن تلك التي تم إقحامها في حركة التمرد - سواء كان من طريق التهديد أم الحوافز -، كما أن إعلان الولاياتالمتحدة عن رغبتها في التحاور مع أعدائها يحسن من صورتها على المستوى المحلي، إلا أن هذا الحوار مفعم بالمخاطر، استناداً إلى أن المحاولات السابقة للحوار مع الحركة لم تبؤ بالفشل فحسب بل امتدت آثارها إلى ارتفاع مستوى العنف في البلاد، فضلاً عن زيادة نسبة الخسائر التي تكبدتها قوات التحالف. ناهيك بأن الحركة تهدف من الحوار لشراء مزيد من الوقت لإعادة بناء قوتها وإعادة سيطرتها مرة أخرى على الأراضي الأفغانية، وأنها لن تلتزم بأي تعهدات يفرضها الحوار، حيث ترفض الحركة التخلي عن دعم تنظيم القاعدة وقياداته. وفي حقيقة الأمر تواجه فرص نجاح الانفتاح والحوار الأميركي على حركة طالبان صعوبات وتحديات جمة، نجمل بعضها في ما يلي: أولاً: من الصعوبة تحديد المعتدلين في طالبان الذين يتحدث عنهم الرئيس الأميركي ومن ورائه القوى الغربية. ذلك صعب في ظل التغيرات المستمرة في قيادات الحركة. يضاف إلى ذلك عدم وجود حوار علني بين الحركة والمجتمع الدولي يستند عليه في القول بأن هذا الفريق أكثر اعتدالاً من ذاك. ثانياً: من الصعب قبول أي من طرفي الحوار شروط الآخر، فكل منهما فرض شروطاً مسبقة على الحوار يصعب أن ينصاع لها أي منهما في ظل عدم نجاح أي من طرفي الصراع في هزيمة الآخر. فشروط الولاياتالمتحدة قبول الحوار مع طالبان تدور حول ضرورة اعترافها بالعملية السياسية الأفغانية وقبول نظام «كارزاي» والدستور الأفغاني «العلماني»، ناهيك عن تخليها عن دعم تنظيم القاعدة وإلقاء سلاحها ونبذها للعنف. ومن جانبها تطالب الحركة بخروج القوات من أفغانستان، واعتبار الدستور الإسلامي هو المرجعية الأساسية، وهي شروط تبدو تعجيزية، تهدد أي فرص نجاح التمهيد للحوار. ثالثاً: الانقسام داخل الحركة ذاتها حول جدية الانفتاح والحوار الأميركي. ولا يقتصر الأمر على الانقسام داخل الحركة، ولكن، هناك انقسام محتدم داخل الساحة السياسة الأفغانية ذاتها، حيث ترى قوى سياسية أفغانية أن الحوار وانفتاح الحكومة الأفغانية على الحركة يُهدد العملية السياسية برمتها، وأنه سيعمل على إضعاف الحكومة الأفغانية أكثر مما هي عليه الآن. رابعاً: التنافس المحتمل بين دول الجوار في ظل تعكر صفو العلاقات بين تلك الدول، لا سيما بين إيران والسعودية، وتنافس تلك الدولتين مع تركيا على دور إقليمي في منطقة القوقاز وجنوب شرقي ووسط آسيا من جهة، فضلاً عن إمكانية استغلال طهران دورها في أفغانستان لمقايضة واشنطن على ورقتها النووية مثلما الحال مع الورقة العراقية التي تلوح بها في وجه أميركا. خامساً: أن دول الجوار تفرض قبل القيام بدور الوساطة شروطاً من الصعب تحقيقها. فالمملكة العربية السعودية ترفض التوسط قبل تنفيذ الحركة الشروط التي وضعها وزير الخارجية السعودي سعود الفيصل، وفي مقدمها تخلي «طالبان» عن تأمين ملاذات آمنة للإرهابيين ولزعيم تنظيم القاعدة بن لادن والتخلي عن اتصالاتها به، وأخيراً أن يأتي طلب التوسط رسمياً من أفغانستان. يتوقف نجاح الولاياتالمتحدة في أفغانستان وخروجها المشرف ونقل قيادة أفغانستان إلى أهلها مع منتصف العام المقبل (2011) بحسب ما تشير الاستراتيجية الأميركية على جملة من العوامل بدأت الإدارة الأميركية تركز عليها لئلا تكون أفغانستان مرتعاً لحركة طالبان ومن ورائها تنظيم القاعدة. ترتبط أولى تلك العوامل باستقرار باكستان والحد من التطرف داخل حدودها، وثانيها تمكين الحكومة الأفغانية من بسط نفوذها وإحكام سيطرتها على أنحاء البلاد وتهيئة الظروف الملائمة للانسحاب الأميركي التدريجي. ثالثها أن المدخل الملائم لتحقيق المصالحة، في أفغانستان يكمن في وضع خطة كاملة للتنمية وإعادة الإعمار في أفغانستان وتدعيم دور لجنة المصالحة مع التركيز على تحقيق الأمن لاجتذاب تأييد المواطنين وزعماء القبائل الأفغانية لاحتواء نفوذ حركة طالبان. في حين يتمثل آخرها في صعوبة توفير الأمن والاستقرار في أفغانستان بمفردها من دون شراكة فاعلة للأطراف الإقليمية، خصوصاً باكستان والسعودية وإيران وتركيا. * محرر «تقرير واشنطن» - أحد مشاريع معهد الأمن العالمي في واشنطن.