غادر البريطانيون الكثير من مستعمراتهم السابقة تاركين مشاكل أساسية شبه القارة الهندية، فلسطين، العراق، السودان، فيجي... الخ. كانت سيلان استقلت عام 1948 وأصبح اسمها سريلانكا عام 1972، وضع شبيه بفيجي التي تفجرت مشاكلها، إثر الاستقلال عام 1970، مع انفجار النزاع بين الهنود المهاجرين الى تلك الجزيرة الباسيفيكية القريبة من أستراليا ونيوزيلندا في عهد الاستعمار، والمتولين مناصب رئيسة قبل الاستقلال وبعده، وبين السكان الأصليين. كان التاميل 20 في المئة من سكان سريلانكا ويقطنون شمال وشمال شرق البلاد وبينهم 9 في المئة جلبهم البريطانيون منذ 1796 من جنوبالهند للعمل في مزارع الشاي ذوي حظوة في عهد الاستعمار، بخلاف وضع الأكثرية السنهالية 72 في المئة، المعتنقة للبوذية، فيما التاميل الهندوس أو المسلمون في الجنوب والشرق 7 في المئة. لذلك، كان من أوائل الخطوات التي قام بها البرلمان السيلاني، بعد قليل من الاستقلال، حرمان التاميل، ذوي الأصول الهندية، من المواطنة، وهو ما توسع ليشمل التاميل الآخرين، المهاجرين بين القرنين الثاني عشر والخامس عشر من جنوبالهند، عبر التمييز ضدهم في الإدارة وفي الجيش 98 في المئة من منتسبيه سنهاليون وفي تهميش مناطقهم عبر انعدام أو قلة الاستثمار الحكومي فيه. توبع هذا النهج عام 1956 مع تبني حزب الحرية، بزعامة رئيسة الوزراء باندرانايكا، قراراً بجعل اللغة السنهالية اللغة الرسمية، وهو ما عززته أرملته المتولية رئاسة الوزراء بالسبعينات من القرن الماضي التي جعلت البوذية عام 1972 ديانة رسمية كان وزير العدل من الحزب التروتسكي. ووصل هذا الى ذروته في دستور 1979 مع تولي الحزب الوطني المتحد السلطة، وهو المازج في بوتقة واحدة للقومية السنهالية بالتعصب البوذي بالترافق مع نزعة يمينية الذي كرّس نظاماً رئاسياً وأضعف مظاهر اللامركزية الإدارية، واتجه الى إلغاء التأميمات والإصلاح الزراعي، ما أصاب التاميل في شكل رئيس، سواء كانوا مزارعين فقدوا مورد الرزق أو كانوا عمالاً حضريين أصبحوا عاطلين من العمل. على تلك الخلفية ضد التاميل منذ1948، تأسست منظمة"نمور التاميل"في 5 أيار مايو 1976، خصوصاً بعد وصول"الحزب الفيديرالي التاميلي الى الطريق المسدود في مجال تأمين مطالب التاميل، ليأتي"نمور التاميل"بنهج مضاد يطالب بدولة مستقلة لمناطق شمال وشمال شرق سريلانكا، أي لما يسمونه"تاميل عيلام"، فيما تسمى أرض التاميل في الهند"تاميل نادو". واتجه النمور الى العنف المسلح بخلاف النزعة البرلمانية السلمية للحزب الفيديرالي التاميلي. مؤسسو"نمور التاميل"شبان وشابات، ومنهم زعيمها فيلوبيلاي برابهاكاران مواليد 1954، وهي ضمت فقراء المناطق الحضرية والريفية واستطاع"نمور التاميل"، مع بدء نشاطهم المسلح في تموز يوليو 1983، تصفية المنظمات التاميلية المنافسة خلال الثمانينات، وتحويل مدينة جافنا الى مركز للعمل التاميلي بدلاً من مدارس عاصمة ولاية تاميل نادو الهندية. وتوسلوا العمليات الانتحارية، خصوصاً بواسطة نساء نفذّن عمليات اغتيال راجيف غاندي 1991 والرئيس السريلانكي بريماداسا 1993 ومحاولة اغتيال الرئيس السريلانكية كومار اتونغا 1999، وهي ابنة الزوجين"باندرانايكا"، كذلك محاولة اغتيال قائد الجيش السريلانكي الجنرال فونسيكا عام 2006. العلاقة بين تاميل سريلانكا وتاميل الهند تضغط على الحكومة الهندية، وتجاوزت موجات التعاطف مع"نمور التاميل"مدراس لتصل الى نيودلهي، ولكن، عندما قرر رئيس الوزراء الهندي راجيف غاندي إرسال قوات الى مناطق النزاع السريلانكي عام 1987، إثر اتفاق مع حكومة كولومبو بإعطاء التاميل حكماً ذاتياً مقابل إلقائهم السلاح، انقلب المشهد مع رفض"نمور التاميل"الاتفاق ودخولها في صدامات مسلحة مع القوات الهندية التي انسحبت عام 1990. هذا الانفجار المكشوف للنزاع السريلانكي امتد طوال عقد التسعينات، حتى الوصول الى اتفاق شباط فبراير 2002 لوقف إطلاق النار والدخول في محادثات سلام في النروجد أفضت الى التوافق على أن يسيطر نمور التاميل على 15 ألف كيلومتر مربع من أراضي الشمال والشمال الشرقي وإدارتهم تلك المناطق، من بلدة كيلينوتشي. كان الاتفاق محاولة من"نمور التاميل"لاتقاء آثار 11 ايلول عليهم، بعد أن كانوا"أساتذة"في العنف وكان الآخرون مقلدين لهم، وبالذات إثر قيام لندن، بعد قليل من الحدث النيويوركي، بحظر نشاط منظمتهم على أراضيها فيما كان تاميل بريطانيا وكندا الداعم المالي الرئيس لهم طوال ربع قرن. ولا يمكن عزل إسقاط"نمور التاميل"عام 2003 مطلبهم بدولة مستقلة مكتفين بحكم ذاتي مناطقي عن تلك الأجواء، ليستغلوا، مع رفض الحكومة المركزية لذلك، انقسام مشاعر الحكومات الغربية بين كولومبو وكيلينوتشي البلدة التي يريد منها التاميل حكمهم الذاتي. في المقابل، كانت الحكومة المركزية، التي عانت من هزائم عسكرية كبرى في التسعينات، ميَالة الى جعل الاتفاق محطة للاستراحة والتهيؤ لجولة حاسمة من النزاع، وهي كانت تعي، في ظرف وصل معدل التضخم الى 20 في المئة عام 2006، بأن استغلال عواطف الأكثرية السنهالية التي تشكل البوذية وقود عواطفها القومية ضد التاميل الهندوس، وتثميرها لهزيمة"نمور التاميل"، سيكون الملاذ الآمن لها من الانهيار في المصاعب الاقتصادية الخانقة. هذا كله قاد الى جعل محادثات النروج بلا أفق، حتى انفجر العنف من جديد عام 2006، ليصل عبر مراحل متقطعة ومتدرجة الى حرب مكشوفة، بدأت مع إعلان الحكومة، في كانون الثاني يناير 2008، عدم التزامها وقف إطلاق النار. وحتى نهاية الشهر الأول من 2009، خفض الجيش السريلانكي مساحة سيطرة"نمور التاميل"من 15 ألف كيلومتر مربع الى 300 كيلومتر مربع، وليحصرهم في شريط ضيق من الغابات المحاذية للساحل الشمالي الشرقي، وهذا ما دفع الرئيس السريلانكي راجاباكسا الى الإعلان في 2 شباط الجاري أن جيشه"على وشك تحقيق النصر"وليعلن أن"سلام التاميل وحريتهم تأتيان بعد هزيمة نمور التاميل"، مطالباً إياهم باستسلام غير مشروط. * كاتب سوري نشر في العدد: 16750 ت.م: 12-02-2009 ص: 14 ط: الرياض