"العُرُوْبَةَ"كمصطلح قومي جوهري، خاص ودالّ دلالة واضحة وكافية على هويةٍ جامعة للأمة العربية، تتطَلَّبَ"إعادة نظر"شاملة ودقيقة مَظْهَراً ومخبَراً معاً، لمعرفة ما إذا كانت كنظرية سياسية متكاملة، لم تزل قابلةً للحياة والاستمرار من خلال استعراض ما لازَمَها، تاريخياً من فشَلٍ على الصعيد الإجرائي منذ بدايات نشوئها مع ظهور الدول العربية المستقلة، وحتى اليوم. وفي الاستنتاج النهائي، فإن هذه النظرية يمكن أن تعيش - وبقوة - الى ما لا نهاية، بشرط إجراء التعديلات والتغييرات المطلوبة، من خلال إضفاء"حلّة جديدة"، بالكامل، على جوانب مَظْهَرها ومحتوياتها، تمكِّنها من العيش، بأقلّ قدرٍ ممكن من الخسارات. هذا ما يؤكّده كتاب"العروبة والقرن الحادي والعشرون"الصادر عن الدار العربية للعلوم ناشرون - بيروت، والمتضمِّن أعمال المؤتمر البحثيّ الذي عقده،"تيّار المستقبل"في بيروت، في الفترة ما بين 25 و28 من شباط فبراير 2009، في عنوان:"مستقبل العروبة في القرن الحادي والعشرين"في رعاية الرئيس سعد الدين الحريري. شارك في المؤتمر واحدٌ وعشرون باحثاً عربياً ولبنانياً. على خلفية السؤال/ الهاجس والوارد في تقديم الوزير حسن منيمنة عضو الهيئة التنفيذية لتيار المستقبل - ومنسِّق عام المؤتمر:"أي عروبة نريد؟"، أو السؤال الآخر المُماثل، الوارد في النصّ التمهيدي لمحمد حلمي عبدالوهاب:"كيف نجدّد عروبتنا بما يتواءم مع عصر العولمة؟". وكان لا بدَّ من الجواب في صرخة مدويّة، لأن الهاجِس الأكبر هو الخوف على مستقبل العروبة، أو كما يقول عبدالوهاب:"نحن في أمسِّ الحاجة الى عروبة جديدة، يكون همّها الرئيس منصبّاًَ على تحقيق الديموقراطية والمواطَنَة... عروبة جديدة تُؤمْن بأن"تحرير المواطن"أهم من"تحرير الوطن"وأن"الحريّة"مُقدَّمةٌ على تحقيق الوحدة". من هنا، كان هذا الكتاب، بهدف"إعادة صياغة مشروعنا العربي النهضوي لإعادة وصْل العروبة بالعالم وبالحداثة، خارج الهويّات الضيِّقة من طائفية أو مذهبية..."مع حتميّة عَدم نسيان أن"قضية فلسطين"هي جوهر عروبتنا". وعلى ذلك توزعت مادة الكتاب على محاور خمسة أولها:"العروبة موضوعاً للجدل السياسيّ، تساؤلات الهويّة في التجربتين العربية والغربية". ودار المحور الثاني حول"العروبة وتحولاتها في الفكر العربي المعاصر"وتضمن بحثاً في"أي عروبة تصحّ في القرن الحادي والعشرين؟"، وذلك لن يكون إلا من خلال تطبيق منهجيّة العِلم الاجتماعي المعاصر التي تحاول رسم الواقع من خلال رصد أهم الآراء والاتجاهات عبر إجراء دراسات مَسْحيّة ميدانية لاستطلاع رأي الجماهير. وعنوان المحور الثالث"العروبة في الصيغة اللبنانية وتحولاتها في ظلّ البيئة الإقليميّة والدولية المتغيِّرة"، وفيه شدد الوزير طارق متري تحت عنوان"العروبة والمستقبل، الحالة اللبنانية نموذجاً"،"على حاجتنا الى نقاشٍ متجدّد وبلغة متجددة في مسألة العروبة ومستقبلنا معاً". كما أكد حسّان حلّاق، في ورقته المعنونة ب"زمن التحولات من العثمنة والتتريك الى العروبة والإصلاح"، على عروبة لبنان التي تمتدّ بجذورها التاريخية الى خمسة آلاف عام على الأقل". أما مشير باسيل عون فتحدث عن"الفكر العربي الديني المسيحي في تصوّره العروبة المقبلة"سائلاً"هل ان الاستفسار المسيحي عن العروبة يتمايز عن الاستفسار الإسلامي؟ وكيف؟ ذلك أن العروبة فعلٌ قبل أن تنقلب نظريةً". ويتناول المحور الرابع"جدل العروبة والمواطَنَة: قضايا الديموقراطية وحقوق الإنسان"ويحتوي على أربعة أوراق منها، ورقة سعيد بن سعيد العلوي:"العرب والديموقراطية"، وخلُص فيها الى القول:"إن الاستبداد في العالم العربي جزءٌ من المكوِّن المعرفي. اللاشعوري للإنسان العربي، ممّا أتاح إعادة إنتاجه الاستبداد بشكل سهلٍ ومستمر". ومن جهته بحث فالح عبدالجبّار، في ورقته"إشكاليات الوطني والإثني في التجربة العراقية المعاصرة"مشدّداً على التواشج العضوي العميق بين النزعة القومية والدولة القومية، معتبراً أن النزعة القومية كمفهوم ونظرية وحركة أو أيديولوجيا برزت الى الوجود بعد الظهور الفعلي للدولة القومية في العالم. والتفَّت أوراق المحور الخامس والأخير حول"مستقبل العروبة في القرن الحادي والعشرين". وتحدث برهان غليون في ورقته عن"عروبة القرن الحادي والعشرين"، مستخرجاً من مبدأ الانتماء القومي للعروبة، إشكالياتٍ لأوجهٍ متعددة ومتنوعة، تبعاً لاحتياجات الناس المتغيِّرة، ورأى"أن العروبة قد تكون رديفة للفكرة الاستبدادية، أو انها أيديولوجية عنصرية، أو أنها كما كانت منذ نشأتها على أنقاض الدولة العثمانية، مشروع تغيير أو موضوع ثورة على الماضي. بهذا المعنى مؤكداً لا تبدو العروبة على الإطلاق أمراً بديهياً". الى ذلك اعتبر عبد الحسين شعبان في ورقته عن"النظام الإقليمي العربي والأزمة المعتَّقة"أن ميثاق الدول العربية اتّسم بالبساطة الشديدة وبصياغات عامة. وجاء في البيان الختامي للمؤتمر تعريف العروبة بأنها"مجموعة السِّمات الثقافية والاجتماعية والنفسية المتشكّلة تاريخياً، والمتّصفة بثباتٍ نسبيّ، للجماعة التي نُطلق عليها الأمة العربية، هذا، مع استبعاد هذا التعريف لأي مسعى إقصائي على أساس الدين أو المذهب أو أي معطى ثقافي ثانوي، من شأنه تفكيك النسيج الأهم للأمة". واعتماداً على دراسة التجارب السابقة ولتمتين بناء الأمة بالاقتراب المتدرِّج من لحظة تحققها في كيانٍ سياسي موحِّد، قرِّر البيان مبادئ نذكر منها: - إرساء دولة القانون الدستورية. - إرساء قواعد حماية كل الجماعات الثقافية الإثنيّة أو الدينية. - احترام الدولة القُطرية بوصفها كياناً قانونياً قائماً، كأداة لوحدة المجتمع الوطني. - دعوة المجتمع المدني العربي، بكل مؤسساته الى تبنّي ثقافةٍ تتوخَّى نظرةً حضارية تعترف بالآخر. نشر في العدد: 17039 ت.م: 28-11-2009 ص: 24 ط: الرياض