بدأ الحراك السياسي في منطقتنا، بخاصة في البلدان المتوترة، يتعرض للتشويه والتشويش بغية وقفه أو دفعه كخيار بديل نحو اتجاهات أكثر تعقيداً وأبعد ما يكون عن الحلول عبر الحوار السلمي وإجهاض الخطوات السابقة التي أنجزت على حساب دماء ودموع وتضحيات الشعوب وبالتالي دفع الأمور نحو تفجير الصراعات. ففي جنوب السودان وبحسب الاتفاقيات والبروتوكولات المبرمة بين الحكومة السودانية والحركة الشعبية وبشهادة وسطاء أفارقة وممثلين عن هيئة الأممالمتحدة والولايات المتحدة والبلدان الأوروبية القاضية بإجراء استفتاء حر لشعب الجنوب في كانون الثاني يناير 2011 كي يقرر مصيره، إما في ظل الدولة السودانية التعددية الديموقراطية العلمانية الاتحادية أو الكونفيديرالية أو عبر الانفصال عن السودان وبناء الدولة المستقلة على أن ينجز قبل ذلك تعداد السكان وإجراء الانتخابات والتفاهم حول التحولات الديموقراطية والنفط. وباقتراب موعد الاستفتاء من الطبيعي ان تقوم كل مجموعة بطرح تمنياتها المستقبلية والتعبير عن خياراتها. وفي هذا السياق بادرت قيادات من جبهة تحرير السودان الجنوبية بإبداء رأيها وبينها من اختار البقاء في ظل الدولة السودانية القائمة، أي التسليم ببقاء الجنوبيين مواطنين من الدرجة الثانية. وبدلاً من قيام اعلام وأجهزة الحكومة السودانية بطرح وجهة نظرها وموقفها صبت غضبها على القيادات الجنوبية متهمة إياها بالانفصالية والتواطؤ مع الأجنبي وخيانة الوطن وبعد أن تبين للرأي العام أحقية ومشروعية الطرح الجنوبي بحسب الاتفاقيات السابقة تراجع النظام بسرعة وعلل الأمر بحصول"سوء تفاهم". وفي فلسطين ينتظر الشعب منذ 18 سنة نتائج المفاوضات المباشرة مع إسرائيل ابتداء من مؤتمر مدريد للسلام ومروراً باتفاقية أوسلو الثنائية وانتهاء بعشرات الاتفاقيات والتفاهمات يتصدرها المشروع العربي للسلام وبرنامج اللجنة الرباعية وتوافقات الحل النهائي وبعد أن بلغت المماطلة الإسرائيلية أوجها لم يبق أمام السلطة الوطنية الشرعية ورئيسها المنتخب الرئيس أبو مازن سوى التوجه الى الجامعة العربية لتبني مشروع قرار يطرح على مجلس الأمن الدولي من أجل إعلان الدولة الفلسطينية. وإزاء ذلك قامت الدنيا ولم تقعد الى درجة إطلاق تهديدات عسكرية من جانب الحكومة الإسرائيلية ورفض من جانب الإدارة الأميركية والاتحاد الأوروبي بحجة أن الخطوة الفلسطينية متسرعة واستفزازية. وشيئاً فشيئاً وبعد أن ظهر للجميع أن السلطة الفلسطينية لم تتسرع بل قامت بما هو واجب عليها تجاه شعبها وفي إطار الشرعية الدولية بدأنا نسمع أصواتا من إسرائيل وأوروبا وأميركا تزعم وقوع"سوء فهم"، أما الحقيقة فهي تواطؤ الأطراف الدولية مع المعتدي وعجز الإدارة الأميركية والمجتمع الدولي عن فرض الحق والعدل، وتهرب الأنظمة العربية من التزاماتها القومية تجاه القضية المركزية. أما في كردستان العراق فقد أقر البرلمان العراقي قانون الانتخابات الذي حمل بنوداً مخالفة للدستور ومجحفة بحق الأكراد ومكونات أخرى. خصوصاً وبخاصة المتعلقة بعدد الزيادات في سكان الإقليم ولإنقاص نسبة حصته من الدخل الوطني وقطع الطريق على الاستحقاقات المشروعة وكل الإنجازات التي تحققت بفضل تضحيات شعب كردستان. ولم يقف رئيس إقليم كردستان المنتخب مسعود بارزاني مكتوف اليدين وأعلن أن شعب الإقليم لن يشارك في الانتخابات تحت سقف بنود القانون الجديد. وكان قد سبقه الى النقض والرفض نائب الرئيس طارق الهاشمي، فما كان من الأوساط الشوفينية والإرهابية والبعثية إلا أن شنت الهجوم على رئيس الإقليم متهمة إياه وشعب كردستان بالانفصالية وعرقلة المسيرة السياسية. ولم تمر أيام معدودة حتى تراجع الكثيرون عن اتهاماتهم الباطلة متذرعين بأنه حصل" سوء فهم"للموقف الكردستاني من القانون والأصح كان هناك سوء نية وتربص وعداء للعراق الجديد والنظام الفيديرالي وحقوق المكونات الوطنية غير العربية. مسلسل" سوء الفهم البوليسي والدرامي في آن واحد" المستند أساساً الى"سوء النية"معروض في معظم الأسواق في شرقنا الأوسط. صلاح بدر الدين - بريد إلكتروني