تركز الخطاب السياسي الإسرائيلي خلال العامين المنصرمين حول تجسيد فكرة يهودية الدولة عبر محاولات انتزاع موقف فلسطيني ودولي يدعم التوجه المذكور. وتبعاً لذلك برزت أسئلة عدة حول أزمة الهوية للأقلية العربية في اسرائيل. فبعد مرور واحد وستين عاماً على نكبة عام 1948، باتت الأقلية العربية داخل الخط الأخضر في مواجهة تحديات مهمة في المقدمة منها دعوة القادة العنصريين في اسرائيل وعلى رأسهم افيغدور ليبرمان رئيس حزب اسرائيل بيتنا ووزير الخارجية في حكومة نتانياهو، لطرد ما تبقى من العرب، وذلك بذريعة ما يسمى الخطر الديموغرافي الذي تشكله الأقلية العربية في المدى البعيد. ولم يكن المشروع الذي قدمه ليبرمان مؤخراً لجهة استصدار قرار في الكنيست يلزم طالبي الجنسية الإسرائيلية بالتعهد بالولاء لإسرائيل كدولة يهودية سوى مؤشر اضافي إلى تفاقم ظاهرة العنصرية إزاء الأقلية العربية ومستقبل هويتها. وتشير دراسات مختلفة الى أن هوية تلك الأقلية تنتمي الى دوائر رئيسية هي: العالم العربي والشعب الفلسطيني وإسرائيل، حيث ان الانتماء الى الدائرتين الأولى والثانية يعود الى التاريخ المشترك واللغة العربية والثقافة الواحدة، في حين ان الانتماء الى اسرائيل يرجع لكونهم مواطنين يحملون جنسيتها بفعل وجودهم المادي بعد انشائها. وعلى رغم المسميات التي واكبت اتجاهات التطور للأقلية العربية منذ 1948 فإن هويتها العربية ترسخت وتعززت خلال الأعوام الأولى من الألفية الثالثة بسبب تفاقم العنصرية الإسرائيلية من جهة، وازدياد النشاط الثقافي والسياسي للأحزاب العربية وقدرتها على النفاذ الى بناء علاقات مع العالم العربي والتواصل مع المجتمعات الفلسطينية في داخل فلسطين وخارجها. ومن الأهمية بمكان الإشارة الى ان الحكومات الإسرائيلية المتعاقبة منذ 1948اتبعت سياسات استهدفت قطع اتصال الأقلية العربية مع محيطها العربي، وحاولت في الوقت نفسه استيعابها ودمجها في المجتمع الإسرائيلي ولكن على هامشه. وهي عملت جاهدة لطمس الهوية العربية، فحاولت جعل الدروز والشركس قوميات منفصلة، وفرضت عليهم الخدمة الإلزامية في الجيش منذ 1958، وحاولت التفريق بين العرب المسلمين والمسيحيين وتقسيم المسيحيين الى طوائف شرقية وغربية، والمسلمين الى مذاهب مختلفة. وقد مرّ العرب داخل الخط الأخضر بثلاث فترات بين 1948 و2009، فتميزت الفترة الأولى 1948-1966 وهي فترة الحكم العسكري باستصدار اسرائيل اربعة وثلاثين قانوناً لمصادرة الأراضي العربية سواء من أصحابها الغائبين اللاجئين في الشتات، أو من أصحابها الموجودين في اسرائيل الحاضرين الغائبين، وتوالت السياسات الإسرائيلية لمصادرة مزيد من الأراضي، وبلغت المصادرة أوجها في آذار مارس 1976 حيث تمت مصادرة اسرائيل نحو 21 ألف دونم من قرى سخنين وعرابة وغيرهما في الجليل والمثلث، وعلى خلفية ذلك انتفضت الأقلية العربية في أرضها يوم الأرض في 30 آذار مارس، وسقط خلالها ستة شهداء من القرى المذكورة، وأصبح هذا اليوم يوماً وطنياً في حياة الشعب الفلسطيني في كل أماكن تواجده داخل فلسطين التاريخية وفي الشتات، حيث تتجسد الوحدة الوطنية الفلسطينية دفاعاً عن عروبة الأرض ومحاولات مصادرتها من قبل سلطات الاحتلال الإسرائيلي. وتبعاً لمصادرة الأراضي العربية تحت حجج وضرورات الأمن، فإن الفلسطينيين على رغم ارتفاع مجموعهم من 151 ألفاً عام 1948 الى نحو مليون وأربعمئة ألف يمثلون نحو 20 في المئة من سكان اسرائيل، لا يملكون سوى 3 في المئة من الأراضي التي أقيمت عليها الدولة الإسرائيلية في 1948 في ظروف دولية وإقليمية استثنائية. إضافة الى ذلك يعاني العرب داخل الخط الأخضر من تمييز واضح، في مجالي العمل والتعليم، ففي حين تصل معدلات البطالة بين اليهود في سوق العمل الإسرائيلي الى 9 في المئة بحسب أعوام 2003-2009، ارتفعت بين العرب خلال الفترة عينها الى نحو 19 في المئة، وبسبب ضعف الخيارات فإن 44 في المئة من الأطفال العرب يرتادون رياض الأطفال، في مقابل 95 في المئة للأطفال اليهود في سن ثلاث سنوات، وهناك نحو 30 في المئة من الأطفال العرب داخل الخط الأخضر يعيشون تحت خط الفقر، ويمنع العربي من العمل في القطاعات الإسرائيلية الاستراتيجية، بخاصة العسكرية منها. ونتيجة التمييز في موازنات التعليم ترتفع معدلات الأمية بين العرب لتصل الى 12 في المئة، مقابل 5 في المئة بين اليهود. وفي محاولتها تهويد الأراضي العربية داخل الخط الأخضر، وضعت السلطات الإسرائيلية مخططات لتهويد الجليل وكسر التركز العربي هناك، وذلك عبر تسميات مختلفة في المقدمة منها ما يسمى مشروع تطوير منطقة الجليل، ومشروع نجمة داود لعام 2020 والهادف الى إخلال التوازن السكاني لمصلحة اليهود في المنطقة الشمالية من فلسطينالمحتلة عام 1948، وتضم المنطقة الشمالية الجليل وحيفا والناصرة حتى وادي عارة. وبشكل عام يتوزع العرب داخل الخط الأخضر على ثلاث مناطق رئيسية هي: الجليل والمثلث والنقب، ويقطنون تسعين قرية وبلدة وأربعة مخيمات، وذلك بعد هدم نحو 385 قرية عربية بشكل كامل، وهناك نحو 260 ألفاً من العرب داخل الخط الأخضر هم لاجئون في أرضهم في عام 2009 في حين كان عددهم نحو 45 ألفاً في 1950، وفق معطيات تقارير الأونروا عند نشأتها. * كاتب فلسطيني.