لا شك في أن إحلال السلام وحل جميع الخلافات مع الجيران هما من ابرز مبادئ السياسة الخارجية التركية منذ عهد مصطفى كمال اتاتورك. ويومها، أعلنت تركيا انضمامها الى حلفي البلقان وسعد آباد. وجمع الملف الكردي بين تركيا وإيران والعراق في اتفاق سعد آباد. ثم أبصر النور حلف بغداد، في 1955، مؤذناً بدخول المارد الاميركي الى ساحة الشرق الاوسط وسعيه في تغيير وجه المنطقة. وتثمر مساعي وزير الخارجية التركي، أحمد داود اوغلو، في سبيل مد جسور التعاون مع دول الشرق الاوسط. وهذه حلقة من استراتيجيته المعروفة بالعمق الاستراتيجي. وعلى سبيل المثال، كان عقد اجتماع وزاري مشترك بين وزراء تركيا وسورية، وتوقيع اتفاقية مجلس التعاون الاستراتيجي المشترك، ليعتبر ضرباً من الخيال المثير للسخرية لو اقترح عقده قبل عشرة أعوام. وانضمت تركيا الى ميثاق كيلوغ - بريان، في 1928، بناء على دعوة الاتحاد السوفياتي. والحلف هذا توافق أعضاؤه على رفض الحروب والنزاعات المسلحة، وعلى ابرام اتفاقات امنية ثنائية لحل المشكلات سلمياً. وضم الحلف اميركا وفرنسا وبريطانيا وألمانيا وبلجيكا وبولندا وتشيكوسلوفاكيا، والاتحاد السوفياتي. ويوم اقترح الاتحاد السوفياتي نزع السلاح، أيدت تركيا الاقتراح. ووقعت على اتفاق يجرّم الحرب. وفي 1934، أبرم اتفاق البلقان رداً على مساعي التوسع النازي في البلقان والبحر المتوسط. وفي اعقاب الحرب العالمية الثانية، وفي اثناء الحرب الباردة، كان من المفترض أن يجمع حلف بغدادتركيا، حليفة ال"ناتو"، والغرب الى الدول العربية. ولكن الدول العربية، وكان بعضها حليف الاتحاد السوفياتي، رفضت الانضمام. وجليّ أن الحرب الباردة خلفت أثراً كبيراً في المنطقة، وأسهمت في تقسيمها، ووضع حواجز وهمية تحول دون عودة التعاون والجسور بينها. ولكن الحرب الباردة مضت. وعصر الامبراطورية الاميركية الذهبي يأفل. ولذا، تسعى دول المنطقة من جديد الى مد جسور التعاون والثقة بينها، وبناء منظومة اقليمية تمتد من القوقاز الى البلقان والشرق الاوسط. وترمي الدول هذه الى حماية مصالحها الوطنية. وتحول مثل هذه المنظومة دون تدخل القوى الخارجية في شؤون المنطقة وسياساتها. وهذا ما يسعى فيه أحمد داود اوغلو، ويأمل في أن يفهم جيرانه العرب ما يصبو اليه ويريده. * صحافي، عن "راديكال" التركية، 4 / 10 / 2009 نشر في العدد: 16994 ت.م: 2009-10-14 ص: 24 ط: الرياض