"لم نضحك في عام 2008 ... سنفعل ذلك عام 2009". عبارة وردت في إحدى بطاقات المعايدة التي تلقاها كريم، عبر الانترنت، من صديقه الذي يعمل في دولة خليجية."فكرة"المعايدة أعجبت كريم ومنحته جرعة معنويات كان في أمسّ الحاجة اليها،"قد نستطيع أن نحقق بأنفسنا ما نصبو اليه في حياتنا". كلام يدغدغ مشاعر الشاب الطموح، لكن كريم الذي يدرك أكثر من غيره ماذا يعني أن يعيش في بلد مثل لبنان وليس في أي بلد آخر، تقوده الواقعية اللبنانية الى"الاستنجاد"بمن يعتقد أنه سيحقق أمنياته البسيطة. تضيع في بحر أمنيات الشباب اللبناني، تستلهم من هواجسهم الكثير من المطالب التي يلامس بعضها الحدّ التعجيزي. وما أكثر المعجزات في بلد التناقضات والخلافات وألوان الأحمر والبرتقالي والأصفر والأزرق... ولكي"يضحك"كريم عام 2009 لا بد للهمّ الذي يقلق راحته من أن يتبدّد، أو أقله أن تخفّ احتمالاته. ما من عنوان محدّد لرسالة التمنيات للعام الجديد التي يحملها كريم، لكن الأكيد أنها تتخطى الأراضي اللبنانية. وهي موجهة بهذا المعنى"الى كل من يعنيه الأمر"في ما يخص الأزمة المالية العالمية التي تقضّ مضاجع كبار أصحاب رؤوس الأموال كما كبريات حكومات العالم. لا يفهم كريم كثيراً لغة الأرقام ولا يصنّف نفسه في خانة المحلّلين في مجال السياسة المالية، لكنه يقيس الأزمة على قياسه. في العام الجديد سينهي كريم دراسته الجامعية ليبدأ حياته العملية. في المبدأ، وبناءً على بعض الوعود، الوظيفة مؤمنة. وفي الأحوال العادية من شأن واقع كهذا أن يُدخِل الشاب المتخرّج الى"دائرة الأمان"، أما مع الواقع المالي المستجد فالحسابات تختلف. باختصار يخشى كريم على مصير آلاف اللبنانيين الذين يعملون في الخارج من أن يصبحوا في الشارع بسبب الأزمة المالية... ومن الشارع الى لبنان مجدداً. وأقصى تمنياته أن تكون الأزمة مجرد"غيمة صيف عابرة"، وإلا فالعكس يعني الاستغناء عن آلاف الوظائف فيضطر اللبناني المقيم الى"مصارعة"اللبناني العائد من الغربة على عدد محدود جداً من الوظائف الشاغرة. وتتضمن"رسالة تمنيات"كريم مطلباً آخر أكثر إلحاحاً وقد يفوق الطلب الأول أهمية، وهي تنبع من رحم معاناة الشباب الذين دفعتهم سياسات حكوماتهم المتعاقبة الى التفتيش عن لقمة العيش خارج وطنهم. هذه المرة للرسالة عنوان محدد ومعروف. وفي إمكان كل شاب لبناني أن يعتبر نفسه معنياً بها، وبالتالي العمل على تحقيق فحواها. ولا يجد كريم في هذه الظروف الاستثنائية قائداً ملهماً، لا في لبنان ولا خارجه، لتسليمه رسالته المختصرة"نريد التغيير ولنفعل ذلك عام 2009". نظرية كريم بسيطة لكنها وليدة التعقيدات الهائلة التي تختصر بلده الصغير. سئم كريم كما آلاف الشباب، بحسب ما يقول، أن يقرّر الآخرون عنهم وأن يحدّدوا مصيرهم. هو يرفض سوقهم كالقطيع أمام محتكري المنابر وشاشات التلفزة، ويدعو الى انتفاضة سلمية على"الطقم"السياسي الذي يكرّر نفسه على حساب شعب"لا حول له ولا قوة". لا يرى القدرة على التغيير والتأثير حاضرة لدى الرئيس الأميركي المنتخب باراك اوباما، ولا عند زعماء العالم الآخرين، ولا عند وزراء حكومته أو نواب الأمة باستثناء قلة لا يتجاوز عددها عدد أصابع اليد الواحدة. ولا يرى كريم أن خسارة"معركة"خفض سن الاقتراع الى 18 عاماً تعني خسارة"الحرب". فجيل ال21 عاماً الخزان الشبابي المستقل، يستطيع قلب المعادلة إذا لم"يركب البوسطة"ورفض التماهي مع اللوائح المعلّبة والمقفلة في الانتخابات النيابية المقبلة وأسقط المنابر الغرائزية. وهكذا ولمناسبة العام الجديد يحمّل كريم شباب لبنان، بما يمثلون من صورة القادة المفترضين في المستقبل، رسالة من نوع آخر:"إذا أردتم التغيير فاعملوا لأجله"والانتخابات النيابية، برأيه، قد تشكّل الفرصة الذهبية لإعادة اللون"الطبيعي"الى الحياة السياسية اللبنانية التي مزّقتها"ألوان الفرز والانقسام والتبعية العمياء". نشر في العدد: 16712 ت.م: 05-01-2009 ص: 25 ط: الرياض