أبدى صندوق النقد الدولي تفهمه لدواعي تبنّي دول مجلس التعاون الخليجي الست نظام سعر صرف أكثر مرونة، بعد قيام الاتحاد النقدي الذي أقرته"قمة مسقط"الثلثاء الماضي، لكنه رأى أن الابقاء على النظام الحالي الثابت نسبياً، القائم على الارتباط بالدولار، يشكل الخيار الأفضل والأكثر ملاءمة للدول الأعضاء، خصوصاً لتمكينها من استخدام سياستها النقدية بفاعلية للحفاظ على استقرار الاقتصاد الكلي المحلي. وأوضح رئيس إدارة منطقة الشرق الأوسط وآسيا الوسطى في صندوق النقد، محسن خان، بعد دراسة وضعها مع مجموعة من خبراء الصندوق، أن الربط بالدولار يسمح للمنطقة الحد من التقلبات في أسعار الصرف وحركة رأس المال، التي يحتمل أن تنجم عن التطورات الطارئة غير المرتبطة بالأساسيات، مثل الأخطار الجيوسياسية وتقلبات أسعار النفط الخام. تبسيط اجراءات العقود وأشار إلى أن أهم الميزات الأخرى لربط العملة الخليجية الموحّدة بالدولار في العام المقبل تشمل،"تمكين دول الخليج من إرساء سياستها النقدية على ركيزة موثوقة سهلة الفهم، إضافة إلى تبسيط اجراءات عقد الصفقات التجارية والمالية وانجاز المهمات المحاسبية وتخطيط مشاريع الأعمال". واتفقت دول الخليج رسمياً في عام 2003 على ربط عملاتها بالدولار والحفاظ على سعر الصرف حتى قيام الوحدة النقدية، إلا أن خسارة الدولار جزءاً كبيراً من قيمته في السنوات الأخيرة، حدّ من مرونة السياسات النقدية الخليجية في مكافحة التضخم. وزاد الطين بلّة لجوء مجلس الاحتياط الفيديرالي المصرف المركزي الأميركي إلى خفض معدل الفائدة الأميركية بحدّة، كرد فعل أولي على أزمة الرهن العقاري التي انطلقت في منتصف عام 2007. ولاحظت دراسة صندوق النقد التي نشرت أخيراً، أن اعتماد نظام صرف أكثر مرونة من شأنه أن يتيح لدول المجلس التعامل بفعالية أكبر مع الصدمات الحقيقية، مثل التضخم، لكنها أشارت إلى جملة من الأسباب التي تجعل تعويم العملة الموحدة خياراً بعيد المدى، أبرزها التحديات المرتبطة باختيار ركيزة بديلة والحاجة الى تطبيق عدد من الاصلاحات المالية وآليات اتخاذ القرار لتفعيل نظام التعويم. واستبعدت الدراسة خيار التحوّل إلى ربط العملة بسلة من العملات، مشيرة إلى أن هذا النظام الذي تبنته الكويت في عام 2007، يكسب العملة الموحدّة مرونة ويحد من آثار تقلبات أسعار صرف العملات الرئيسة، لكنه لا يمنح دول المجلس سياسة نقدية مستقلة، كما ان ربط سعر الصرف بسعر النفط الخام غير ملائم بسبب آثاره السلبية على القطاعات الاقتصادية الأخرى، على رغم ميزاته الايجابية المتمثلة في التحوّط ضد صدمات التجارة الخارجية. ومن بين نظم الصرف الأربعة الرئيسة المتاحة للدول الخليجية، وهي الربط بالدولار أو سلة من العملات أو سعر النفط أو التعويم المقيد، يبدو الربط بالدولار الخيار الأنسب والأقل كلفة ليس فقط في الفترة الانتقالية الحالية إنما في المدى القصير، بعد إطلاق الوحدة النقدية. نظام الربط ولفت خبراء صندوق النقد إلى أن مجلس التعاون الخليجي سيحتاج إلى اعادة النظر في نظام الربط بالدولار، في حال تعرّض سعر صرفه لموجة جديدة من التراجعات امام العملات الرئيسة الأخرى، وجزموا بأن التحوّل إلى سلة من العملات سيكون حينئذ الخيار الأنسب مع استبعاد خيار التعويم في المدى القصير. ويعيش الدولار حالياً أفضل أيامه منذ بدأ مرحلة طويلة من الهبوط الحاد والمطرد في الفصل الأول من عام 2002. وحذّر خبير أسعار الصرف الأميركي المخضرم، ستيفن جين، في تحليل استراتيجي نشره مصرف"مورغان ستانلي"الأسبوع الماضي، من أن تقلبات مفاجئة تنتظر الدولار في العام الجاري والأعوام اللاحقة، مؤكداً أن"الظاهرة المثيرة التي حققت للدولار مكاسب ضخمة على رغم النتائج الكارثية لأزمة الرهون الأميركية، لم تنته بعد". وتكبّدت العملة الأميركية خسائر فادحة في السنوات السبع الماضية. وعلى سبيل المثال تضاعف سعر اليورو من 87 سنتاً أميركياً في شباط فبراير عام 2002 إلى 1.60 دولار بحلول تموز يوليو عام 2008، لكنه تراجع بحدة إلى نحو 1.27 دولار في الاسبوع الأول من تشرين الثاني نوفمبر الماضي بينما كانت الأزمة المالية العالمية في أوجها، قبل أن يستعيد شيئاً من خسائره مرتفعاً إلى حدود 1.40 دولار حالياً. ويعتقد جين أن الدولار"سيظل ملاذاً آمنا للمستثمرين طالما بقيت اقتصادات العملات الرئيسة الأخرى تعاني ركوداً، مستنتجاً أن سعر اليورو سيعاود تراجعه منخفضاً إلى 1.10 دولار بحلول منتصف عام 2009، ثم يغيّر مساره مع بداية الانتعاش الاقتصادي العالمي المتوقع في النصف الثاني من العام الحالي، مرتفعاً إلى مستوى"سعره العادل"، وهو في حدود 1.20 دولار. نشر في العدد: 16710 ت.م: 03-01-2009 ص: 21 ط: الرياض