الزواج أشكال وألوان. ولكن في العقود القليلة الماضية، بدأت"الزيجات البيض"تزحف على المغاربة، لا لتمحو سواد الأيام وإنما لتنشئ مؤسسة قائمة على مصلحة واضحة وتغيّب فيها شروط الارتباط الصحيح. تلك الزيجات هي في واقع الأمر تعاقد عملي لنقل الأشخاص من مكان إلى آخر، في زمن عزت فيه الهجرة وحرية الحركة، ولا يرتب أية التزامات أخلاقية واجتماعية ودينية. ويعوِّل شباب وشابات مغاربة أكثر فأكثر على الزواج الأبيض، للهجرة إلى أوروبا أو إلى بلدان الخليج، تحايلا على تعقيدات منح التأشيرة، وسعياً وراء تغيير أوضاعهم الاجتماعية التي لا يرضون عنها، من طريق شريكات أو شركاء أجانب يمنحونهم رفاهية لا يستطيعون تحقيقها في بلدهم. ويعتبر هؤلاء الشباب أن خيار الزواج الأبيض هو الأفضل والأكثر أماناً، لأنهم وإن دفعوا مقابلا مادياً يقدر بعشرات آلاف الدراهم، فإنهم قد يوفرون حياتهم التي يزهقها آخرون في عرض البحر على قوارب مطاطية، ويتمكنون من عيش حياتهم في المهجر بلا مطاردات أمنية وتهديدات بالترحيل. ويتقدم الراغبون في هذا النوع من الزواج الذي يطلق عليه المغاربة كذلك اسم"زواج الأوراق"أي زواج من أجل الحصول على وثائق السفر والإقامة في المهجر، بطلبات متزايدة أضحى رقمها يتضاعف سنة عن أخرى، ويكفي الاستدلال بعدد الزيجات التي تم عقدها سنة 2007، وتقارب عشرة آلاف حالة من الجنسين. في حين انتقل عدد المتزوجين المغاربة من أجانب من 1280 حالة عام 1997 إلى 3873 عام 2001. بيد أن مئات الطلبات يتم رفضها سنوياً، لأن غطاء الزواج لا يكون كافياً للتستر على المقايضة الواضحة، والرغبة في الهجرة التي تحاول الدولة تقنينها وحسرها تحت ضغوط الاتحاد الأوروبي المراهن على الحد من تدفق الهجرة إليه من الجنوب. ويعد الزواج المختلط تأشيرة لدخول الدول الأوروبية بطرق ملتوية، تنظر إليها السلطات الأوروبية على أنها استغلال لوسيلة قانونية لهجرة غير قانونية أو سرية، لكنها تغض الطرف عن مسؤوليتها في دفع المرشحين للهجرة نحو اعتماد وسائل غير شرعية، شكلاً ومضموناً. وثبت أيضاً بالأرقام أن الزواج المختلط يزدهر في المدن الكبرى والسياحية، ويتأكد هذا المنحى في عدد ملفات طلب الزواج المختلط التي استقبلتها على سبيل المثال محكمة قضاء الأسرة في الرباط وحدها خلال السنة الماضية، ما بين الفترة الممتدة من شهر كانون الثاني يناير إلى تموز يوليو ، وهي تفوق ثلاثمئة ملف. صفية لا تزال تعاني جراء رفض طلب عقد زواجها من فرنسي، بعد أن بنت صروح أحلامها في باريس."السبب فارق السن الكبير بيننا، ولأني عاطلة عن العمل"تقول. وبالفعل، يبدو هنري أمام صفية كجدها، لكن الفتاة لا تهتم لذلك، لأن أفق حياتها في المغرب تراه"محصوراً بين الفقر والعنوسة"، وهو ما تريد تغييره مهما كان الثمن. والثمن دفعته بلا طائل من نظرة المجتمع إليها وسخرية النظرات والشفقة المنصبة عليها أينما حلت مع زوج المستقبل. وتبدو حالة صفية بسيطة أمام حالات أخرى تمت فيها الهجرة بالفعل، وتعرض بعدها الشريك أو الشريكة المغربية لمختلف أشكال الاستغلال. ويرى محمد، خريج كلية الشريعة الإسلامية أن الزواج الأبيض، أو زواج الأوراق هو بالفعل"زواج من ورق، لأنه يقوم أصلا على غياب شرط يبطله من الأساس، وهو الشرط الديني أي اعتناق الإسلام بالنسبة الى الأجنبي المشرك والمشركة، وجواز الزواج فقط بالأجنبيات الكتابيات". واضاف:"باتت الظروف الحياتية الصعبة تدفع بشرائح كثيرة إلى الابتعاد عن الدين واستغلال رابط مقدس لتجاوز صعوبات الحياة المادية". نشر في العدد: 16733 ت.م: 2009-01-26 ص: 25 ط: الرياض