جعلت الصهيونية من الهولوكوست حائط مبكى"يحتم على كل يهودي أن يؤدي له طقوس النواح ولطم الخدود وشق الجيوب. والمفارقة التي تستحق التوقف أن معظم الباقين على قيد الحياة من الناجين من الهولوكوست، يعيشون تحت خط الفقر في إسرائيل. والمعطيات الجديدة حول الأوضاع الاجتماعية للناجين من"المحرقة"، يمكن إضافتها إلى جملة المعطيات التي تشير بوضوح الى أن المسألة اليهودية برمتها كانت مجرد قيمة استعماليه بالنسبة الى الصهيونية العالمية، فحسب المعطيات الإسرائيلية يوجد حالياً في إسرائيل قرابة 250 ألف شخص من الناجين من جرائم النازية، 30 في المئة منهم يعيشون تحت خط الفقر، و25 في المئة منهم يضطرون دائماً للاختيار بين شراء الدواء أو الغذاء إضافة إلى أن 20 في المئة لا يستطيعون السفر للقاء أولادهم في الخارج أو الاتصال بهم، ويتضح من التقرير أن المئات منهم يغادرون إسرائيل للسكن مجدداً في ألمانيا حيث مستواهم المعيشي يصبح أفضل بكثير مما هو عليه في إسرائيل. وتعيش في إسرائيل ثلاث مجموعات من الناجين من النازية، وحسب اتفاق التعويضات فإن كل فرد من أفراد المجموعة الأولى يتقاضى بين 2500 إلى 4000 شيكل شهرياً وهذا بحسب إمكاناتهم الاقتصادية خلال عهد النازية في ألمانيا، أما المجموعة الثانية فتضم الناجين من النازية من دول أخرى وهاجروا إلى فلسطين حتى عام 1953 وقيمة التعويضات لهؤلاء هي أقل، إذ تبدأ من 1020 شيكل حتى 3500، أما المجموعة الثالثة فتشمل الناجين من دول أخرى ويتقاضى أفرادها نحو نصف ما يتقاضاه أفراد المجموعة الثانية. ويقول رئيس الوكالة الصهيونية زئيف بييلسكي تعليقاً على معطيات التقرير"إن هذه وصمة عار حين نرى انه بعد 60 سنة يعيش عشرات آلاف الناجين من النازية في فقر مدقع، فدولة إسرائيل قامت على معاناة هؤلاء". إن استخدام مصطلح الهولوكوست هو في حد ذاته تعبير عن احتكار دور الضحية، فقد أبيد من الغجر في عهد النازية أكثر من نصف مليون وهو رقم ضخم جداً نسبة لتعداد الشعب الغجري ذلك الحين، ولكن كل من يتحدث عن إبادة الغجر والسلاف والبولنديين وغيرهم يصبح هدفاً لهجوم شرس من الصهيونية، لذا فأن استخدام هذا المصطلح ليس من قبيل الصدفة، لأن كلمة هولوكوست تعني باليونانية"حرق القربان بالكامل"، وهي في الأصل مصطلح ديني يهودي يشير إلى القربان الذي يضحى به للرب، فلا يشوى فقط، بل يحرق كاملاً غير منقوص على المذبح، ولا يترك أي جزء منه لمن قدم القربان أو للكهنة، لذا كان الهولوكوست يعد من أكثر القرابين قداسة عند اليهود وكان يقدم تكفيراً عن جريمة الكبرياء، وهو القربان الوحيد الذي يمكن للأغيار أن يقدموه لذا أستخرج اليهود هذا المصطلح"على اعتبار أن اليهود أكثر الشعوب قداسة، وكما أن النازيين باعتبارهم يحق لهم القيام بهذا الطقس"، ولكن عندما تركز الجماعات المسيحية الأصولية في الولاياتالمتحدة على كلمة هولوكوست فهي تركز على جريمة الكبرياء إذ ترى أن الإبادة عقاب حاق باليهود بسبب صلفهم وغرورهم وكبريائهم. إن الطريقة التي صيغت فيها الحكايات حول"المحرقة"من أصحاب المشروع الصهيوني لا تدل فقط على زيف الادعاء والمبالغة، بل أيضاً تكشف حقيقة تآمر قادة هذا المشروع على اليهود من اجل دفعهم نحو الهجرة إلى"أرض الميعاد"فطالما أعتبر قادة المشروع الصهيوني ظاهرة العداء للسامية ظاهرة مفيدة للحفاظ على الشخصية اليهودية، لذا تحالف قادة الصهيونية مع أعداء السامية، إذ كشف العديد من الاعترافات ليهود ناجين وبعض قادة النازية أثناء محاكماتهم، العلاقات الوثيقة بين هتلر وقادة الصهيونية، ويؤكد الكاتب الألماني جوليوس مارير"أن هناك قائمة في 16صفحة بأسماء الزعماء الصهاينة الذين تعاونوا في شكل وثيق مع النازيين، وبين هؤلاء من أصبحوا من كبار المسؤولين في إسرائيل مثل حاييم وايزمن وموشي شاريت وديفيد بن غوريون وأسحق شامير، وأن أقرب النازيين للصهاينة كان كورت بيخر وأدولف ايخمان رئيس فرع w.b4 في الجستابو وهو الفرع الذي كان مسؤولاً عن إبادة اليهود"، كما فضحت مجلة"شتيرن"الألمانية الاتصالات السرية بين إسحاق شامير وقادة النازية من طريق الملحق البحري الألماني بسفارة ألمانيا في تركيا، ويقول رودلف فربا مجلس الأبحاث الطبية البريطانية، وهو أحد الفارين القلائل من معتقل أوشويتز لجريدة"دايلي هيرالد":"أنا يهودي، وعلى رغم ذلك فإنني أتهم بعض القادة اليهود، بالقيام بأبشع أنواع الحرب. هذه الفئة من الخونة علمت ما يحدث لإخوانهم لكنهم فضلوا شراء أرواحهم بالصمت عما يجرى ومن هؤلاء د. كيستنر رئيس المجلس اليهودي في المجر". والعلاقة بين كيستنر وأدولف ايخمان أكدتها اعترافات ايخمان نفسه الذي قال عنه:"إن همه الوحيد تمكين مجموعة مختارة من يهود المجر من الهجرة إلى إسرائيل"، كما قدم الصهاينة مساعدات مالية كبيرة الى النازية، ففي عام 1929 قدم بنك"مندلسون اندكومباني"الصهيوني في أمستردام مبلغ مئة مليون دولار للنازية، وعام 1931 قُدِّم مبلغ 15مليون دولار، وفي عام 1933 بعد وصول هتلر الى السلطة أرسل له الصهاينة مبلغ 126مليون دولار، وجاء هذا ضمن اعترافات ناحوم غولدمان في كتابه السيرة الذاتية . وقد عجت أدبيات الصهاينة بالعبارات التي استخدمها في ما بعد النازيون في التحريض على اليهود، بهدف شحن الجمهور الألماني ضدهم. تحدث ناحوم غولدمان عن اليهود كعنصر هدام في كل المجتمعات لأنهم غرباء، وتحدث جيكوب كلاتسكين عن ازدواج الولاء عند اليهود، وتحدث حاييم وايزمان عن اليهود باعتبارهم عنصراً فائضاً يقف في حلق الأمة الألمانية، وهي شعارات تعود لتيودور هرتزل وماكس نوردو اللذين وضعا أساس الصهيونية الألمانية، وأشاعت هذه الدعاية صورة سلبية للغاية عن أعضاء الجماعة اليهودية وعن إمكان دمجهم في المجتمع الألماني، وفي هذا المناخ ظهر هتلر وظهرت النازية، وأثناء محاكمات نورمبرغ أصر الزعماء النازيون الواحد تلو الأخر، أنهم تعلموا ما تعلموه عن المسألة اليهودية من أدبيات الصهاينة، وكثيرة هي الوقائع التي تثبت حقيقة التعاون بين النازية والصهيونية، ففي الوقت الذي كانت تحرق مؤلفات سبينوزا وانشتاين في ألمانيا كانت السلطات النازية تسمح بإعادة طبع كتاب هرتزل"الدولة اليهودية"وعندما كان فقراء اليهود يساقون إلى معسكرات الاعتقال كان المليونير اليهودي مندلسون ينال لقب مواطن آري برتبة شرف تقديراً من النازية. وهذا ليس غريباً على الصهيونية فالكل يذكر كيف قام الصهاينة بتفجير الباخرة"باتريا"عام 1942 في ميناء حيفا وكانت تقل مهاجرين يهوداً رفضت في حينها سلطات الانتداب البريطاني إنزالهم في فلسطين، وقال الصهاينة إنهم انتحروا، بهدف توظيف ذلك في الدعاية"لقداسة العودة إلى أرض الميعاد"وتكرر ذلك مع الباخرة"شرومي". يمكن القول إن الصهيونية والنازية تحدرتا من جذر فكري واحد ومن بيئة احتكارية واحدة. * كاتب فلسطيني نشر في العدد: 16731 ت.م: 24-01-2009 ص: 28 ط: الرياض