خلافاً لتوقعات أوساط حزب "كديما" الحاكم في إسرائيل، فإن الحرب الدموية على غزة التي كانت زعيمة الحزب وزيرة الخارجية تسيبي ليفني من أكثر المتحمسين لها، لم تحسّن من فرص الحزب للفوز في الانتخابات البرلمانية الوشيكة، في العاشر من الشهر المقبل، بل أضعفته لمصلحة اليمين وعلى رأسه حزب"ليكود"بزعامة بنيامين نتانياهو. كذلك يبدو أن"تحليق"حزب"العمل"بزعامة وزير الدفاع ايهود باراك بفعل الدماء الفلسطينية التي سفكت بصفته المشرف العسكري الأبرز على الحرب، توقف وعادت شعبيته تتقهقر وتذكّر بوضعه عشية الحرب. في واقع الأمر فإن استطلاعات الرأي الأخيرة بعد وقف الحرب تؤكد مجدداً أن اليمين الإسرائيلي هو الفائز عادة من الحرب التي يشنها تيار الوسط أو يسار الوسط "كديما"أو"العمل". فهذا ما حصل غداة مجزرة قانا الأولى عام 1996 حين كان شمعون بيريز، زعيم حزب"العمل"، رئيساً للحكومة والمرشح الأقوى للفوز في الانتخابات. وهذا ما حصل أيضاً مطلع عام 2001 مع رئيس الحكومة في حينه زعيم"العمل"ايهود باراك حين اندلعت الانتفاضة الفلسطينية الثانية ليسلم بعد أربعة اشهر من اندلاعها مقاليد الحكومة لأرييل شارون. وفي كل الحالات المذكورة، خرج الإسرائيليون بقناعة أن"اليمين"الأكثر تشدداً هو الأقدر على إدارة دفة الأمور في الدولة العبرية، وهذا ما يبدو الآن أيضاً مع انقشاع غبار الحرب على غزة. ووفقاً لاستطلاع القناة الثانية ليل أول من أمس، فإن"ليكود"سيفوز لو جرت الانتخابات اليوم ب30 مقعداً في مقابل 22 فقط ل"كديما"و14 لحزب"العمل". كما سيحصل الحزب اليميني المتطرف"إسرائيل بيتنا"الذي يمثل المهاجرين الروس بزعامة أفيغدور ليبرمان على 16 مقعداً. وفي المجمل، تحصل أحزاب اليمين والمتدينين اليهود المتزمتين على غالبية مطلقة في الكنيست الجديد تتألف من 66 مقعداً في مقابل 45 لأحزاب الوسط واليسار. هذا في حال اعتبار"كديما"حزباً وسطياً، وتسعة للأحزاب العربية الثلاثة. وعلى رغم ادعاءات أركان الحكومة الثلاثة، رئيسها ايهود اولمرت، وباراك وليفني أن الحرب على القطاع حققت النجاح والأهداف منها، يرى الإسرائيليون الأمور في شكل مغاير تماماً، إذ قال 34 في المئة منهم أنهم يرون في نتانياهو الشخصية الأنسب لمنصب رئيس الحكومة في حال اندلعت حرب ثانية على غزة، في مقابل 17 في المئة اختاروا ليفني و14 في المئة فقط اختاروا باراك وتسعة في المئة رأوا في أولمرت الشخص المناسب! في المقابل، يكتفي الإسرائيليون برؤية باراك وزيراً للدفاع، بصفته"سيد الأمن"أو"سيد الحروب"، إذ اختارته غالبية من 41 في المئة الشخصية الأنسب لتولي هذا المنصب في حال اندلاع مواجهة ثانية مع غزة، مقابل 14 في المئة لرئيس هيئة أركان الجيش السابق المرشح حالياً على قائمة"ليكود"موشي يعالون و13 في المئة لوزير الدفاع السابق شاؤول موفاز وعشرة في المئة لليبرمان، المتعاظمة شعبيته بعد تلميحاته في الأسبوع الماضي إلى وجوب ضرب قطاع غزة بالسلاح النووي، فضلاً عن تهجمه المنفلت على النواب العرب هذا الأسبوع ودعايته الانتخابية القائمة على اشتراط المواطنة لعرب الداخل بإعلانهم الولاء للدولة العبرية. في كل الأحوال، خسر حزب"كديما"في الأسبوعين الأخيرين ستة مقاعد برلمانية في الاستطلاعات الأخيرة قياساً بالتي سبقتها، فيما حافظ"ليكود"على مقاعده الثلاثين على الأقل، فيما تعززت قوة ليبرمان بمقعدين وأكثر. أما"العمل"فخسر في الأسبوعين الأخيرين مقعدين، مقارنة بالاستطلاعات التي جرت في ذروة الحرب. وتعني هذه الأرقام أن نتانياهو وسائر احزاب اليمين نجحوا في إقناع الراي العام في إسرائيل بأن ادعاءات اولمرت وباراك وليفني بتحقيق"الانتصار"في الحرب ليست صحيحة وأن موقفهم اليمين الداعي إلى مواصلة العدوان لتحقيق مكاسب سياسية أفضل هو الموقف الصحيح. ويعزو مراقبون تراجع شعبية ليفني إلى عدم لعبها دوراً أساسياً في قيادة الحرب على غزة. ويأخذ عليها الإسرائيليون فشلها في إقناع الولاياتالمتحدة بعدم الامتناع عن التصويت لدى اتخاذ مجلس الأمن الدولي قراراه الرقم 1860. كذلك لم يقتنع الإسرائيليون بجدوى مذكرة التفاهم التي وقعتها في العاصمة الأميركية لضبط تهريب السلاح إلى القطاع، فيما تفيد تقارير صحافية بأن عمليات التهريب استؤنفت وسط"احتفالات""حماس"بالصمود و"الانتصار". كما تبدو ليفني مرتبكة لدى مقارنة قدراتها المتواضعة في المجالين الأمني والاقتصادي بكفاءات نتانياهو، وهي التي أملت أصلاً بأن تكون"نظافة اليدين"و"الاستقامة"و"السياسة من نوع آخر"في مركز الحملة الانتخابية. لكن الأزمة الاقتصادية العالمية التي طالت إسرائيل ثم الأوضاع الأمنية، أو ما يسميه الإسرائيليون"الأمن الشخصي"، قلبت حساباتها ومعها انقلب عليها أعضاء بارزون في الحزب باتوا هم أيضاً يشككون في قدرتها على قيادة حكومة. وكان رئيس"مجلس كديما"مئير نيتسان فجّر مساء أول من أمس قنبلة من الوزن الثقيل بإعلان انسحابه من الحزب ودعمه نتانياهو. واتهم في بيان لوسائل الإعلام"المستوى السياسي"بالحؤول دون إتمام الجيش الإسرائيلي مهماته في قطاع غزة. وقال إنه عندما يساوي بين المرشحين الثلاثة لقيادة الحكومة، نتانياهو وباراك وليفني،"فإن نتانياهو صاحب خبرة غنية كرئيس للحكومة وكوزير للمال وكديبلوماسي ومتحدث لبق وماهر... أما ليفني، فتنقصها التجربة كرئيسة حكومة وكوزيرة للدفاع أو للمال وتجربتها القصيرة كوزيرة خارجية لا تؤهلها أن تكون منافسة جديرة لنتانياهو وباراك... وحيال الأوضاع التي تمرّ بها إسرائيل، لا يمكن منح أشخاص عديمي التجربة مقود القيادة".