تتعرض مؤشرات أسواق المنطقة خلال هذه الفترة لموجة تراجع وخسائر، هي الأقسى منذ عقود، مصدرها الأساس أزمة الرهن العقاري في الولاياتالمتحدة والتي نتج عنها أزمة في الائتمان والسيولة المالية. وبدأت المشكلة عندما بادرت المحافظ الاستثمارية العالمية إلى عمليات تسييل لأموالها المستثمرة في أسواق المنطقة، وبدت قوتها وتأثيراتها السلبية على هذه الأسواق مرتبطة بمدى انفتاحها على الأسواق المالية العالمية. والأزمة المالية الراهنة هي الأسوأ والأخطر منذ قرن، ومازالت تداعياتها مستمرة في ظل انهيار بنوك ومؤسسات استثمارية عالمية، وبالتالي ستبقى التأثيرات السلبية على أسواق المنطقة مستمرة إلى حين حل المشاكل المتعلقة بهذه الأزمة واستقرار الأسواق المالية العالمية. والملفت تعرُّض أسواق المنطقة لخسائر جسيمه خلال هذه الفترة، لا يتفق مع قوة اقتصاداتها والنمو الكبير في ارباح شركاتها، والتحسن الكبير في مؤشرات تقويم أسعارها السوقية الذي أدى بالتالي إلى انفصام العلاقة بين ربحية الشركات المدرجة وقيمة أصولها من جهة، وأسعار أسهم هذه الشركات من جهة أخرى. والخسائر بالطبع طاولت جميع المستثمرين في هذه الأسواق وأدت إلى انخفاض كبير في قيمة ثرواتهم. وأدى النزيف المستمر في مؤشرات الأسواق بسبب تفوق عمليات البيع على الشراء، إلى فقدان الثقة وسيطرة حالة من الخوف والتردد على قرارات المستثمرين والمضاربين المحليين، في ظل سيطرة الاستثمار الفردي وضعف الاستثمار المؤسسي في معظم أسواق المنطقة. ونعتقد أن هذه الفترة الحرجة من تاريخ الأسواق تتطلب توحيد جهود جميع الجهات الرسمية والخاصة وتكثيفها للخروج من هذه الأزمة بأقل خسائر. ومطلوب من الشركات، المساهمة العامة المدرجة أسهمها في الأسواق، طمأنة مساهميها من حيث وضعها المالي وقوة أدائها وتوقعات ربحيتها والرد على أية إشاعات تستهدف تعميق خسائر قيمتها السوقية. كذلك يقع على عاتق هيئات الأوراق المالية في المنطقة دور هام خلال هذه الفترة الحساسة من حيث خفض ساعات التداول ونسبة التذبذب اليومي، إذا كان ذلك في مصلحة الأسواق، اضافة إلى المراقبة الحثيثة لعمليات التداول اليومية ومحاربة أية عمليات بيع أو شراء وهمية تستهدف تضليل المتعاملين وبالتالي تعميق خسائر الأسواق، إضافة إلى مراقبة تصرفات الوسطاء والتأكد من التزامهم بأخلاقيات المهنة. وللبنوك المركزية أيضاً خلال هذه الفترة دور مهم. ولاحظنا خلال اليومين الماضيين عقد مجالس إدارات معظم هذه البنوك لاتخاذ كل الاحتياطات اللازمة للحفاظ على قوة النظام المصرفي وسلامته. وصناديق الاستثمار التي أسسها بعض البنوك والشركات المالية يفترض أن يكون لها دور هام في استقرار الاسواق المالية. إلا أنها في وضع لا يحسد عليه في ظل التراجع المستمر في الأسعار خلال هذه المرحلة. وبالتالي التراجع الحاد في قيم أصولها ووحداتها. كما أن خروج بعض المستثمرين من هذه الصناديق عامل ضغط سلبي يزيد عمليات البيع لتوفير السيولة المطلوبة. ومع ذلك نلاحظ تحركات ايجابية لهذه الصناديق خلال هذه الفترة في ظل ازدحام الأسواق بالفرص الاستثمارية. الى ذلك تضطلع الأذرع الاستثمارية للحكومات بمسؤولية مهمة خلال هذه الفترة للمساهمة في استقرار الأسواق المالية وإعادة توازنها. وتستطيع هذه الأذرع الاستفادة من الفرص الكبيرة التي وفرها التراجع الكبير في أسعار أسهم الشركات المدرجة وبالتالي تغطية عمليات البيع التي تقوم بها المحافظ الاستثمارية الأجنبية وتعزيز ثقة المستثمرين المحليين في أسواقهم. ويشير بعض المعلومات إلى أن بعض المحافظ الاستثمارية الأجنبية سيعود إلى الأسواق مجدداً، بعد تراجع الأسعار بنسبة كبيرة وبالتالي تحقيق مكاسب جديدة من هذا الدخول. إضافة الى هؤلاء، يقع على عاتق الوسطاء المرخصين دور مهم في استقرار الأسواق وتعزيز أدائها نظراً للارتباط المباشر بينهم وبين المستثمرين في اتخاذ قرارات الاستثمار، سواء بالشراء او بالبيع. وللأسف فإن نسبة مهمة من الوسطاء لا تشجع المستثمرين خلال هذه الفترة على الشراء، بل على البيع، ما خلق فجوة كبيرة ومستمرة بين العرض والطلب، على رغم معرفتهم بالفرص الاستثمارية المتوفرة والمسؤولة وأهمية الاحتفاظ بالأسهم حتى ارتداد الأسواق. ويلعب بعض المحللين الذين يظهرون على شاشات المحطات الفضائية خلال هذه الفترة، دوراً سلبياً في إضعاف الثقة في الأسواق، وغالباً ما تكون معلوماتهم وتحليلاتهم بعيدة من المنطق والموضوعية. وبالتالي يقع على عاتق إدارات هذه المحطات، اختيار المحللين الكفوئين والمحترفين. * مستشار بنك ابو ظبي الوطني للأوراق المالية