"اتصل واربح"، تكاد هذه الجملة أن تكون لازمة لغالبية الفضائيات العربية حتى ما يعرف منها ب"الجادة والرصينة"، إذ لا تغيب عن شاشة هذه الفضائيات فواصل إعلانية تغري المشاهد على الاتصال للإجابة على أسئلة ساذجة وبسيطة مستمدة من فحوى البرامج والمسلسلات التي تقدمها هذه المحطة أو تلك. وإذا ما اتصل المشاهد، فإن الربح، كما يؤكد الفاصل الإعلاني، في انتظار المتصل، مع ضرورة الإشارة، هنا، إلى ملاحظة تنطوي على الانتهازية والاستغلال تقول:"كلما اتصلت أكثر، تزداد فرص الربح"، وهو ربح يصل إلى ملايين الدولارات، فيسيل لعاب المشاهد المتزن، قبل الساذج. لا يقتصر الأمر على ما سبق، فثمة محطات تملك جرأة أكبر في ممارسة استغلال معلن، وواضح، ويتمثل ذلك في طرح هذه المحطات لسؤال تافه سخيف يظهر على الشاشة، وتظهر معه مذيعة لا ينقصها الغنج والدلال، مهمتها تلقّي المكالمات من المتصلين، وهي تبقى هناك على الشاشة لساعات طويلة، تفرط في الثرثرة، والأحاديث المملة، المكررة. والسؤال ذاته يظل ثابتاً على الشاشة، مع الإشارة، هنا أيضا، إلى أن السؤال، أو الأحجية، يعتمد غالباً على التلاعب اللفظي الذي لا تصعب إجابته حتى على أطفال في المرحلة الابتدائية... هي أوهام، وأحلام ملونة"وردية للبيع عبر الفضاء، ويبدو أن ثمة اتفاقاً بين شركات الاتصالات الخليوية، وبين القائمين على تلك المحطات. وتكون النتيجة سحب الأموال من جيوب"الغلاّبة"، والفقراء إلى جيوب الأثرياء أصحاب القنوات وشركات الاتصالات تلك. أما الأرباح والجوائز المزعومة، والتي يمني المتصل نفسه بها، فتكون في النهاية حديثاً عابراً مع مذيعة جميلة، أو الاستماع إلى رسالة صوتية مسجلة، ومن ثم فاتورة"موبايل"باهظة تعصف بتلك الأحلام الزاهية!! بين هذا الكم الهائل من البرامج، والإعلانات الخادعة، لا بد وان نعثر على برامج قليلة تملك الصدقية، مثل برنامج"حروف وألوف"على شاشة"إم. بي. سي"، فهذا البرنامج يطرح أسئلة في شتى حقول المعرفة، وفي وسع المشاهد العربي أينما كان أن يتصل ويجيب ويحصل على جائزة فورية، وثمة برامج مماثلة قليلة. لكن النسبة الغالبة من البرامج هي تلك التي تستغل الفضاء المرئي، فترسم للمشاهد دروباً مليئة بالسعادة والثراء، عبر اتصال تليفوني قد ينقل المتصل إلى ضفة الحياة الأخرى"ضفة الثراء والبذخ. لكن الأمر ليس بهذه البساطة التي يتخيلها المتصل، فدون تلك الأحلام تقف الخدعة، والإغراء، والابتزاز عبر أكثر الوسائل سلاسة وإغراء: صورة ملونة، ومذيعة حسناء"لعوب تتقن فن الاستلطاف، وفن حث المشاهد للضغط على الأرقام الظاهرة على الشاشة! لا يستطيع أحد أن يمنع أصحاب تلك الخدع من المضي في خداعهم، لكن ينبغي تنبيه المشاهد إلى أن تلك الأرقام الهاتفية المغرية التي تعدك بالأموال، وبالسيارات الفارهة، وبالجوائز القيمة، ما هي إلا طريقة احتيال حديثة عبر الفضاء، عليك الحذر من الوقوع في شباكها، وهي شباك وإن بدت وديعة"جميلة. فإنها شرسة، ومضللة!!