توزعت نتائج انتخابات جزئية جرت في المغرب حول ست دوائر كان ألغاها المجلس الدستوري بعد الانتخابات الاشتراعية لعام 2007، على ستة أحزاب، هي الاستقلال والاتحاد الاشتراكي والحركة الديموقراطية والأصالة والمعاصرة والاتحاد الدستوري، وبلغت نسبة المشاركة حوالي 27 في المئة، ما يشابه النسبة العامة لاقتراع أيلول سبتمبر الماضي. واعتبرت الانتخابات الجزئية الأولى التي يشارك فيه حزب"الأصالة والمعاصرة"الذي أسسه الوزير السابق المنتدب في الداخلية فؤاد عالي الهمة، وسط انتقادات شديدة حول مسار هذه التجربة الجديدة التي قابلتها فاعليات سياسية بالمزيد من التشكيك والحذر. وقاد الوزير السابق الهمة شخصياً الحملات الانتخابية التي ركزت على مساندة مرشحيه في الدوائر الست، إلا أنه على غير المتوقع فاز بمقعد واحد في تيزنية، بعدما كان ضمن الفوز لإثنين من المرشحين المستقلين ضمن قائمته المشكلة في انتخابات العام الماضي. وعاود الجدل الذي أثير حول حزب"الأصالة والمعاصرة"نقاشاً قديماً حول"حياد الإدارة"أو ما كانت تصطلح عليه أحزاب المعارضة السابقة ب"الحزب السري"الذي يضم نُخب الأعيان والموالين للنظام. إلا أن منتسبين إلى"الأصالة والمعاصرة"ينفون ذلك، مؤكدين أن التنظيم الحزبي انبثق عن مشاورات بين فاعلين سياسيين واقتصاديين ومكونات المجتمع المدني التقت إراداتهم عند ايجاد إطار سياسي يلائم المرحلة. لكن الانتقاد تركز على الرجل الأول في الحزب فؤاد عالي الهمة، على رغم تعيين الناشط النقابي السابق حسن بن عذري أميناً للحزب، وذلك بسبب قربه إلى العاهل المغربي الملك محمد السادس. إذ أصبح يوصف في المنتديات السياسية والصحافة ب"صديق الملك"، ما تسبب، وفق مراقبين، في بعض الالتباس، أقله أن المشروع السياسي الذي يعرضه يحظى بدعم الملك الذي يُنظر إليه دستورياً ورمزياً بأنه"فوق الأحزاب"لا يفضل تياراً على آخر، ويمكن ان يكون حكماً في خلافاتها مع بعضها. لكن منظّري"الأصالة والمعاصرة"يتحدثون عما يصفونه ب"مشروع مدني"في مواجهة التيارات الإسلامية المتشددة، وإن بدا أنهم يقصدون حزب"العدالة والتنمية"في الدرجة الأولى، كونه أحد الفاعلين السياسيين الأساسيين. وثمة تيارات إسلامية أخرى ناشطة مثل"جماعة العدل والإحسان"التي يتزعمها الشيخ عبدالسلام ياسين، لكنها ليست أحزاباً سياسية معترفاً بها. ويرصد مراقبون أن الصراع بين فؤاد عالي الهمة و"العدالة والتنمية"برز منذ الانتخابات الاشتراعية لعام 2007 إثر ترشحه في بن جرير شمال مراكش حيث تواجه مع مرشحي الحزب الإسلامي بطريقة لم تخل من التصعيد والانتقادات. لكن"العدالة والتنمية"يعتبر نفسه تياراً معتدلاً يعمل في نطاق الشرعية، وزاد في ترسيخ هذا الاعتقاد أن زعيمه المنتخب عبدالإله بن كيران يميل أكثر إلى الواقعية والاعتدال. ما يقلل من حدة الصراع بين حزبه وبقية الفرقاء السياسيين، خصوصاً أن خريطة التحالفات في انتخابات بلديات 2009 أضحت مفتوحة على كل الاحتمالات. وزاد في تغليب أبعد الاحتمالات أن حزب الاتحاد الاشتراكي وصف حزب الهمة بأنه يهدف إلى فرض نظام الحزب الواحد، في أول انتقاد صريح يصدر عن قيادة الحزب الاشتراكي الذي يشارك في حكومة رئيس الوزراء عباس الفاسي التي تضم شخصيات قريبة إلى الوزير المتنفذ سابقاً في الداخلية. إلا أن الالتزامات الحكومية لا تلتقي في كل تفاصيلها مع الالتزامات الحزبية، كما يقول مصدر في الاتحاد الاشتراكي. بيد أن مراقبين ينظرون إلى نتائج الانتخابات الجزئية يوم الجمعة الماضي على أنها بمثابة"طبعة مصغرة"لانتخابات بلديات العام المقبل، على رغم الفرق بين الاستحقاقين في إدارة الشؤون المحلية وإقرار القوانين ورقابة الحكومة في البرلمان.