الصدفة وحدها جعلت اكتشاف أول إصابة بفيروس انفلونزا الخنازير في المغرب تتزامن وبدء ملايين الناخبين الإدلاء بأصواتهم في انتخابات البلديات التي جرت أمس. وفيما أفاد بيان وزارة الصحة أن وضع الفتاة المصابة، وهي طالبة مغربية قدمت من كندا، مستقر وأنها تتلقى العلاج، ساد اعتقاد بأن وضع الخريطة الحزبية قد لا يكون مستقراً في سياق فرضيات ترهن انفراد ستة أحزاب على الأقل من بين حوالي ثلاثين بالمواقع الأولى في النتائج، وهي الاستقلال وتجمّع الأحرار والاتحاد الاشتراكي والأصالة والمعاصرة والحركة الشعبية والعدالة والتنمية الاسلامي، مع تفاوت في التقديرات والوقائع. غير أنها المرة الأولى التي لن يكون فيها تأثير كبير للمرشحين المستقلين، على رغم أن القوانين في انتخابات البلديات لا تربط الترشيحات بالانتسابات الحزبية، ما دفع بعض المحاكم الإدارية في المملكة إلى البت في نزاعات حول الأهلية انطلاقاً من قانون الانتخابات وليس قانون الأحزاب الذي يحظر تغيير الولاءات خلال الولاية الاشتراعية. وعلى رغم أن المغرب قطع منذ فترة مع تجارب المرشحين المستقلين الذين كانوا يعمدون إلى تشكيل أحزاب سياسية بعد الانتخابات، فإن ما يعرف بظاهرة «النواب الرحّل» هيمنت على استحقاقات البلديات وأثارت المزيد من الجدل السياسي والقانوني الذي خفتت حدته، لكنه مرشح للعودة إلى الواجهة لدى البدء في انتخابات ثلث أعضاء الغرفة الثانية (مجلس المستشارين) ذات الصلاحيات الاشتراعية. وينظر مراقبون إلى الموقف الذي كان اتخذه مجلس المستشارين على خلفية الإضراب الواسع الذي عرفه قطاع النقل قبل بضعة أسابيع وشل الحركة التجارية في البلاد، حين رفض درس مشروع القانون الذي يتناول تنظيم السير على رغم اجازته من طرف الغرفة الأولى (مجلس النواب)، على أنه مؤشر للأهمية السياسية التي ترتديها الانتخابات المحلية، وإن كان طابعها الاقتصادي والاجتماعي يمثّل الصدارة. وفهم في غضون ذلك لماذا أصرت أحزاب الائتلاف الحكومي، وفي مقدمها الاستقلال والاتحاد الاشتراكي، على انتقاد موقف مجلس المستشارين من منطلق دستوري. واعتبرت أوساط حزبية قرار «الأصالة والمعاصرة» تعليق عضوية وزير التعليم أحمد خشيشن في المكتب الوطني للحزب، مؤشراً لاحتواء الأزمة التي اندلعت بين رئيس الوزراء عباس الفاسي والأصالة والمعاصرة عشية بدء الحملات الانتخابية حين قرر الأخير الانتقال إلى المعارضة، لكنه اختار نهاية الحملات الانتخابية ليل الخميس لاتخاذ قرار يفيد باستمرار ممارسة خشيشن مهماته في حكومة الفاسي، وإن كان الراجح أن قرار الإقالة والتعيين يصدر عن ملك البلاد الذي تعتبر الحكومة مسؤولة أمامه وأمام البرلمان. وعلى رغم أن الأزمة بدت في طريقها إلى الانفراج، فإن وضع حكومة الفاسي قبل اتمامها العام الثاني في الولاية الاشتراعية الحالية بات يثير تساؤلات حول مستقبل التحالفات السياسية، لا سيما أن قرار الأصالة والمعاصرة معارضة حكومة الفاسي أفسح في المجال أمام احتمالات عدة، قد لا تتبلور بالضرورة بعد اقتراع أمس، ولكنها غير مستبعدة في حال ظهور خلافات ومظاهر تصدع في أوساط الغالبية النيابية التي تدعم حكومة الفاسي. وثمة من يذهب الى اعتبار الانتقادات التي وجهها الوزير السابق المنتدب في الداخلية فؤاد عالي الهمة الى رئيس الوزراء عباس الفاسي ووزير الداخلية شكيب بن موسى جزءاً من «حرب نفسية» يسعى من خلالها الرجل القوي سابقاً للعودة الى الواجهة، وتحديداً إلى موقع وزارة الداخلية التي غادرها في صيف 2007 بطريقة غير متوقعة، وزاد عالي الهمة إمعاناً في انتقاد الحكومة، خصوصاً في تعاطيها وتطورات قضية الصحراء. ما اعتبر مؤشراً لحروب من نوع آخر موجهة ضد رئيس المجلس الاستشاري الصحراوي خلي هنا ولد الرشيد الذي تعرض شقيقه في العيون الى المزيد من الانتقادات. وكان عالي الهمة شارك في الجولة الأولى من مفاوضات مانهاست حول الصحراء، لكنه أُبعد بعد مغادرته الحكومة، فيما ارتدى حضور ولد الرشيد في الجولات الموالية تطوراً لناحية إشراك صحراويين موالين للمغرب في المفاوضات. لكن مصادر رهنت زيادة حدة المنافسات في المحافظات الصحراوية بقرار السلطات منح الإقليم حكماً ذاتياً في إطار ترتيبات تقول عنها إنها ستشمل بقية المحافظات في وقت لاحق. وكان الدستور المعدل لعام 1996 اعتبر «الجهة» نظاماً دستورياً على غرار تجارب في بلدان غربية مثل اسبانيا وايطاليا وألمانيا. إلا أن تفعيل النظام الجهوي ما زالت تعتريه صعوبات، أقربها تأثير نزاع الصحراء والتريث في الانتقال من اللامركزية إلى ما هو أقل من الحكم الذاتي. الى ذلك تدرجت نسب الاقبال على صناديق الاقتراع منذ صباح أمس، فيما يسود الاعتقاد أنها ستكون أكبر مما عرفته الانتخابات الاشتراعية لخريف 2007، كونها انتخابات البلديات ترتبط بمنافسات محلية. كما أن نظام الاقتراع فيها كان موزعاً بين نمط الاقتراع الآحادي والاقتراع بالقوائم، وعرفت دوائر عدة أعمال عنف ومشادات أسفرت عن ضحايا، إلا أن بيان الداخلية تحدث عن «وقائع بسيطة». وشارك مراقبون أجانب ونشطاء في المجلس الاستشاري وتنظيمات الدفاع عن حقوق الانسان في رصد الظروف التي جرى فيها اقتراع أمس في دوائر عدة. واجتمع وزير الداخلية المغربي شكيب بن موسى إلى وفد من الجمعية الدولية للدراسات الاستراتيجية في واشنطن يزور المغرب للاطلاع على الأوضاع السياسية في البلاد. ونقل عنه القول إن استحقاقات أمس «تشكل محطة مهمة في ترسيخ الديموقراطية ودعم مشاركة النساء والشباب». وكشفت تقارير رسمية أن 60 في المئة من بين الهيئة الناخبة التي يزيد عددها على 13 مليون ناخب، تتراوح أعمارهم ما بين 18 و45 سنة، وبلغ عدد النساء المرشحات ما يزيد على 20 ألف امرأة اضافة الى مرشحات في دوائر اضافية، كون القانون الانتخابي حدد نسبة 12 في المئة للنساء في سياق الحوصصة.